نصائح ومصادر

الجامعات في لبنان.. معركة عدد ونوعية

كم يحتاج لبنان من صروح جامعية؟ وكيف يمكن توزيع الطلاب على هذه الجامعات؟

يعتبر لبنان أحد من الدول العربية الأكثر نشاطا في قطاع التعليم العالي ويمكن أخذه كعينة لدراسة حالة.

بحسب احصاءات وزارة التعليم، ارتفع عدد الطلاب من 120 ألفا عام 2004 إلى 210 آلاف عام 2013، حوالي 75 ألفا منهم في الجامعة اللبنانية، الجامعة الرسمية الوحيدة في البلاد، حيث يمكن للطلاب أن يجدوا أنفسهم في صفوف دراسية مكتظة فيها.

“يبلغ عدد الجامعات المرخصة في لبنان 47 جامعة، 41 منها فقط ناشطة فعليا”، قال أحمد جمال، مدير عام التعليم العالي في وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان.

وأكد جمال أن كل هذه الجامعات مرخصة قانونا، مشيرا إلى أنه “لا يوجد قانون يمنع ترخيص كل هذا العدد من الجامعات على الإطلاق”.

إن التعليم العالي في لبنان يعد واحدا من أقدم أنظمة التعليم في المنطقة، حيث يعود إلى عام 1866 مع تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت تحت اسم الكلية الإنجيلية السورية، تبعها إنشاء جامعة القديس يوسف عام 1875، ثم الجامعة اللبنانية الأميركية والتي بدأت العمل عام 1948 باسم كلية بيروت للبنات. وعام 1951، تم تأسيس الجامعة اللبنانية.

ازدهر القطاع التعليم الخاص فجأة وبسرعة كبيرة بعد الحرب الأهلية في لبنان والتي استمرت لمدة 15 عاما في الفترة الممتدة بين عامي 1975-1990 والتي عطلت قطاع التعليم العالي في البلاد، وأبعدت الطلاب خوفا وأعاقت تطوير البنى التحتية. إلا أن هذا الواقع تغير حاليا.

https://www.bue.edu.eg/

“اليوم، تنتشر الجامعات في مختلف أرجاء لبنان”، قال جمال. وأضاف “التعليم العالي متاح اليوم لكل الشباب اللبناني، في الشمال والجنوب. والأكثر أهمية توفيره فرصة للطالبات اللواتي قد لا يسمح لهن ذويهن باستكمال تعليمهم العالي في العاصمة”.

“ازدادت المنافسة بين الجامعات لاجتذاب الطلاب”، قال هنري العويط عضو اللجنة التنفيذية المكلفة بدراسة ملفات الترخيص للجامعات. وشرح العويط أن قرار ترخيص الجامعات يعتمد على معايير ترتبط برؤية ومهام الجامعة. وقال “البنية التحتية، البرامج التعليمية وكفاءة الأساتذة من أهم معايير الترخيص للجامعات”.

إلا أن رأي اللجنة هو مجرد “رأي استشاري” بحسب العويط، مضيفا “مع الأسف، غالبا ما تؤثر المحاصصة الطائفية، والسياسية، من دون مراعاة المعايير الأكاديمية، على موضوع منح التراخيص”. وأشار العويط أن الكثير من المؤسسات التعليمية تحولت إلى مؤسسات تجارية ذات مستوى منخفض تعليميا، فضلا عن سوء توزيع الموارد في هذه الجامعات.

العديد من الجامعات اللبنانية، وتحديدا الفروع البعيدة لا تضم أكثر من 500 طالب وطالبة. ومثل هذه الجامعات الصغيرة يدفع بالإداريين إلى تخفيض إنفاقهم على المختبرات، المكتبات وغيرها من البنى التحتية. “عندما يكون هنالك 200 طالب وطالبة في الجامعة، لا يمكننا الحديث عن حياة أكاديمية”، قال جمال.

من جهة أخرى، فإن الجامعات اللبنانية لا تلقى اهتماما كبيرا لتطبيق معايير الجودة، بحسب ما قالت أردا إكمكجي، عميدة كلية الآداب والعلوم في جامعة هايكازيان. كما أن التنافس بين الجامعات يركز فقط على الرسوم التي يدفعها الطلاب، بحسب إكمكجي التي أضافت أن لا أحد يهتم بجودة التعليم.  “لقد ابتعدنا عن نوعية التعليم وتحول التعليم إلى تجارة”، قالت إكمكجي.

لا يمتلك لبنان نظاما رسميا معتمدا لضمان الجودة أو الاعتماد خاص بالجامعات بعد أن يتم الترخيص لها رسميا. بعض الجامعات تتمتع بشهادات اعتماد دولية في حين تسعى جامعات أخرى للحصول عليها. ومع ذلك، يتخرج من الجامعات مئات الطلاب سنويا.

“سوق العمل هي المعيار الحقيقي”، قال شربل كفوري أستاذ الهندسة في الجامعة اللبنانية. ودعا كفوري إلى إجراء دراسة جدوى لكل جامعة في لبنان.

“لا ينبغي إعطاء تراخيص جديدة قبل دراسة احتياجات سوق العمل ومراقبة عمل الجامعات”، مضيفا أن هنالك فائضا من الخريجيين في بعض التخصصات الجامعية، لاسيما في الطب والصيدلة والهندسة وإدارة الأعمال.

قبل الحرب الأهلية، اعتادت الجامعات في لبنان على تخريج نحو 50 طبيب سنويا. حاليا، هنالك سبع كليات طب تخرج سنويا نحو 550 طبيب، بحسب التصريحات الأخيرة لمرشح نقابة الأطباء في لبنان.

إلا أن قدرة الحكومة على تنظيم حجم البرامج الأكاديمية يبقى موضوعا قابلا للنقاش. “لبنان هو بلد التعليم وحرية الاختيار”، قال جمال. “لا يمكننا فرض حصص (كوتا) لعدد من التخصصات”، مضيفا أن صغر حجم سوق العمل اللبناني لا يعني بالضرورة إلغاء بعض التخصصات، “نحن نصدّر طلابنا للعالم العربي”، قال جمال.

في الحقيقة، يذهب الكثير من خريجي كلية الصيدلة في الجامعة اللبنانية الأميركية للعمل في صيدليات الولايات المتحدة.

وكما أن نوعية التعليم تبدو متفاوتة في الجامعات اللبنانية، فإن البحوث الأكاديمية تبدو أيضا نادرة. ذلك أن 10 جامعات فقط من مجموع 47 جامعة في لبنان تقوم بإجراء بحوث علمية بحسب ما قال العويط. “لا يقوم الأساتذة بالعمل كثيرا على البحوث بسبب قلة الميزانيات”، قال العويط.

عملت وزارة التعليم اللبنانية على عدة مشاريع لضمان جودة التعليم منذ عام 2004. فالوزارة، وعلى الرغم من أنها لا تملك سلطة مباشرة على الجامعات الخاصة، تعمل مع البنك الدولي على تنفيذ مشروع حوكمة الجامعات. حيث شاركت 16 جامعة لبنانية بالفعل في المرحلة الأولى من هذا المشروع، في حين أن 14 أخرى ستنضم إلى البرنامج هذا العام.

“تتناول حوكمة الجامعات سبل تحديد الجامعات ونظم التعليم العالي لأهدافهم وكيفية تنفيذها، وإدارة مؤسساتهم، ورصد إنجازاتهم”، أوضح جمال.

كما ينتظر قطاع التعليم العالي اللبناني أيضا موافقة البرلمان على اعتماد قوانين جديدة لضمان جودة المؤسسات التعليمية وقانون آخر للتعليم. ذلك أن البلاد لا تزال تعمل بموجب قانون اعتمد عام 1960. “يجب علينا اعتماد الأسلوب الأوروبي، حيث تنضم الجامعات مع بعضها البعض وتتعاون معاً لرفع مستوى التعليم”، قال جمال، مشددا على أن لبنان يجب أن يبقى كما عرف عنه دائما في المنطقة “جامعة المشرق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى