أخبار وتقارير

الجامعات المصرية تراوح مكانها وسط الفوضى

تقرير خاص لـ”الفنار” من القاهرة:

هاني الحسيني وعادل عبد الجواد زميلان في جامعة القاهرة، أحدهما يعلم الرياضيات والآخر الهندسة. الأستاذان الجامعيان ناشطان منذ سنوات في قضايا الإصلاح الأكاديمي ويعرفان بعضهما جيداً ويتبادلان الاحترام.

“لم يحدث أي تغيير على الإطلاق”، يقول الحسيني، القيادي في حركة 9 مارس/آذار لاستقلال الجامعات (أنظر القصة المرفقة) في الطريقة التي تدار بها الجامعات المكتظة بالطلاب في البلاد والتي تعاني من ضعف في الأداء، منذ استلام أعضاء الحركة الاسلامية، الإخوان المسلمين، السلطة. “ليس هناك رؤى أو سياسات جديدة، ولا أفكار جديدة أو ممارسات جديدة”. وكغيره من الكثيرين المنتقدين لجماعة الإخوان المسلمين، يشير الحسيني إلى أن الحركة الإسلامية كانت أكثر اهتماما بتعزيز قبضتها على السلطة من اهتمامها بتحقيق إصلاحات حقيقية.

عبد الجواد، العضو في جماعة الإخوان المسلمين وزعيم لجماعة إسلامية تسعى للإصلاح الأكاديمي، يختلف بشدة مع رأي الحسيني، إذ يعيد عدم وجود إصلاح في الحرم الجامعي- والأزمة السياسية في البلاد عامة – إلى المعارضة غير الإسلامية التي لا تريد التخلي عن السلطة وتريد فرض “ديكتاتورية الأقلية”.

وكان عبد الجواد يتحدث من مكتبه في جامعة القاهرة، حيث تسير الحياة كالمعتاد رغم التقارير عن الاشتباكات العنيفة التي كانت تدور في ست مدن على الأقل، وعلى الضفة الأخرى لنهر النيل بين المتظاهرين وعناصر الشرطة.

وعلى الرغم من الفوضى التي اجتاحت مصر في الشهرين الماضيين نتيجة الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس الإسلامي والتي تسببت في حدوث اشتباكات وقتال في الشوارع وحرق مراكز للشرطة ومقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً، إلا أن الجامعات في أنحاء البلاد ما زالت مستمرة في العمل.

إلا أنه وبعد عامين من الإطاحة بنظام مبارك، فإن الجامعات المصرية – كغيرها من مؤسسات الدولة – ما زالت تراوح في مكانها مع دعوات مطالبة بإصلاحات لازمة تعثرت نتيجة الاضطرابات السياسية والحزبية.

فبعد إزاحة مبارك عن السلطة، اعتقد كثيرون في الجامعات المصرية أن تغييرات مماثلة في القيادة ستكون كافية لوضع التعليم العالي في اتجاه جديد. لعدة أشهر، هزت احتجاجات الجامعات المصرية مطالبة بانتخاب رؤساء وعمداء من قبل أعضاء هيئة التدريس.

وعند حدوث الانتخابات المنتظرة، وفي معظم الحالات، الأساتذة الذين شعروا بالتهديد من دعوات التغيير احتشدوا حول أصحاب المناصب وأرجعوهم إلى مراكزهم. وربح مرشحو الإخوان المسلمين في كل من جامعات الإسكندرية، المنيا والزقازيق.

ويقول الحسيني إن “الحكم الديموقراطي ليس مجرد إجراء انتخابات”، إذ يجب أن تتم مشاركة السلطة مع باقي الكليات والأقسام بطريقة مجدية. الكليات لا زالت غير قادرة على التحكم بميزانياتها أو قراراتها مثل كم عدد الطلاب الذين سيتم قبولهم.

ويتفق عبد الجواد مع ما يقوله الحسيني، مؤكدا أن الجامعات ما تزال بحاجة إلى المزيد من الموارد والمزيد من الرقابة المباشرة عليها. ومجموعة الإصلاح الأكاديمي التي يترأسها عبد الجواد تدعو إلى إصدار تقارير مالية فصلية عن الجامعة.

ولكن حتى الآن، لم يتم اتخاذ أي تدابير من هذا القبيل. ويقول عبد الجواد إن إصلاح التعليم العالي يتطلب وقتاً وأن المشكلة الرئيسية تتمثل بـ”الأشخاص الذين لا يريدون للتجربة الإسلامية أن تنجح”، مضيفا أن الإسلاميين يبذلون جهوداً كبيرة لـ”تغيير طرق التفكير الراسخة” على حد قوله.

ويتابع عبد الجواد أن وزير التعليم العالي وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين يركز على ربط زيادة الأجور الأخيرة لأعضاء الهيئة التدريسية بمعايير الأداء الجديدة (بدءاً من الالتزام بالحضور) وعلى إزالة العناصر “الفاسدة”.

“الحزب مفتوح أمام التعاون” يقول الأستاذ الإسلامي. المشكلة، بحسب ما يضيف، تكمن في المعارضة غير المسؤولة والتي تهتم “بالمعارضة من أجل المعارضة فقط”، فالكثيرون “لا يتقبلون الإخوان المسلمين” بكل بساطة.

عند التعاون مع زملاء غير إسلاميين “نضع حداً فاصلاً بين مصالح الجامعة والتوجهات السياسية”، يقول عبد الجواد. ولكن، والحديث للحسيني، “الاستقطاب يزداد يوماً بعد يوم ويصعب احتواؤه”.

المناقشات حول كيفية تنفيذ الإصلاحات الإدارية أو تعزيز استقلال الجامعات تتراجع أمام نقاشات ساخنة حول قيادة الرئيس محمد مرسي والدستور الجديد الذي تمت صياغته من قبل الجمعية الاسلامية.

وبينما يتفق الاسلاميون والعلمانيون على إصلاحات إدارية ضرورية، فإنهم يختلفون حول الحرية الأكاديمية.

فالإسلاميون يؤمنون بضرورة الحد من الحرية الأكاديمية، وخاصة في المسائل المتعلقة بالدين وهم أكثر عرضة للاستجابة لمطالب الطلاب الإِسلاميين المحافظين المتطرفين، كالسلفيين، الذي باتوا أكثر عدوانية اليوم، وفقا للحسيني.

في جامعة المنيا مؤخراً، تم توقيف أستاذ تاريخ عن العمل بسبب شكوى تقدم بها طالب سلفي وتقضي بأن للأستاذ كتاب جامعي بإسمه يهين فيه السيدة عائشة زوجة النبي محمد.

للأفضل أم للأسوأ، “الطلاب لم يعودوا سلبيين كما كانوا في السابق في الأمور المتعلقة بالجامعة… اليوم هم على وعي أكبر بحقوقهم”، يقول الحسيني.

وفيما يتجاوز الطلاب حدودهم أحيانا من خلال المجابهة العدائية للمسؤولين وتنظيم الاعتصامات في حرم الجامعات وأمام وزارة التعليم العالي، إلا أنه يمكن التفاهم معهم، بحسب الحسيني. المشكلة هي أن إدارات الجامعات إما “تتجاهل الطلاب أو تستسلم لهم”.

ويدعم الإخوان المسلمون ميثاقاً جديداً للطلاب مثيرا للجدل يقول عنه منتقدوه إنه وضع لكبح جماح النشاط الطلابي في الجامعات.

بعد الثورة، طالب الطلاب الناشطون بوضع ميثاق جديد من شأنه أن يحمي حقهم في التظاهر، والتنظيم والتعبير عن رأيهم في الحرم الجامعي. ومع تتابع الحكومات ووزراء التعليم، لم يتمكن الطلاب والمسؤولون من الاتفاق بشكل نهائي على عملية كتابة اللوائح الجديدة.

في كانون الثاني/يناير الماضي، أصدر رئيس الوزراء هشام قنديل ميثاقا جديدا للطلاب. وبدل من أن يقدم الميثاق حلا مرضيا للسجال الدائر، زاد من الانقسام الحاصل. الميثاق الجديد أعد مسودته اتحاد الطلبة المصري والذي يضم في غالبيته أعضاء من الإخوان المسلمين. (يسيطر الإسلاميون على الاتحاد بسبب مقاطعة الطلاب العلمانيين لانتخابات الطلاب الأخيرة).

وانتقدت تقريبا كل المجموعات الطلابية غير الإسلامية العملية التي تم من خلالها صياغة الميثاق. “لم يكن هناك أي شفافية أو مناقشة مفتوحة” تقول خلود صابر، نائب مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي منظمة غير حكومية تراقب الحريات الأكاديمية وغيرها.

رفض اتحاد الطلاب الرسمي المطالب بأن يصوت على اللوائح الطلاب في مختلف جامعات البلاد. وأعلنت ثماني جامعات خاصة عن تشكيلها لاتحاد خاص مستقل نتيجة عدم موافقتها على ميثاق الطلاب الجديد.

وفي مقابلة مع صحيفة المصري اليوم، نفى رئيس الاتحاد أحمد عمرو وجود أي خلافات جوهرية بشأن محتوى الميثاق، واصفاً المعارضة من الجماعات غير الاسلامية بأنها “غير مقنعة” و “زائفة”.

ورفعت مؤسسة صابر اليوم شكوى ضد الحكومة المصرية باعتبار مكتب رئاسة الوزراء لا يملك السلطة القانونية لإصدار القوانين. وينص الميثاق على أن “اتحادات الطلاب هي المنظمات الشرعية التي تعبر عن آراء وتطلعات الطلاب”. كما ينص على أنه يجب على الطلاب الحصول على إذن اتحادهم لعقد الأنشطة في الحرم الجامعي والتي يمكن عدم منحها الموافقة اللازمة في حال كانت هذه الأنشطة “تتعارض مع أهداف الاتحاد”. وتعرّف هذه الأهداف بطريقة غامضة، بحسب المعارضين، مما يعطي صلاحيات تعسفية للاتحاد.

“يعطي الميثاق إتحاد الطلاب الحق في فرض رقابة على الأنشطة الطلابية الأخرى”، تقول صابر، “وهذا شيء خطير للغاية خاصة عندما يكون لديك جماعات سياسية مختلفة في الحرم الجامعي”.

في جامعة القاهرة، يعتقد الحسيني أن أي إجراءات قمعية من قبل الإخوان المسلمين سوف تأتي بنتائج عكسية على الجامعات تماما كما حصل في الشارع.

“إن رؤية أن شيئا لم يتغير بعد الثورة، سوى الوجوه، يدفع الناس صوب الهاوية”، كما يقول. حتى الأن، يركز الطلاب معظم طاقتهم السياسية – وأحياناً العدوانية – على المواجهات السياسية في الشارع. ولكن عاجلا أم آجلا، يقول الحسيني، وفي غياب أي توافق سياسي، “سينتقل العنف نفسه إلى داخل الجامعة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى