أخبار وتقارير

الفنون الليبيرالية.. معهد جديد يقدم البرنامج في عام كامل

القاهرة- متنقلا بين تيه الأزقة القديمة، يشق كريم ياسين غوسنجر طريقه إلى بناء قديم وسط سوق تجاري صاخب. يفتح بابا متهالكا، يصعد مجموعة سلالم بيضاء اللون شاهقة داخل سور حديدي، ويعرض إطلالة واسعة من أعلى كلية غير تقليدية للفنون الليبيرالية أنشأها في قلب القاهرة الإسلامية.

“كان بإمكاننا تجديد المكان، لكننا رغبنا في أن يكون الجهد مشتركا”، قال غوسنجر وهو يلقي نظرة عامة على أسطح المنازل المجاورة الممتلئة بالقمامة قبل النظر إلى القاهرة، مدينة الألف مئذنة، حيث يمكن رؤية بعض منها من هنا، إضافة إلى التزامه بالشباب المصري، يسعى المعهد في جزء منه إلى احتضان الخلفية الحضرية للبلاد.

تتراوح أعمار ربع المصريين ما بين 18 و29 عاما. غير أن البلاد تتعثر بسبب عدد كبير من المشاكل التي تحد من تحرك هذا الجيل الشاب، ومنها نظام التعليم الذي غالبا ما يضع الطلاب على مسارات جامدة نحو مهن عليها طلب كثيف، ويفشل بشكل كبير في تعليم التفكير الناقد ودمج أفكار المشاركة المدنية.

يسعى معهد القاهرة للفنون الليبرالية والعلوم إلى معالجة بعض هذه العلل. ويقدم منهاجا دراسيا على مدى عام كامل لحاملي شهادة الثانوية العامة والليسانس أو البكالوريوس يتضمن براعة نقدية، تأمل ذاتي ونقاشات هادفة لمساعدة الطلاب على تحديد ما يحبون. كما يراعي المنهاج الدراسي وجود المعهد في بلد نامٍ وما يحتاجه من تنمية.

“إن فكرة دراسة الفنون الليبرالية يساعدك على معرفة ما تريد دراسته، وما تحب دراسته” قال غوسنجر، مضيفا أنه “يجب أيضا الأخذ في الاعتبار الواقع الاجتماعي الذي نحن فيه، والذي يمكن أن يشخَّص بالحاجة الماسة الواجب معالجتها الآن، أي مكونات التنمية”. وأضاف غوسنجر أن “هذا مرتبط بما يقدمه الجيل الجديد من طرق جديدة لمعالجة المشاكل”.

ويعد المعهد الأول من نوعه في مصر وجزء من موجة البرامج الإبداعية التي بدأت على يد مبدعين مصريين شباب خلال العامين والنصف الماضيين منذ الانتفاضة ضد نظام (الرئيس السابق) حسني مبارك. بعض هذه المبادرات لا يزال يسير قدما رغم الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي.

“حاليا إنه توقيت جيد لافتتاح كلية”، قالت مساعدة مدير البرنامج ألكساندرا شورلتون.

“الشباب تحديدا يتطلعون إلى أفكار جديدة ووسائل جديدة لكل شيء يقومون به في حياتهم اليومية” أضافت شورلتون. ويبدو عدد كبير من الشباب المصري، بحسب شورلتون، محبطا للغاية من التعليم العالي وهم يرغبون في الحصول على تعليم أوسع ضمن مجموعات طلابية صغيرة، يركز أكثر على الأفراد. وأضافت “الهدف هو إنشاء مركز في القاهرة حيث يمكن للشباب استكشاف الأفكار التي يريدونها”.

سيتم افتتاح المعهد في 24 آب/أغسطس، وهو اليوم السابق لعيد ميلاد غوسنجر الـ27، وهي ربما مناسبة تنسجم مع أفكاره واهتماماته.

درس النمساوي المصري، الذي نشأ في ألمانيا، فلسفة السياسية ويهتم في التفكير في سبل ترجمة المبادئ السياسية في سياقات اجتماعية وثقافية معينة وهما موضوعان يتردد صداهما في برنامج المعهد. يتحدث غوسنجر سبع لغات، وقد عاش في ستة بلدان مجسدا الانصهار الثقافي. هو حريص على فتح عيون الطلبة على مفاهيم ووجهات نظر عالمية مختلفة.

إلا أن هناك عددا من التحديات.

“يحذر الناس الأفكار الجديدة ويضعون المزيد من العراقيل على النظام الذي يعيشون فيه” قالت شورلتون، مضيفة أنه “من المؤكد أن هنالك تغييرا يجب أن تعمل عليه في عقول الناس، لاسيما الأهل والأجيال الأكبر سنا”.

في الوقت الراهن، حجم المعهد سيكون صغيراً: أقل من 12 طالباً سيكونون جزء من الدفعة الدراسية الأولى. علاوة على ذلك، فإنه لم يتم تأمين تمويل طويل الأجل، بحيث تم التشغيل استنادا للأموال التي يتم جمعها من قبل الجمهور على شبكة الإنترنت ومن الرسوم التي يدفعها الطلاب، والتي تبلغ خمسة آلاف جنيه مصري للطالب أي ما يعادل (715 $). ويتم تدريس هذا البرنامج باللغة الإنكليزية فقط، مستثنيا جزءا كبيرا من السكان.

ويبقى أن ننتظر لنرى حال المعهد بعد مرور عامه الأول. غير أن المبادئ التي يروج لها تبدو مرتبطة بالبلد الذي يشهد حاليا عملية انتقال سياسية. فمنذ أطاح الجيش المصري بأول حكومة مصرية منتخبة برئاسة الرئيس (المعزول) محمد مرسي في 3 يوليو/تموز، لا تزال المعارضة السياسية في البلاد على خلاف بشأن كيفية المضي قدما، ودفع العنف والتهديد بالاستبعاد السياسي.

https://www.bue.edu.eg/

“لا يوجد إجماع حول الهدف، وما هو مطلوب تماما. وعوضا عن تقديم إجابات يجب تقديم أدوات لمناقشة إجابات مختلفة”، قال غوسنجر.

“هذا ما نحاول القيام به من خلال النقاش القائم حول التعليم، أن نستمع ونسمع لآراء مختلفة تماما لما نعتقد به”.

من خلال أربعة اختصاصات رئيسية هي الفنون، الثقافة، العلوم الاجتماعية والطبيعية، مع درجة ماجستير، سيتم تعليم الطلاب كيفية البحث والمناقشة، والكتابة بشكل محترف وأكاديمي. وسيسعى البرنامج إلى تزويد الطلاب بالثقة، وبالمهارات القيادية، وتعزيز الخدمة الاجتماعية والتعليم المبتكر، والتي بلغت ذروتها وتوجت في تنفيذ المشروع.

ويبدو أن المنتسبين إلى المعهد متحمسون جداً.

وصف عبد الحليم عبد الله، 23 عاما، البرنامج الذي التحق به بـ”المثالي”. بعد تخرجه من جامعة حلوان الحكومية، سعى عبد الله إلى الانضمام للبرنامج الذي سيساعده للحصول على درجة ماجستير في الصحافة والشؤون الدولية، وسيزوده بمنصة للبحث وتحدٍ فكري من خلال قائمة قراءات، ويوفر له بيئة مع أقران لهم نفس التوجه والطموح.

بالنسبة لعبد الله، المعهد هو المؤسسة الوحيدة التي قدمت له هذه العناصر كافة.

“أعتقد أن البداية ستكون رائعة لثورة مذهلة في البرامج التعليمية لما بعد المرحلة الثانوية في البلاد” قال عبد الله. ويأمل عبد الله أن تحسّن من نوعية الخريجين المصريين وتساعد المزيد منهم على الانضمام إلى برامج الماجستير بالخارج في جامعات الدرجة الأولى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى