أخبار وتقارير

بعد سنوات طويلة.. وزير التعليم العالي الإماراتي يتخلى عن منصبه

أثار خبر مغادرة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الإماراتي لمنصبه تساؤلات لدى العديد من الأكاديميين المحليين حول مستقبل قيادة التعليم العالي في البلد الخليجي.

 فقد استقال الشيخ نهيان بن مبارك النهيان، والذي تولى حقيبة التعليم العالي لأكثر من 20 عاماً، الأسبوع الماضي كجزء من التغيير الوزاري الحاصل في البلاد. وسيتولى الشيخ نهيان منصبا وزاريا آخر محتفظاً في الوقت نفسه بقيادة ثلاث جامعات اتحادية، وصفها أحد المصادر بكونها “أطفاله”. وخلف الشيخ نهيان في قيادة وزارة التعليم العالي شقيقه الأصغر الشيخ حمدان والذي كان يشغل منصب وزير الأشغال العامة منذ عام 2004.

 وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس الوزراء وحاكم دبي، قد أعلن عن التغييرات الوزارية على حسابه على التويتر. وتضمنت التغييرات تعيينات جديدة لكل من وزيري الشؤون الخارجية والطاقة. وأوحت تغريدة الشيخ مكتوم بأن الحكومة تفتح الباب أمام الجيل الجديد في التشكيلة الحكومية الجديدة. “سيكون هنالك وجوه شابة بأفكار جديدة وطاقة لمواكبة التغييرات والتعامل مع أولويات شعبنا” قال الشيخ مكتوم بتاريخ 12 آذار/مارس.

إلا أن الإعلان غير المتوقع لمغادرة الشيخ نهيان لمنصبه الوزاري بعد كل هذه الفترة (من عام 1990 ولغاية آذار/مارس 2013 تخللها عامان كوزير للتعليم من 2004 ولغاية 2006)، فاجأ الكثيرين من الأساتذة والأكاديميين الإماراتيين.

“أستطيع القول بكل تأكيد أن لا أحد من دوائر التعليم العادية كان منتظرا حصول هذا التغيير”، يقول مصدر مطلع على واقع التعليم العالي في الإمارات طلب عدم ذكر اسمه لحماية عمله. “من وجهة نظر مهنية، نهيان كان في هذا المنصب منذ البداية”.

 نهيان، أحد أفراد الأسرة الحاكمة، شخصية محترمة وذات شعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكثيراً ما يمتدحه الأكاديميون والصحافيون الدوليون بسبب جهوده للنهوض بالتعليم العالي. خلال فترة شغله منصبه، كان له الفضل في تشديد معايير القبول للجامعات الاتحادية ووضع برامج تحضيرية للطلاب الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات. كما أنشأ لجنة الاعتماد الأكاديمي، ويقول الكثيرون من أنصاره إنه أسهم في توسيع فرص التعليم العالي للمرأة الإماراتية، وكذلك القضاء تقريباً على الأمية في الإمارات.

وكانت سياسته الأكثر إثارة للجدل هي بجعل اللغة الإنكليزية اللغة الرئيسية للتعليم في مختلف كليات وجامعات البلاد. “نهيان كان دوماً واضحاً حول هذه القضية، كان يشدد على أهمية أن يكون الطلاب ثنائيي اللغة باعتبار أن اللغة الإنكليزية هي لغة الأعمال في العالم، وإذا كان الإماراتيون يرغبون بالنجاح فالإنكليزية هي اللغة التي يجب أن يستخدموها” يقول أحد المصادر. إلا أن بعض الأهالي وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي المشكل لتمثيل الإماراتيين في الحكومة واصلوا التحرك من أجل العودة إلى اعتماد اللغة العربية.

والآن تم تعيين نهيان كوزير للثقافة والشباب والتطوير المجتمعي. وقد صرح لوسائل الإعلام المحلية بأنه سيتابع قيادة الجامعات الاتحادية الثلاث: جامعة زايد، جامعة الإمارات العربية المتحدة والكلية العليا للتكنولوجيا.

“كان من المتوقع أنه، ووفقا للنمط الذي وضعه نهيان نفسه، وزير التعليم العالي هو أيضا رئيس الجامعات الثلاث. وأنا أتساءل شخصيا ما إذا كان هذا نوع من المرحلة الانتقالية”، تقول ألما كادراجيك، المديرة السابقة لبرنامج ماجستير الإعلام والاتصالات والدراسات الدولية في جامعة ولونغونغ بدبي.

 في المقابل، تكهنت مصادر أخرى في قطاع التعليم أن نهيان قد يحتفظ برئاسة الجامعات الثلاث بصورة مؤقتة ريثما يتمكن شقيقه من المسك بزمام أمور عمله الجديد.

وقال أحد المصادر “قد يكون هذا جزءا من الصفقة”، مضيفا “لنفترض أن الشيخ نهيان سيبقى لسنة في هذا المنصب كرئيس للجامعات الثلاث، فإن هذه الخطوة هي جيدة من أجل إرشاد وتعليم الشخص الذي يتولى منصبا جديدا”.

 وتحذر كادراجيك من أن افتقار الحكومة في دولة الإمارات للشفافية  تدفع الأكاديميين إلى التخمين فقط حول الدوافع المحتملة وراء التغييرات الوزارية.

 من جانبه، يتكهن ماثيو دوفي، أستاذ الاتصالات السابق في جامعة زايد، أن الدوافع التي دفعت لتخلي نهيان عن وظيفته قد تكون بسبب كونه ليبراليا جدا.

 “يعي نهيان جيداً أهمية التعليم، وما يتضمنه من تعليم الفنون الليبرالية” يقول دوفي. “أعتقد أنه كان يرحب بدور الحوار، وحرية التعبير وحرية تبادل الأفكار حول التعليم العالي. لقد كان بالفعل وزيراً جيداً للتعليم العالي”.

 في العام الماضي، تم إنهاء تعاقد دوفي مع جامعة زايد بصورة غير متوقعة. ويقول إنه أجبر على مغادرة الإمارات بسبب تحديه لثقافة البلاد الخاصة بالرقابة الذاتية على الصحافة.  ويقول دوفي أنه علم أن نهيان حاول من دون جدوى الطعن في قرار إنهاء عقده، والذي تم فرضه من “خارج النظام الجامعي”. ويعتقد دوفي أن الشيخ ربما واجه انتقاماً لمحاولته تعزيز خطاب أكاديمي أكثر انفتاحاً.

 منذ انطلاقة الربيع العربي، قامت قوى الأمن الإماراتية بلعب دور أكبر في إعلام الجامعات بما يجب أن تفعله أو لا تفعله ونوعية الأساتذة الواجب تعيينهم، يقول دوفي. “أصبح من المعروف جدا في جامعة زايد أن العديد من الأكاديميين من دول عربية لن يحصلوا على موافقات أمنية”.

 وأعرب أكاديميون وخبراء سياسات آخرون عن قلقهم بشأن إمكانية أن يكون شقيق الشيخ نهيان على مستوى التحدي لتلبية متطلبات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 “الشيخ حمدان وزير الأشغال بعيد جداً عن الأضواء” تقول كادراجيك. “لم نكن نقرأ اسمه في الصحف بصورة يومية، على العكس من الشيخ نهيان الذي كان تحت الأضواء بفضل نشاطاته في الجامعات وكان يعقد مؤتمرات كل الوقت”.

 “الظهور الإعلامي ضروري للحصول على دعم من أجل التعليم”، تقول مصادر. “هذه ليست وزارة الدفاع، ولذا تأمين الأموال مهمة أصعب”.

 ويقول بعض الأكاديميين إنه إذا لم تتمكن الإمارات من تأمين المزيد من الدعم للبحوث وأعضاء الهيئة التدريسية، فإن البلاد قد تفقد أساتذة كفوئين لصالح دول عربية أخرى كقطر، والتي تخصص حوالي 2.8 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي لصالح البحث والتطوير. من جهة أخرى، تستثمر الإمارات واحد في المئة فقط في البحث العلمي.

 ويبدي آخرون تفاؤلا أكبر بشأن إمكانيات الوزير الجديد. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور عبد الخالق عبدالله، أستاذ إماراتي في العلوم السياسية متقاعد من جامعة الإمارات العربية المتحدة، إنه يأمل أن يتمكن الأخ الأصغر للشيخ نهيان من تعويض أوجه القصور لدى أخيه.

“المنصب كان يمكن أن يكون لأي شخص آخر، وحقيقة كونه شقيق نهيان هو أمر غير مهم”، يقول عبدالله. “الحقيقة أنه كان على أحد أن يتولى هذا المنصب وشاء القدر أن كان شقيقه. أعتقد أن الكثير من الأعمال الجيدة قد تمت حتى الآن، وهو يحتاج إلى تعزيز هذه الأعمال التي قام بها الشيخ نهيان، ولكن هنالك أمور أخرى يمكن القيام بها بطريقة أفضل، بدءاً من توطين أعضاء الهيئة التدريسية”.

  “عندما تنظر إلى جامعة زايد وكلية التكنولوجيا ستجد أن كل كادرها التدريسي من غير الإماراتيين، وهو أمر لم يهتم به الشيخ نهيان” يضيف عبدالله. “إن ترك هذا الموضوع من دون معالجة بطريقة ملائمة لنحو 10-20 عاماً هو قصور كبير في معالجة الشيخ نهيان للتعليم العالي في الإمارات”.

 ممثلو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الأشغال العامة لم يستجيبوا لطلبات إجراء لقاءات معهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى