أخبار وتقارير

“فضاء الجامعة يجب أن يبقى آمناً”

احتشد أكاديميون من مختلف أنحاء المنطقة العربية في جامعة منوبة التونسية، والتي كانت موضوعاً لبعض الهجمات السلفية، في مؤتمر عُقد أواخر الشهر الماضي.

وناقش المشاركون في المؤتمر الذي عقد تحت عنوان “الجامعة والأمة.. حماية التعليم العالي في تونس وخارجها”، العلاقة بين الجامعات والحكومات العربية في مرحلة ما بعد الثورة في الدول العربية. وأعرب العديد من الحاضرين بأنه وعلى الرغم من سقوط العديد من الديكتاتوريين العرب، إلا أن الجامعات العربية ما تزال تمر بأوقات صعبة لكونها مضطرة للتعامل مع الفساد الناجم عن المرحلة السابقة فضلا عن ظهور أيديولوجيات إسلامية متشددة. وأكد المتحدثون في المؤتمر أن الجامعات تلعب دوراً اساسياً في حماية البلاد من الأفكار المتعصبة ودعم حرية التعبير، وبالتالي يجب حمايتها.

وكان إسلاميون قد اقتحموا مكتب عميد في جامعة منوبة وتزاحموا عليه بقوة. ووجهت للعميد تهمة الاعتداء على تلميذة منقبة في حين قال هو أن مكتبه تعرض للنهب من قبل هؤلاء الطلاب المتشددين. وما تزال القضية عالقة أمام المحاكم التونسية. وفي الربيع الماضي، قام إسلاميون أيضا بالهجوم على صالة عرض فنية في تونس وحرقوا إحدى اللوحات المعروضة. وأكد المنظمون لمؤتمر جامعة منوبة أنهم يريدون توصيل رسالة للسلطة مفادها أن قمع الحرية الأكاديمية لن يمر مرور الكرام.

“سيعرف الناس أننا نراقب الوضع والحرم الجامعي” يقول روبرت كوين، المدير التنفيذي لشبكة “علماء في مخاطر (سكولارز أت ريسك)”، والتي مقرها مدينة نيويورك الأميركية، وتعمل على حماية الأكاديميين الذين يتعرضون لمخاطر بسبب أفكارهم. “يجب أن يكون فضاء الجامعة آمن.. ليس هنالك مجال للترهيب أو القوة”.

 عندما اندلعت الثورات العربية، اعتقد العديد من الأكاديميين أن صراعهم مع الاستبداد قد انتهى. منذ اندلاع الثورة التونسية، انتقلت بعض الجامعات التونسية نحو الحكم الذاتي، بحيث أصبح تعيين العمداء ورؤساء الجامعات في بعض الجامعات يتم عن طريق الانتخابات، الأمر الذي يعتبره البعض نوعاً من التحرك نحو الديموقراطية. إلا أن الأيديولوجيات المتشددة بدأت أيضاً في الظهور. يقول حبيب ملاخ، الأمين العام للجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية، “تشهد الجامعات التونسية اليوم في تحولها نحو الديموقراطية صراعاً بين نهجين: الأول يسعى للمزيد من الحرية والديموقراطية واحترام قيم الجامعة، والثاني يعمل على عرقلة النهج الأول تحت مسمى حماية الهوية أو الطائفة”.

 وكانت جامعة منوبة هدفاً لحملات منظمة من قبل السلفيين تدعو إلى إلزامية ارتداء الحجاب من قبل الطالبات ومنع اختلاط الشبان والشابات.   ومع استمرار ظاهرة السفليين المتشددين، بدأ الأساتذة يتجنبون طرح العديد من المواضيع “لمجرد أن الطلاب لا يتقبلون النقد، فالدين بالنسبة لهم مقدس، ولا يمكن أن يقوض”، يقول ملاخ مشيراً إلى أن الطلاب حاولوا منع الأساتذة من خوض نقاشات حول موضوعات مختلفة كفوائد البنوك، أو الفنون الجميلة لكونها لا تتفق مع الشريعة الإسلامية كما يعتقدون.

ردود الفعل الحكومية في تونس على الهجوم على جامعة منوبة كانت متباينة، إذ أيدت المحكمة قرار الجامعة بمنع الطالبات من ارتداء النقاب داخل الصفوف الدراسية، في حين اعتبر وزير التعليم العالي أن الطالبات المنقبات “ضحايا”. ويعتبر العديد من الأساتذة أنه يتوجب على الحكومة أن لا تتدخل في شؤون الجامعة.

 “لسوء الحظ، فإن السلطات الرسمية استخفت بما كان يحدث في جامعة منوبة من هجمات وانتهاكات لحرمة المؤسسة”، يقول حبيب القزدغلي، عميد كلية الآداب في الجامعة والذي تم اتهامه، خطأ كما يقول العديدون، بالاعتداء على تلميذة منقبة. ويضيف القزدغلي “لم يتخذوا الإجراءات اللازمة للدفاع عن الجامعة وقيمها”.

 من جهة أخرى، أثار مشروع الدستور التونسي الجديد بالرغم من ما يظهره من حماية الحرية الأكاديمية، مخاوف عند بعض الأكاديميين التونسيين. إذ ينص على أن “الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي مكفولة من قبل الدولة لتوفير الإمكانيات لتطوير العمل الأكاديمي والبحثي”. ويحذر أكاديميون من الثغرات القانونية الكثيرة في الدستور الجديد والتي يمكن أن تفسر بطريقة خاطئة وتمنع الجامعات من فرصة تحقيق الحكم الذاتي المطلوب.

 “الحرية الأكاديمية والحياد والقدرة على إدارة الذات بعيدا عن سيطرة السلطة هي مطالب أساسية لا يمكن المساس بها”، تقول درة غربال، الأمين العام لمنتدى الجامعيين التونسيين.

 في ليبيا، ما زالت الجامعات خاضعة لسيطرة الحكومة حتى بعد الثورة. “لا يتم اختيار العمداء ورؤساء الجامعات بناء على معايير موضوعية”، يقول صديق مصراتي أستاذ مساعد في جامعة طرابلس. فكما في تونس، يمتلك الإسلام المتشدد تأثيراً سلبياً على تطور الجامعات.

 ويتفق المشاركون في مؤتمر منوبة على الحاجة لتطوير الأدوات القانونية التي تحمي المؤسسات التعليمية. “فضاء الجامعة ليس فضاء معاديا للفضاء السياسي أو الديني”، يقول القزدغلي. “آليات الجامعة يجب أن تكون واضحة ومحايدة من دون أن تنتقص من الفضاء الاجتماعي”، مؤكداً أن “الجامعة تدرس وتحلل الظواهر الاجتماعية ولكن يجب أن تكون بعيدة عن الضغوط السياسية والدينية.

 حتى حراس الأمن يجب أن يكونوا  فقط تحت سيطرة رؤساء الجامعات، يقول القزدغلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى