أخبار وتقارير

المغرب.. لا توازن بين عدد الخريجين ومتطلبات سوق العمل

الرباط- تستعد الجامعات الحكومية في المغرب لفتح أبوابها لاستقبال العام الدراسي الجديد في 11 أيلول/سبتمبر. وككل عام، يدخل الطلاب إلى صفوفهم وتستقبلهم المشاكل القديمة نفسها.. قاعات المحاضرات مزدحمة بالطلاب.. عدد قليل جدا من الأساتذة.. التعليم بالحفظ عن ظهر قلب.. وبالطبع مشكلة اللغة، فخريجي المدارس الثانوية درسوا طوال السنوات المدرسية الماضية باللغة العربية في حين أن التعليم الجامعي يتم باللغة الفرنسية، وهي لغة بالكاد يعرفونها.

أما السياسيون فسيستأنفون جدالهم حول اتجاه إصلاح التعليم في البلاد.

“الشروط ليست عظيمة”، قالت قدس ليفناتسا طالبة في كلية الاقتصاد بجامعة الرباط والبالغة من العمر 22 عاما. “إن التغيرات المستمرة للإصلاحات تلعب دورا سلبيا فقط”.

في آب/أغسطس، قدم العاهل المغربي الملك محمد السادس مراجعة قاتمة لحالة نظام التعليم في المغرب، وقال “إنه من المحزن أن وضع التعليم الحالي أضحى أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه قبل أكثر من 20 عاما”.

وحث العاهل المغربي صانعي السياسات على تنحية خلافاتهم الشخصية وإنهاء المشاحنات السياسية للقيام بما هو أفضل للمغاربة.

وقال الملك في 20 آب/أغسطس الماضي في خطاب متلفز إنه “لا يبدو منطقيا أن تقوم كل حكومة بوضع خطة جديدة لكل خمس سنوات وتتجاهل بذلك البرامج الموضوعة سابقا”، لذلك “يجب عدم إدارج قطاع التعليم في نطاق الشؤون السياسية البحتة، ولا ينبغي أن تخضع إدارته لأساليب المزايدات أو سياسة حزبية”.

مشاكل نظام التعليم في المغرب متعددة بشكل هائل وواضحة، إذ يعاني نصف السكان من الأمية بالرغم من حقيقة أن ربع ميزانية الدولة ينفق على التعليم. ويبلغ عدد الطلاب في المدارس الابتدائية والثانوية حوالي 6.5 مليون، وعدد الطلاب في التعليم العالي نحو 600 ألف. ويعمل نحو ثلث موظفي الدولة في مجال التعليم. وتشير أرقام البنك الدولي الأخيرة المتوفرة إلى أن المغرب ينفق نحو 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، مما يجعله في نفس المركز مع قوى التعليم الدولية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكندا.

ولكن النظام يناضل مع عدم الكفاءة وخريجوه يكافحون للحصول على وظائف. وتعد اللغة مشكلة أساسية كبرى بحسب المحللين. وحيث أن المغرب كان دولة منتدبة من الفرنسيين حتى عام 1956، فقد كان التعليم دائما باللغة الفرنسية. في ثمانينيات القرن الماضي قررت الحكومة المغربية، التي كان يترأسها حزب الاستقلال المحافظ، تحويل لغة التدريس إلى اللغة العربية في المدارس الابتدائية، في حين بقيت اللغة الفرنسية لغة التدريس للتعليم العالي.

وقال خبراء التعليم إن هذا القرار يعتبر كارثة للطلاب الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الحكومية وهو أحد الأسباب في ارتفاع معدلات التسرب في الجامعات.

وإلى جانب انتقاده للتعليم، ندد الملك أيضا بالتناقض بين ما يتم تعلمه في المدرسة، وما هو مطلوب لسوق العمل- وهي انتقادات سبق وساقها العديد من المحللين.

“هناك عدم تطابق بين الملتحقين بالنظام التعليمي وبين الخارجين منه، وبين نظام التعليم والنظام الاقتصادي”، قال خالد سولامي، المدير السابق لهيئة التعليم الإقليمي لمدينة الجديدة.

“أعتقد أن المشكلة هي أيضا في الفصول الدراسية حيث هناك حاجة لمعلمين أكفاء حقا”. ويرغب سولامي برؤية أهداف أكثر وضوحا للإصلاح.

قبل بضعة أشهر، منح البنك الدولي قرضا بقيمة 100 مليون دولار لدعم إصلاح التعليم وتمكين الحصول عليه في هذا البلد الشمال إفريقي. “شهد المغرب زيادة في فرص التحصيل العلمي على جميع المستويات ومعدلات الالتحاق في التعليم الابتدائي هي الآن شبه عالمية”، قال جيفري وايت مدير فريق عمل البنك الدولي.  وأضاف “لكن على الرغم من تحقق الكثير في توسيع فرص الحصول على التعليم، هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات لتحسين نتائج التعليم، ولاسيما نوعيته والأداء العام لهذا القطاع”.

وفي وقت، تعتبر بعض البرامج مثل تلك المقدمة في كلية إدارة الأعمال ISCAE في الدار البيضاء، وهي جامعة رسمية معتبرة تسمح للطلاب خلال ثلاث سنوات بالتخصص في مجالات التجارة، التمويل والتسويق، وتعطيهم فرصة للحصول على وظائف في قطاعات تخصصهم، هذه إلى جانب كليات الطب والهندسة – والتي تقدم في صفوف خريجيهم مدراء تنفيذيين وباحثين ووزراء وسفراء- تستوعب أقل من ثلاثة في المئة من خريجي المدارس الثانوية.

وقال محللون إن هناك حاجة لمزيد من البرامج في الجامعات الحكومية البالغ عددها 15 جامعة تشمل 110 كليات مهنية.

” لا يمكننا مقارنة جامعة تضم أكثر من 74 ألف طالب وطالبة ببرنامج مثل ISCAE لديه ألفي طالب وطالبة فقط” قال سمير بلفقيه، الأكاديمي ونائب وعضو في لجنة التعليم.

“لكن بعض المؤسسات التعليمية مثل كليات الهندسة والمعاهد التي تدرب المسؤولين التنفيذيين لديها إمكانيات لدمج الطلاب في سوق العمل بسهولة أكبر من البرامج التدريبية الأخرى”.

ووفقا لبلفقيه، فإن جميع أولئك الذين يعملون من أجل تحسين التعليم يتوجب عليهم إيجاد سبل لتعزيز جهودهم والعمل معا من أجل الجمع بين المكاسب وإصلاح الخلل.

“يجب إعادة النظر في القانون الذي يحكم التعليم العالي منذ أيار/مايو 2001 ليتناسب مع احتياجات المجتمع اليوم” قال بلفقيه، مضيفا “يجب زيادة عدد البرامج القصيرة لتلبية حاجات المجتمع الحالية”.

في هذه الأثناء، قال طلاب مثل سلمى، البالغة من العمر 23 عاما وتدرس البيولوجيا في جامعة العلوم بالرباط، إن المشاكل الرئيسية تكمن في عدم وجود اتجاه خلال الدراسة لاكتساب الحد الأدنى من الخبرة العملية.

“إننا جميعا نعتقد أنه لا يمكننا الانتظار حتى ينتهي هذا الجحيم”، قالت سلمى ممازحة. “الفرص لاكتساب الخبرة والزيارات الميدانية غير موجودة تقريبا. نحن نقوم فقط بحفظ المواد من دون مناقشتها ومعظم الطلاب لا يعرفون حقا ما الذي سيحدث بعد التخرج”.

وتعتقد قدس ليفتيسنا، الطالبة في جامعة الرباط، أن خطوات الإصلاح الأكثر إلحاحا يجب أن تتم على مستوى التعليم الأساسي، مشددة على وجود حاجة ماسة لمزيد من الأساتذة.

“هذا هو المكان الذي يحصل فيه الطلاب على الأسس التي تمكنهم من الأداء بشكل أفضل في التعليم العالي” قالت قدس، مضيفة أنه “يجب علينا أيضا أن نقدم المزيد من الحرية للطلاب في الاختيار. لا نزال نضع الطلاب الأوائل في العلوم والآخرين في الدورات الأدبية في حين أنه يمكن أن يبرعوا في مكان آخر”.

مع إتقان اللغة الفرنسية، تصبح هاتين الطالبتين من الطلاب المحظوظين في البلاد حيث أنهما لن تواجها على الأرجح مشكلات الاندماج في سوق العمل.

في هذه الأثناء، يواصل مئات من الخريجين العاطلين عن العمل احتجاجاتهم العادية أمام البرلمان مطالبين بالمزيد من فرص العمل من الدولة – وهو مطلب لا يمكن للحكومة تحقيقه. بالطبع فقد فات الأوان لتطبيق تغييرات لهذا العام الدراسي، إلا أن الكثيرين يأملون بأن يدفع خطاب الملك الأخير بالمزيد من الاصلاحات.

ومع ذلك، يرى آخرون أن الأمر سيستغرق أكثر من ذلك بكثير من أجل إدخال تحسينات. إذ يعتقد البعض أن النظام الملكي يفضل إبقاء السكان غير المتعلمين على الرغم مما قاله الملك.

“لو كان نظامنا ملكيا دستوريا تقوم خلاله الحكومة المنتخبة بإصدار قرارتها بنفسها، كنت اقتنعت بما سمعت (في الخطاب الملكي) عن فشل نظام التعليم الوطني والسبب الحقيقي وراء هذا الفشل”، دونت الكاتبة المغربية فاطمة إفريكي على صفحتها على موقع فيسبوك. أضافت “لكن الذاكرة الشعبية لا تزال حية وجميعنا يعرف من الذي يصدر القرارات في نهاية المطاف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى