أخبار وتقارير

بعد وقف تدريس بعض التخصصات.. جدل عراقي حول الجامعات الأهلية

تشهد الأوساط الأكاديمية في العراق، راهنًا، جدلًا حول قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الصادر مؤخرًا، بـوقف، وتعليق تدريس بعض التخصصات «غير المناسبة لسوق العمل»، مع استحداث عدد من الأقسام العلمية الجديدة، بالجامعات الأهلية في البلاد.

وحول القرار الصادر في الرابع من نيسان/أبريل الجاري، يقول صلاح الفتلاوي، رئيس جهاز الإشراف والتقويم العلمي بوزارة التعليم العالي العراقية، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، إن دور الوزارة، كجهة حكومية إشرافية، يتمثل في «دعم جودة الدراسة بالكليات والجامعات الأهلية، وكبح جماح الكليات والجامعات التجارية التي لا تخضع للاعتمادات، أو التي تستهدف زيادة الأرباح على حساب الجودة التعليمية».

إقبال محدود للغاية

وبموجب القرار الوزاري، فإن التخصصات التي جرى تعليق تدريسها تشمل بعض أقسام العلوم الإسلامية، والإدارة والاقتصاد، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، في مقابل استحداث أقسام جديدة في الطب الحياتي، ودراسة الخلايا الجذعية، بحسب «الفتلاوي».

ويعزو المسؤول الرسمي، الخطوة، إلى تسجيل نسب إقبال «محدودة جدًا» في بعض تلك الأقسام التي يطالها القرار. ويضيف أنها «تخصصات مستهلكة». ويقول إنه لا يجب أن يدفع الطلاب أموالًا مقابل التخصص في مجالات بلا مستقبل، ولا توفر فرصة عمل.

ويشير «الفتلاوي» إلى أن صلاحيات وزارة التعليم العالي، التي تحصل على 3% من إيرادات الجامعات الأهلية سنويًا، تنحصر في الإشراف الأكاديمي على هذه المؤسسات التعليمية الخاصة، من حيث إلغاء بعض التخصصات، أو تقييم واعتماد المناهج الأكاديمية، بالإضافة إلى وضع شروط وضوابط الإنشاء ومزاولة العمل، من دون أن يكون للوزارة الحق في التدخل ماليًا، أو إداريًا، في قرارات الجامعات الأهلية، باعتبارها مؤسسات مستقلة. ويقدر المسؤول نفسه عدد هذه المؤسسات بنحو 75 جامعة وكلية، تضم 30% من طلاب التعليم العالي بالعراق.

«التعليم الأهلي شريك للتعليم الحكومي، وهو موجود بكافة دول العالم، ويشكل دعامة أساسية للنهضة التعليمية في عشرات الدول، وقرار إلغاء بعض التخصصات بالجامعات الأهلية في العراق، جاء بسبب وجودها بكثرة».

زينب السلطاني
رئيسة جامعة الزهراء الأهلية

معايير الاعتماد الأكاديمي

في المقابل، يرى أكاديميون أن أزمة الجامعات الأهلية العراقية لا تقتصر على وجود تخصصات لا تناسب سوق العمل، ويشيرون إلى ارتفاع أعدادها منذ العام 2003، وعدم خضوع النسبة الأكبر منها لمعايير الاعتماد الأكاديمية، واستقبالها لطلاب أكبر من طاقتها الاستيعابية الفعلية.

وعن ذلك، يقول عبد الرزاق العيسى، وزير التعليم العالي السابق، لـ«الفنار للإعلام»، أن الأولوية في إصلاح الجامعات الاهلية ينبغي أن «تشمل إلزام هذه المؤسسات باستقبال الأعداد المحددة لها، في ظل ارتفاع أعداد خريجي الجامعات بكافة التخصصات، بما فيها التخصصات الطبية، وغياب المشروعات، وفرص العمل الكافية لاستيعابهم بدوائر الدولة».

ويضيف أن مشكلة زيادة عدد الجامعات والكليات الأهلية تتمثل في عدم وجود طواقم تدريسية كافية لهذه المؤسسات التي تضطر إلى الاستعانة بأساتذة غير مؤهلين، ولا تنطبق عليهم شروط الأهلية العلمية.

وبدوره، يشير على رزوقي، المدير العام السابق للتعليم الأهلي بوزارة التعليم العالي العراقية، إلى مشكلة أخرى، وهي: عدم توزيع هذه المؤسسات بشكل متوازن جغرافيًا، حيث ترتفع أعداد الكليات الأهلية بشكل كبير في محافظات معينة مثل العاصمة بغداد، بينما تغيب عن محافظات أخرى تحتاج إلى مؤسسات تعليمية، مثل كركوك والقادسية. ويضيف في تصريح لـ«الفنار للإعلام» أن الطاقة الاستيعابية لهذه الكليات الأهلية، لا تتناسب مع إمكانياتها فيما يخص قاعات التدريس، وأجهزة المختبرات. ويقول إن بعض الكليات تقبل في صفوفها 400 طالب بينما طاقتها الاستيعابية في حدود 120 طالبًا فقط.

ويصف علي رزوقي، قرار تعليق العمل ببعض التخصصات بالأمر الجيد، ويقول إن تلك الخطوة تأتي عادة بطلب من رؤساء الجامعات في ظل انخفاض معدلات الإقبال عليها.

ويجيز قانون التعليم العالي الأهلي في العراق رقم 25 لعام 2016، لمجلس الوزراء، منح إجازة تأسيس الجامعة، أو الكلية، أو المعهد الأهلي، لحملة شهادة الدكتوراه، أو الماجستير من المتقاعدين، أو من غير الموظفين، ممن هم بمرتبة أستاذ مساعد على الأقل، على أن لا يقل عددهم عن 9 أعضاء لتأسيس الجامعة الأهلية، و7 لتأسيس الكلية الأهلية، و5 أعضاء لتأسيس المعهد الأهلي، بالإضافة إلى الجمعيات العلمية، أو النقابات المهنية ذات الاختصاصات العلمية، والتربوية، والثقافية.

«الأولوية في إصلاح الجامعات الاهلية ينبغي أن تشمل إلزام هذه المؤسسات باستقبال الأعداد المحددة لها، في ظل ارتفاع أعداد خريجي الجامعات بكافة التخصصات، بما فيها التخصصات الطبية، وغياب المشروعات، وفرص العمل الكافية لاستيعابهم بدوائر الدولة».

عبد الرزاق العيسى
وزير التعليم العالي السابق بالعراق

ويرى الوزير السابق ضرورة تدخل البرلمان العراقي لمعالجة بعض النقاط في ذلك القانون، مثل متطلبات التأسيس. وينادي بوضع شروط «أكثر انضباطًا»، مع منح وزارة التعليم العالي سلطة تحديد نسبتها في الأرباح المالية لتلك المؤسسات.

في السياق نفسه، يشكو بعض خريجي الجامعات الأهلية بالعراق من ضعف التحصيل الدراسي، ما يجعلهم يواجهون صعوبات في مسعاهم للحصول على فرص عمل بعد التخرج. ومن هؤلاء، ياسين العلوي، خريج كلية الصيدلة بإحدى الجامعات الأهلية في بغداد. ويقول «العلوي» في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن التطبيق العملي أثناء الدراسة الجامعية كان «ضعيفًا»، بسبب زيادة أعداد دفعته الدراسية إلى 400 طالب، بينما الطاقة الاستيعابية للكلية في حدود 120 طالبًا فقط.

ويوضح الشاب العراقي الذي يعمل بإحدى صيدليات بغداد، أن الطلاب يلجأون إلى الدراسة بالجامعات الأهلية بسبب ضعف مجموعهم بالثانوية العامة، مشيرًا إلى أن الخيار بالنسبة لهم يكون إما السفر للدراسة بجامعات لبنان أو إيران على سبيل المثال، أو الالتحاق بإحدى الجامعات الأهلية في العراق.

التعليم الأهلي شريك لـ«الحكومي»

في المقابل، تقول زينب السلطاني، رئيسة جامعة الزهراء الأهلية، وهي جامعة أهلية خاصة بالإناث، إن التعليم الأهلي شريك للتعليم الحكومي، وهو موجود بكافة دول العالم، ويشكل دعامة أساسية للنهضة التعليمية في عشرات الدول. وتوضح في تصريح هاتفي لـ«الفنار للإعلام» أن قرار إلغاء بعض التخصصات جاء بسبب وجودها بكثرة، وأنها أقسام مستهلكة، ومحدودية الإقبال عليها.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وتضيف أن بعض الجامعات الأهلية «يفوق مستواها التعليمي، أداء الجامعات الحكومية من حيث منظومة التدريب والتعليم. وتقول إن هذه الجامعات وسيلة دعم لاقتصاد البلد من خلال استيعاب الطلاب الذين يلجأون إلى الجامعات اللبنانية والإيرانية. كما تشير إلى أن غالبية من يدرسون بالخارج يذهبون إلى جامعات «غير معتمدة وتمنح شهادات مزورة». وتدعو «السلطاني» إلى عدم التعامل مع وجود الجامعات الأهلية باعتبارها «عبئًا» على التعليم في بلادها.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى