نصائح ومصادر

خاص للفنار: تقرير عن البحث العلمي المصري وأثره العربي الأوسع

القاهرة – قبل خمس سنوات، بدأ أستاذ الكيمياء في الجامعة الأميركية بالقاهرة حسن عزازي مع عدد من طلابه مجموعة بحثية لتطوير حلول طبية بأسعار معقولة “يمكن لاحقاً أن تتحول إلى نموذج متواجد في السوق” على حد قوله.

والآن، ملايين من المصريين قد يتمكنون من الاستفادة من عمل عزازي الذي استطاع مع طلابه استخدام الجسيمات النانونية لتطوير اختبار جديد ورخيص وسريع قادر على تشخيص مرض الكبد الوبائي – فيروس سي والذي يعاني منه ما يقرب من 22 في المئة من سكان مصر. (وعادة ما يتطلب إجراءاختبار الكشف عن فيروس سي وقتاً كما يعد مكلفاً لتضمنه إجراء اختبارين لتشخيصه).

وقد وصل عزازي للمراحل الأخيرة من المفاوضات التي يجريها مع جامعته لإنشاء شركته الخاصة لتسويق اختباره الطبي الجديد وغيره من الاختبارات التشخيصية الجديدة.

“ربما هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إنشاء شركة منبثقة عن جامعة مصرية”، يقول عزازي معرباً عن أمله بأن “تشكل هذه الخطوة علامة فارقة” في البحث العلمي في مصر.

لا تزال قصص مثل قصة عزازي نادرة في العالم العربي، إذ يعاني البحث العلمي في الجامعات من نقص في التمويل، والأبحاث القليلة التي قد توجد غالبا ما تكون غير مرتبطة باحتياجات المجتمع وبالفرص المتاحة في السوق.

استثمارات شحيحة

يشير تقرير نشر مؤخراً حول العلوم والابتكار في مصر إلى وجود “شبه إجماع على أن عقودا من ضعف الاستثمارات وسوء التخطيط في صرف تمويل الأبحاث، والبيروقراطية المفرطة، وضعف المناهج التعليمية والتدخل السياسي أضعفت بشكل حاد النظام التعليمي الذي كان في السابق يخرج أفضلالعلماء في العالم”.

https://www.bue.edu.eg/

إلا أن هنالك بعض العلامات المشجعة، فالجهات الحكومية تدرك بشكل متزايد أهمية العلم والابتكار في خلق نمو اقتصادي وفرص توظيف. كما أن المنظمات غير الحكومية تحاول تشجيع المبدعين الشباب، خاصة وأن الربيع العربي زاد من توقعات الرأي العام وجعل الاستفادة من الإمكانات البشرية فيالبلاد أولوية كبرى، فمصر لديها عشرات الآلاف من العلماء الموهوبين.

التقرير، الذي نشرته الجمعية الملكية، التي تضم مجموعة من العلماء المتميزين، هو جزء من مشروع أطلس العلوم والابتكار بالعالم الإسلامي. وصدر تقرير مماثل عن ماليزيا العام الماضي كما يتم الإعداد لتقارير مقبلة عن الأردن وإندونيسيا والسنغال.

يهدف التقرير، بحسب ما يقول كاتبه الرئيسي مايكل بوند إلى “لفت الانتباه لواقع العلم والتعليم في مصر، وإثارة النقاش حول الاتجاه الذي يسير فيه، والنظر لمواطن الفشل والنجاح وتحديد فرص التعاون بين الباحثين والقطاع الصناعي، وبين الحكومة والمنظمات غير الحكومية، داخل وخارج البلاد”.

تبلغ الاستثمارات الحكومية في البحث والتطوير في معظم دول الشرق الأوسط أقل من واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (الهدف الذي حددته منظمة المؤتمر الإسلامي للدول الأعضاء). ففي مصر بلغ وسطياً 0.25 في المئة من عام 2004 إلى عام 2010، والقطاع الخاص يساهم بجزء ضئيل جدامن هذا الاستثمار الشحيح في الأصل.

ويشير التقرير أيضا إلى أن تدريس العلوم بشكل عام يتم بطريقة نظرية وغير إبداعية، حيث لا يتم تشجيع الطلاب على معالجة المشاكل التي تواجه العالم أو التفكير في التطبيقات التجارية لأبحاثهم. منذ عام 2006، بقيت نسبة الطلاب الذين يدرسون العلوم والطب والهندسة هي نفسها أو في بعض الأحيانتراجعت ولا تبلغ اليوم سوى 20 في المئة فقط.

ويقول بوند إنه خلال إعداد التقرير، فقد وجد أن هناك “استياء واسعا من واقع النظام التعليمي، لاسيما بالمقارنة مع ما كان عليه قبل 30 عاما، والكثير من عدم الرضا عن الطريقة التي يتم من خلالها تعليم طلاب العلم وقلة استعدادهم للعمل في العالم الحقيقي”.

“الاقتصاد ضعيف لأننا لا نطور معارفنا”، يقول عزازي من الجامعة الأميركية بالقاهرة، مضيفاً أن “موارد الجامعات قليلة والرؤية والاهتمام بالمشاكل الاجتماعية يبدو معدوما”.

إلا أنه هنا وفي جميع أنحاء المنطقة، يزداد وعي الحكومات والجامعات بالحاجة إلى دعم البحث العلمي المفيد وخلق روابط بين الأوساط الأكاديمية والصناعية. في البلدان الغنية بالنفط في الخليج العربي، أطلقت السلطات عدة مشاريع ممولة تمويلا جيدا وذات مستوى علمي عال، مثل جامعة الملك عبد اللهللعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية ومعهد مصدر في دولة الإمارات العربية المتحدة. بالطبع يلزم الانتظار لرؤية نتائج هذه المشاريع.

تجارب ناجحة

وفي مصر، تضاعف الهيئات العامة مثل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا من جهودها لدعم البحوث التطبيقية وإنشاء روابط بين الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال.

وقد وضعت الأكاديمية منحة تنافسية وبدأت برنامجا للبحث عن مشاريع أبحاث دراسات عليا لديها إمكانات تجارية. وهنالك مشروع جديد لتشجيع الشباب المصريين لزيارة العشوائيات المتناثرة في البلاد وإيجاد حلول مبتكرة للمشاكل اليومية فيها. فكرة المشروع حتى الآن هي خلق نموذج محلي لعربة”التوك توك” يشتغل على الكهرباء. والتوك توك عبارة عن عربة صغيرة بثلاث عجلات وهي الوسيلة الوحيدة للنقل القابلة للاستخدام في الطرق الضيقة غير المعبدة في العشوائيات في مصر. وحتى الآن يتم استيراد هذه العربات من الهند والصين.

في مصر اليوم، يقول ماجد الشربيني، رئيس الأكاديمية “كل الأحزاب السياسية تدعم العلم والتكنولوجيا وتدرك قيمتها. إلا أن المشكلة تكمن في أن جميعهم مشغولون بمشاكل أخرى نظراً للوضع السياسي”. خلال العامين الماضيين، تعثرت البلاد بسبب الصراع على السلطة السياسية والاضطرابات الجارية.ومع ذلك ارتفع الاستثمار الحكومي في البحث والتطوير إلى 0.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، بحسب ما يقول الشربيني، ومن المحتمل أن يصل إلى 0.8 في المئة العام المقبل.

في نهاية المطاف، نوعية التعليم العلمي لا يمكن تطويرها بشكل ملحوظ من دون إعادة هيكلة وزيادة تمويل الجامعات المصرية التي ترزح تحت الضغوط، يقول الشربيني.

ويتابع، في غضون ذلك، “عليك أن تحاول قدر الإمكان أن تقتصد في الإنفاق وتنفق في الاتجاه الصحيح إذ لا يمكننا تحمل خسارة فلس واحد”.

وتشمل الاقتراحات الأخرى لدعم العلوم والابتكار في مصر تنسيق عمل المراكز البحثية القائمة، وتوفير الموارد للعلماء وتدريبهم على كيفية تسويق أبحاثهم، وإصدار قوانين جديدة تسمح للجامعات بتركيز جهودها في إقامة شراكات وتطبيقات تجارية.

“الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص والأكاديميون جميعهم بحاجة إلى تبني وسائل جديدة لتسيير الأمور”، يقول عبد الله النجار، أستاذ الفيزياء في جامعة الشارقة ورئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وهي منظمة تدعم العلماء العرب.

“إنه نظام إيكولوجي”، يقول النجار، “إذ يجب أن تكون لديك جميع القطع في مكانها بما يضمن تدفق الأفكار مباشرة إلى السوق”.

في الماضي، كان العديد من الأكاديميين في العالم العربي ينظرون للأبحاث باعتبارها تدريبات نظرية على حد قول النجار. كما أن هنالك فجوة ثقة كبيرة بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، فالمستثمرون لا يفهمون العديد من التقنيات الجديدة ويعتبرون تمويل الشركات المبتدئة قضية محفوفة بالمخاطر.في حين يخشى العلماء من سرقة أفكارهم، أو تخفيض أرباحهم.

ولكن في جميع أنحاء العالم العربي اليوم هناك “تعطش من أجل تطوير الأفكار والأبحاث إلى أعمال تجارية، والثقافة آخذة في التغيير”، يقول النجار. يوماً بعد يوم يتزايد عدد الأكاديميين الذين يتقدمون بعروض للمشاركة في المنافسات التي تنظمها مؤسسته، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على إمكاناتسوق البحوث العلمية وعلى العلماء الذين لديهم أفكار جيدة تتناسب مع اهتمام المستثمرين.

على المدى الطويل، يعتقد بوند أن الربيع العربي قد يكون نعمة للبحث العلمي. ففي مصر، “الثورة أطلقت الرغبة في تغيير الأمور مع الإدراك للإمكانيات الموجودة. في السابق، كان هناك إصلاحات تجري ببطء في عدد من الدول العربية. ولكن على مستوى إدراك الشعوب بأهمية العلوم وقدرتها علىتغيير حياة الناس، فأنا أعتقد أن الربيع العربي سيكون له تأثير كبير في ذلك”. إلا أنه يلحظ أن “استمرار العنف والاضرابات السياسية سيكون حاسما في استمرار احتفاظ الناس بتفاؤلهم وتمسكهم بهذه الرؤية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى