أخبار وتقارير

الحرية الأكاديمية في الإمارات تتضاءل

ألغت كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية  (LSE) مؤتمراً مشتركاً كانت تعتزم إقامته في مدينة دبي الشهر الماضي قبل ثلاثة أيام فقط من موعده ردأ على ” القيود المفروضة على المحتوى الفكري للحدث والذي يعد تهديداً للحرية الأكاديمية”.

في اليوم التالي، مَنع كريستيان كوتس أولريخسن ، باحث في كلية LSE وكان من المفترض أن يشارك في المؤتمر،  من دخول الإمارات العربية المتحدة وتم ترحيله مجدداً إلى لندن.

تؤكد هذه الحوادث على تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير في البلاد التي قدمت نفسها بوصفها منارة للتعليم العالي، إلا أنه بات واضحاً أن مساحة الحوار الحر والمفتوح تتناقص.

الحريةتحتالتهديد:

كان أولريخسن يعتزم تقديم عرض عن البحرين، عندما حذرت الحكومة الإماراتية أنها لن تسمح بإقامة نقاش بهذا الخصوص، ألغت الكلية الحدث الذي كان يحمل عنوان” الشرق الأوسط الجديد: الانتقال في العالم العربي” وشارك في تنظيمه الجامعة الأمريكية في الشارقة. وقالت الجامعة الأمريكية أن هذا القرار اتخذ من قبل كلية لندن وأنه “لا علم لها بأي معلومات أخرى تتعلق بإلغاء الحدث في اللحظة الاخيرة.”

وبغض النظر عن إلغاء الحدث، فقد قرر أولريخسن المضي قدماً في رحلته رغم قرار منع دخوله.

“إن الدكتور كوتس أولريخسن قد نشر مرارا آراء ضد النظام الملكي في البحرين” أعلنت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية ‘وام ” لذلك ارتأت الإمارات أنه ليس من الحكمة أن تسمح في هذا المرحلة الحساسة التي يمر بها الحوار الوطني في البحرين بنشر آراء غير بناءة عن الأوضاع في مملكة البحرين من داخل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي”.

وكانت دولة الإمارات قد عززت مكانتها كمركز للتعليم العالي، وموطن لفروع جامعات عريقة كجامعة السوربون وجامعة نيويورك، فضلاً عن موقعها كمركز ثقافي يضم عدداً كبيراً من المتاحف، بما في ذلك متحف غوغنهايم ومتحف اللوفر.

إلا أن بيان الوزارة يوضح توجه الحكومة الذي يتعارض بصورة أساسية مع النوايا المعلنة لاحتضان التعليم على النمط الغربي، والذي يشدد على البحث عن المعرفة من خلال النقاش المفتوح، يقول مات دوفي، الذي درس علم الاتصال في جامعة زايد في أبو ظبي قبل طرده من الإمارات العربية المتحدة العام الماضي لأسباب غير واضحة، ” بدا وكأنه إجراء متخذ من القوى الأمنية وليس من قبل مراكز التعليم الحكومي”.

“هناك أشخاص في الحكومة لديهم عقلية أمنية” يقول دوفي، ” ييتخوفون من أن السماح بإنشاء بعض المناقشات قد يخلق عدم استقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة، هم فقط ينظرون إلى جيرانهم ليتأكدوا أنهم لا يرغبون بوجود مثل هذا النوع من عدم الاستقرار”.

يعتقد معتز عطا الله، مسئول الحق فى التعليم فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، أن الديناميكية هي الإشكالية.

“تدعي الإمارات أن لها الكثير من الفضل في كونها منارة للتعليم العالي في المنطقة”، يقول عطا الله. “تكمن المشكلة بما تدعيه من فضل وموقفها الأخير المتعارض مع جانب أساسي من أحد متطلبات كونها مركز فعلي لإنتاج المعرفة،آلا وهو الحرية الأكاديمية.”

يقول وزير الخارجية الإماراتي إن قرارها بمنع أولريخسن من دخول البلاد ” لا يعكس العلاقات المتينة مع كل من الجامعة الأمريكية بالشارقة وجامعة لندن للاقتصاد ولا الموقف من التميز الأكاديمي لهاتين المؤسستين”. إلا أن بعض الأكاديميين والخبراء يعتقدون أن مثل هذا الموقف، ومواقف أخرى مشابهة، يؤثر على المعلمين والمؤسسات.

“إنه تماما يغرس الرقابة الذاتية في الناس”، يقول جون آرتشر،  أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة نيويورك، والتي لديها فرع في أبو ظبي.

تقول جماعات حقوق الإنسان إن حملة من الانتقادات والقيود المفروضة على التعبير قد نمت في الإمارات العربية المتحدة على مدى العامين الماضيين في أعقاب الانتفاضات التي اندلعت في مختلف أنحاء المنطقة. في عام 2011، أدين خمسة من النشطاء المعروفين في دولة الإمارات العربية المتحدة باسم ” مجموعة النشطاء الخمسة” بتهمة إهانة مسؤولين بصورة علنية، لاحقاً تم الإعلان عن عفو وأطلق سراحهم.

“اجتذبت هذه القضية الكثير من الانتقادات لدولة الإمارات بوصفها قضية حرية التعبير”، يقول نيكولاس ماك جيهن، مستشار الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش. موضحاً أن هذه القضية ” خلقت مشكلة نظراً لأن سمعة البلاد ونموذجها الاقتصادي يعتمدان إلى حد ما على ما تتمتع به الدولة وحكامها من الظهور بصورة تقدمية ومستنيرة”.

وبحسب هيومن رايتس ووتش، فقد أصدر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في أواخر العام الماضي مرسوماً متشدداً يرسي الأسس لمحاكمة المواطنين في حال استخدامهم الإنترنت لانتقاد كبار المسؤولين، إضافة إلى قيود أخرى. ” المرسوم يغلق فعلياً المنتدى الوحيد المتبقي في البلاد لحرية التعبير” تقول المنظمة الدولية. ” سوق الأفكار ليس فكرة أو مفهوم يمكن لحكام الإمارات أن يطلبوا الاشتراك فيه”، يقول ماك جيهن.

مخاوفمستقبلية:

يشير التقرير المنشور مؤخراً بخصوص” الحريات في العالم” والذي يتناول الحريات في جميع أنحاء العالم في عام 2012، إلى تغيرات سلبية فيما يخص الحريات في دولة الإمارات ووصفت البلاد بأنها ” غير حرة”.

“تم تخفيض تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تصعيد الاعتقالات للنشطاء والمحامين والقضاة المطالبين بالإصلاح السياسي، وإقرار قانون متشدد يعاقب النشاط على الإنترنت وحرية التعبير، وإقالة وإبعاد أكاديميين ينتقدون سياسات الحكومة “. يقول  التقرير الذي أعدته فريدوم هاوس، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة متخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية السياسية.

في ضوء الأحداث الأخيرة المحيطة المؤسسات الأكاديمية، يمكن أن يصبح من الصعب بالنسبة للجامعات كالجامعة الأمريكية أن تجدد رخصتها على المستوى الدولي، في حين يفضل بعض الأكاديميين الذين يفكرون  في الانتقال الى دولة الإمارات العربية المتحدة الانتظار قليلاً حتى تضح الرؤية من ناحية عدم وجود داع للقلق بشأن القيود المفروضة على البحوث، يقول دوفي.

“ومع ذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى الرغم من كل هذه القيود على الحرية الأكاديمية إلا أن لديهم الكثير من المال”، يقول دوفي. “لا أتفاجئ بما يمكن إنجازه أو التغاضي عنه بسبب وجود مقابل مادي كبير في نهاية الأمر”.

أعطت أبو ظبي جامعة نيويورك 50 مليون دولار كما وافقت على تمويل فرعها الجامعي في المدينة والذي أفتتح في عام 2010. كما تلقت كلية لندن للعلوم السياسية والاقتصادية دعماً مجزياً من مؤسسة الإمارات، وهي مجموعة تمولها الحكومة، كما سبق وأن قبلت المدرسة تبرعاً من سيف الإسلام القذافي، نجل الطاغية الليبي السابق معمر القذافي.

إلأ أن الحكومة التي تقدم ملايين الدولارات للجامعات ” قد تعمل ربما ضد نتائج التعليم الليبرالي، وهذا سبب الإشكالية في تلقي الأموال من قبلهم للبدء في مثل هذه المشاريع”، يقول أرتشر أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة نيويورك والذي يصف نفسه بكونه مشكوك بأمره من قبل الجامعة في أبو ظبي.

في المقابل، يفضل عطالله التريث ريثما يتضح ما إذ كانت المؤسسات في الإمارات ستبدي أي مخاوف على حرية التعبير في البلاد.

” يبدو الوضع أشبه بمحيط، وهناك اضطراب في أحد الخلجان”، يقول عطالله. ” سيحتاج الموضوع بعض الوقت لمعرفة أي ردود فعل من قبل مؤسسات ذات وزن ربما بسبب السرعة التي تعمل بها هذه المؤسسات وربما بسبب ضخامة الاستثمار الخاص بها”.

في الوقت الراهن على الأقل ، تبدو الجامعات متحفظة.  عندما تم سؤال جامعة نيويورك فرع أبو ظبي للتعليق على الحادث، لم تدين الجامعة دولة الإمارات العربية المتحدة منع أولريخسن من الدخول.

“الجامعات ليس لديها سلطة لتحل محل الجهة التي تمنح التأشيرات أو تقدم قرارات خاصة بالهجرة، سواء في الولايات المتحدة أو الإمارات أو من البلدان الستة التي نعمل بها” يقول تايلور جوش،  معاون نائب مدير جامعة نيويورك أبوظبي للشؤون والعلاقات العامة في بيان أرسل بالبريد الالكتروني.

“حتى الآن، هذه ليست مشكلة جامعة نيويورك أبو ظبي. نحن كجامعة ملتزمون بمبدأ وجوب تبادل الأفكار والنقاشات حيثما وكلما كان ذلك ممكناً”.

ولكن البعض الآخر اتخذ موقفاً أكثر صعوبة.

ذلك أن كلا من عطالله وخالد فهمي، أستاذ ورئيس قسم التاريخ في الجامعة الأميركية في القاهرة،و الذين كانا من المفترض أن يتحدثا في دبي في حفل افتتاح الفنار (الذي تم إلغاؤه) رفضا السفر أيضاً إلى دبي بعد وضع اسم  أولريخسن على القوائم السوداء.

إذ كان من المفترض أن يتحدث فهمي عن عدم التقدير لفلسفة الآداب في الجامعات العربية، إلا أنه خشي المشاركة وإرسال رسالة مفادها أنه كان يغض الطرف عن تصرفات الحكومة.

” إنني أشاهد الحكومة الإماراتية تقوم تماماً بنفس التصرفات التي لطالما انتقدتها في مختلف أنحاء العالم العربي” يقول فهمي، ” أعتقد أن العرض التقديمي الذي كنت أنوي تقديمه لن يعني شيئاً”. كما يرفض فهمي حضور المؤتمر القادم لجامعة نيويورك أبو ظبي متسائلاً عن جدية الإمارات حيال التعليم.

” هل هو حقاً استثمار في التعليم، أم مجرد شراء علامة ثقافية لنقول أنا لدي متحف غوغنهايم ومتحف اللوفر وجامعة نيويورك، هاذا هو السؤال” يتساءل فهمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى