مقالات رأي

الجامعات المغربية.. ومعضلة رسوم الالتحاق بها

التزمت المملكة المغربية بسياسة مجانية التعليم العالي بعد وقت قصير من استقلالها، واليوم، أضحى التعليم العالي المجاني “حقاً مكتسبا”. إلا أن الظروف تغيرت، وسياسة مجانية التعليم العالي، والتي كانت ذات فائدة سابقا، أصبحت تضر بالمغرب الآن.

في آب/ أغسطس 2012، أعلن وزير التعليم العالي لحسن الداودي أن المغرب بدأ بفرض رسوم على الالتحاق بالجامعات كجزء من إصلاحات التعليم العالي، الأمر الذي تسبب في انتقادات واسعة النطاق. لكن هذه السياسة بدت كأنها متعثرة منذ ذلك الحين.

يحتاج المغرب للبدء في فرض رسوم رمزية على الأقل للالتحاق بالجامعات العامة، وإلا فإنه لن يكون قادرا على بناء نظام جامعي عالي الجودة يستحقه المغاربة.

يعتبر حق التعليم العالي المجاني أمرا مفروغا منه. وفي الواقع، تظاهر الطلاب المغاربة في جامعة محمد الخامس، أقدم الجامعات الحكومية في البلاد، ضد قرار الإدارة فرض رسوم على بطاقات الطلاب التعريفية الجامعية.

اشتكى الكثير من الطلاب أيضا من التكلفة الباهظة للمواصلات إلى الجامعات والنسخ ويطالبون الحكومة بمنحهم المزيد من المنح الدراسية لتعويض هذه التكاليف.

يأتي العديد من الطلاب من مسافات بعيدة للدراسة ويحصلون على رواتب تساعدهم على مصاريف المعيشة خلال هذه الفترة. هذه الرواتب ليست كبيرة بالتأكيد، إلا أنها كافية لإعالتهم.

هذا النوع من التقديمات السخية كان ضروريا في مرحلة من تاريخ المغرب، عندما كان عدد قليل جدا من الطلاب يلتحقون بالتعليم العالي، وكان من المتوقع أن يجد معظم المتخرجين لاحق فرص عمل كموظفين حكوميين.

في الأيام الأولى للدولة المغربية الحديثة، ساعد التعليم العالي المجاني على تدريب بيروقراطية الدولة المتنامية.

مع توسع نظام التعليم العالي في المغرب، ازدادت التكاليف وأصبحت عبئا على الدولة. إذ ينفق المغرب ما يقرب من ربع ميزانيته على التعليم، وزيادة دعم للتعليم العالي سيكون على حساب أولويات وطنية أخرى. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يستمر عدد طلاب الجامعات في النمو خلال السنوات المقبلة.

إن نمو التعليم العالي في المغرب يستفيد من سياسة ” الوصول المفتوح” التي ينتهجها المغرب. إذ بموجب القانون، كل من يحصل على شهادة البكالوريا (شهادة التخرج من المدرسة الثانوية في المغرب) يحق له الالتحاق في جامعة منطقته الإدارية.

يمكن التنبؤ بعواقب سياسة الوصول المفتوح والتعليم المجاني والتي يمكن تلخيصها بوجود فصول دراسية مكتظة؛ ارتفاع معدلات التسرب من الجامعات إذ أن الطلاب والاساتذة غالبا ما لا يعملون بجد، كما أن إنتاج الأبحاث قليل بسبب انهماك الأساتذة في تعليم أعداد كبيرة من الطلاب.

إن سياسة الوصول المفتوح إضافة إلى مجانية التعليم العالي تعني أن تكاليف فرصة الحضور للجامعة منخفضة جدا بالنسبة لمعظم المغاربة.

علاوة على ذلك، فإن سياسة القبول الجامعي المعتمدة لا تكتشف بفعالية الطلاب الذين لا يمتلكون مؤهلات مناسبة للالتحاق بالجامعة. ويتسبب ذلك في ترك الأساتذة يدرّسون صفوفا تضم من 40 إلى 150 طالبا وطالبة أو أكثر، كثر منهم لا يهتمون فعلا بالدراسة.

كما أن الأساتذة يعانون من فقر الموارد الأكاديمية والتكنولوجية التي يحتاجون إليها لتدريس هذه الصفوف الكبيرة.

إن فرض رسوم على الدراسة ليس الإصلاح الوحيد الذي يحتاجه نظام التعليم العالي في المغرب، ولكنه خطوة أولى مهمة.

يأتي العديد من الطلاب إلى الجامعات العامة في المغرب من عائلات ذات وضع معيشي جيد ويمكنهم تحمل ثمن الالتحاق بالتعليم العالي. كما أن عدد اً كبيراً من الطلاب يدرسون في مدارس ثانوية خاصة، ويدفعون لقاء ذلك آلاف الدراهم شهريا، ثم يلتحقون مجانا في الجامعات الحكومية.

ويأتي عدد كبير من الطلاب الأجانب من موريتانيا ومالي وبلدان إفريقية وآسيوية أخرى للدراسة في المغرب، هؤلاء يحصلون على منح من حكومات بلدانهم، وهذه المنح من المحتمل أن تغطي الرسوم الدراسية كذلك.

جدير ذكره أن بعض الجامعات حاولت فرض رسوم التحاق صغيرة أو رسوم التسجيل. إن الاستفادة الوحيدة من فرض رسوم للدراسة هي أن الطلاب الجادين والملتزمين هم وحدهم الذي سيختارون الالتحاق بالجامعة. إن الأساتذة والإداريين سيرحبون بهذا التغيير، إنها فرصة لتعليم الطلاب الملتزمين بدراستهم بالكامل.

تتلخص الانتقادات الرئيسية ضد فرض رسوم دراسية في كون مجانية التعليم العالي تعزز المساواة في الوصول للجامعات وأن الرسوم ستزيد من نقمة الفقراء. إلا أن المجانية لا تعني بالضرورة المساواة، إذ تشير الدراسات الأكاديمية في سياقات أخرى إلى أن مجانية التعليم العالي تميل في الواقع لتكون بمثابة دعم للطبقة المتوسطة العليا.

إن فرض الرسوم الدراسية يساعد الجامعات على توظيف المزيد من أعضاء هيئة التدريس وتقليل أعداد الطلاب في الفصول الدراسية أو الاستثمار في مصادر التعليم الضرورية، بما في ذلك الكتب والموارد التكنولوجية.

ويمكن استخدام الرسوم لتعزيز نوعية أفضل من التعليم للجميع. وعلاوة على ذلك، فإنه يمكن أن يقابل الرسوم الدراسية منح دراسية حكومية تتناسب مع الدخل، بحيث يحصل عليها فقط أولئك الذين يستحقونها.

في هذه المرحلة، لا يزال فرض الرسوم الدراسية أمرا مثيرا للجدل في المغرب. ويتطلب التزاما كبيرا من قبل السياسيين والمسؤولين في وزارة التعليم العالي. في المقابلات التي أجريتها حول سبل إصلاح التعليم العالي، تحدث البعض عن وجود مخاوف لدى السياسيين من اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في أعقاب الانتفاضات العربية، إذ أنه من غير المناسب الآن إثارة مشاعر الشباب المغربي حول حقهم في التعليم المجاني.

من جهة أخرى، لا تبدو الحكومة الحالية تمتلك القوة السياسي اللازم لتحقيق هذا التغيير المثير للجدل، إذ قوبلت تصريحات الوزير حول خطط فرض رسوم في الجامعات بانتقادات واسعة، ولم يسمع الكثير عن الموضوع بعد ذلك.

ومع ذلك، فإن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس الأخير في 20 آب/أغسطس، والذي انتقد فيه حالة التعليم في المغرب، يشير إلى أن هناك دعما رفيع المستوى للإصلاح. لذلك دعونا نأمل أن قضية فرض رسوم دراسية قد تعود مجددا إلى طاولة النقاش.

*اليزابيث باكنر، طالبة مرشحة لنيل شهادة الدكتوارة في التعليم الدولي المقارن في جامعة ستانفورد . حصلت اليزابيث على منحة فولبرايت للمغرب في عام 2006، حيث عملت على دراسة التعليم العالي في الأردن، وتونس، والمغرب، وسوريا، إلى جانب عملها في التدريس في هذه الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى