مقالات رأي

نصيحة صحافية إلى الأكاديميين

نادرا ما أقوم بالكتابة بسبب الإحساس بالضرورة الملحة. هنالك شخص ما يحتاج إلى مساعدتي. إنها طالبة دكتوراه في مصر ولديها أطروحة من 120 ألف كلمة، تحتاج إلى إيجازها إلى ما دون المئة ألف كلمة. وموعد تسليم الأطروحة يلوح في الأفق.

كيف، سألتني، يقوم المحرر باقتطاع أجزاء من المقالات، وهي مهارة برزت في هذا العصر من خلال تغريدات موجزة من 140 رمزاً على موقع تويتر حيث وقت القراءة قصير وصبر القارئ قليل. في هذه المرحلة من مهنتي، أصبح الاقتطاع من المقالات جزءاً من آلية عملي الأوتوماتيكية. غير أنني حاولت أن أتذكر كيفية القيام بتقسيم المقال واختصار طريقي في أي قصة طويلة أكثر من اللازم، وهذه هي نصائحي:

البحث عن التكرار: يميل كل كاتب إلى قول الشيء نفسه مرتين أو ثلاث مرات. في بعض الأحيان، يجرب الكتاب عدة مناهج مختلفة لتوضيح فكرة ما، لكنهم لا يعودون إلى حذف ما لم يكن ملائما. التكرار لا يعني الإقناع، بل هو أشبه بضرب الهراوات.. القراء لا يحبون ذلك. قل ما تريد مرة واحدة وبطريقة جيدة.

البحث عن أدلة لا لزوم لها: عند دعم فكرة ما، غالبا ما يعرض الصحافيون والباحثون الأكاديميون في كثير من الأحيان كل الأدلة التي تم جمعوها، فقط لإظهار مدى جدية عملهم. لكنهم لا يركزون بالضرورة على أفضل الأدلة أو أكثرها صلة بالفكرة. غيّر هذه العادة، إذا كانت لديك. فحالما كانت الفكرة مدعمة بشكل جيد، إحذف كل الأدلة الضعيفة وامضي قدما.

استخدام نسخة مطبوعة: إنها مدرسة قديمة وتستهلك الكثير من الورق، ولكن الطباعة تسهل كثيرا عملية العثور على فقرات كاملة أو صفحات يمكن حذفها. أعتقد شخصيا أن عددا كبيرا جدا من الناس (وأنا من بينهم) يحاولون كتابة مقالات طويلة على أجهزة الكمبيوتر الخاصة، حيث يمكننا أن نرى فقط بضعة سنتيمترات من المقالة.

أحيانا إبدأ العمل من الوسط: البدء بتنقيح المقال منذ بدايته أمر شديد الإغراء للكاتب. الجزء العلوي هو المهم، لكونه المكان الذي يحاول فيه الكاتب جذب انتباه القارئ. ولكن مع اقتراب مواعيد التسليم النهائية، يهتم الكثير من الكتاب بالنصف الأول من المقال بحيث يبدو دقيقا ويهملون الباقي. هذا الفشل في الالتفات إلى نهاية المقالات يشمل حتى الاختزال. لا تترك زوائد كلامية في الجزء السفلي من مقالك.

راقب الوتيرة، وليس الطول فقط: كان المحررون الذين عملت معهم في كرونيكل للتعليم العالي، يعرضون مقالات من ألفي كلمة مكتوبة بشكل جيد على بعضهم البعض مع العبارة المعروفة “إنها لن تستغرق وقتا طويلا للقراءة”. وهذا القول يعني أن الكاتب تأكد تماما من أن مقالته لن تشتت انتباه القارئ وأنه قام بربط كل أقسام القصة بشكل متلاحم وسلس. بالنسبة للكاتب، العثور على أقسام تحتاج إلى اختزال أو حذف يعني وجود جهاز استشعار داخلي بأن النص ممل. إذ أن تشتت انتباهك، هو مؤشر جيد على أن انتباه القارئ سيتشتت أيضا.

في نهاية المطاف، إن القدرة على اختزال قطعة مكتوبة، سواء كانت قصة صحافية من ألف كلمة أو أوراقا أكاديمية من 120 ألف كلمة هي مقياس لمدى اهتمام الكاتب بالبلاغة. وجودة المقال المكتوب غالبا ما تتناسب مع عدد المرات التي قرأ فيها الكاتب المقالة بشكل جديد. ربما أغاثا كريستي، المعروفة بأنها أكثر روائية نُشرت قصصها في التاريخ، أصدرت بعض الصفحات من دون إعادة قراءتها، لكنها ليست نموذجا للأكاديميين يحتذى به.

توقف عن الكتابة عندما تكون متعباً. النوم ليلاً بشكل جيد له مفعول السحر. في الصباح، أعثر على مكان هادئ خالٍ من الأطفال الصغار، والشركاء من ذوي الاحتياجات أو الهواتف لا تتوقف عن الطنين بفعل الرسائل الواردة. ابدأ العمل في أطروحتك. ركّز. احذف. احذف. احذف. وسوف يشكرك قرائك على هذا.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى