مقالات رأي

النزاع السوري وخطوات لتخفيف آثاره على التعليم العالي

ألحقت الأزمة السورية وحالة العنف المستمرة في البلاد خلال العشرين شهراً الماضية أضراراً جسيمة بقطاع التعليم. وبعد تحديد أبرز الأضرار الحاصلة، لدي بعض التوصيات التي يمكن للمنظمات السورية والدولية القيام به لمساعدة قطاع التعليم العالي السوري.

إن القيمة الإجمالية للأضرار المباشرة التي لحقت بمباني وتجهيزات وزارة التعليم العالي، حتى الربع الأول من عام 2013 الجاري، فاقت 326 مليون ليرة سورية (2.4 مليون دولار أميركي)، فضلا عن الأضرار الكبيرة التي لا يمكن حصرها لوجودها في مناطق متوترة لا يمكن الوصول إليها والتي تفوق 5 مليارات ليرة سورية (38 مليون دولار أميركي). ومن المتوقع أن يتم تقليص الإنفاق العام على التعليم إلى أكثر من النصف في العام الحالي مقارنة بما تم إنفاقه عام 2010.

إضافة إلى ذلك، فقد طال الصراع الدائر أساتذة الجامعات إذ تم توثيق 53 حالة وفاة و52 إصابة و4 حالات خطف علاوة على حالات التهديد والابتزاز. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد أعضاء هيئة التدريس الذين غادروا سوريا بعد اندلاع الأزمة، إلا أن بعض المصادر تحدثت عن أنها تتراوح بين 9 و30 في المئة.

كما دفعت الصعوبات المالية وارتفاع مصاريف الدراسة والمخاوف الأمنية وموقع الجامعة إلى عدم التحاق عدد كبير من الطلاب بالجامعات ووقف تسجيلهم، والالتحاق بسوق العمل من أجل إعالة عائلاتهم بعد تردي أوضاعهم الاقتصادية. وقامت بعض الجامعات بوقف الدوام لفترة محدودة وإلغاء فصل التعليم الصيفي نتيجة صعوبة الوصول إلى مقراتها الرئيسية لقربها من أماكن الاشتباكات.

وطالت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا الطلاب المبتعثين إلى الخارج والذين يعانون من صعوبة وصول رواتبهم ومستحقاتهم الشهرية، حيث قامت وزارة التعليم العالي بتخصيص اعتماد لرواتبهم ومستحقاتهم تقدر بأكثر من 100 مليون دولار للعام الدراسي 2013-2014. لكن العديد من الدول منعت التعاملات مع المصارف السورية مما حجب التحويلات عن الطلاب السوريين المبتعثين على الخارج.

وللحد من الآثار السلبية للأزمة، قامت وزارة التعليم العالي بزيادة الاستيعاب الجامعي وافتتاح عدد من الكليات في المناطق الآمنة، ووضعت آلية تساعد الطلاب على متابعة تعليمهم وتقديم امتحاناتهم.

كما قامت بتسليم رواتب المبتعثين لدى زيارتهم سوريا أو لوكلائهم القانونيين الذين يقومون بتحويل المبالغ إليهم في بلدان الاغتراب.

وطلبت الوزارة من الطلاب المبتعثين فتح حسابات شخصية لدى المصارف المرخصة العاملة في سورية بالقطع الأجنبي ليتم تحويل رواتبهم ومستحقاتهم من خلالها، ذلك أنه لاتزال جسور التبادل الثقافي والإيفاد الخارجي مستمرة مع أكثر من 40 دولة.

لم تستجب وزارة التعليم العالي حتى الآن لطلب الجامعات الخاصة زيادة الأقساط الجامعية للطلاب المسجلين، هذه الأموال تحتاجها الجامعات للعمل في ظل هذه الظروف. وحسب القانون، فإنه في حال وجود مخالفة تسترد الرسوم وتغرم الجامعة بمبلغ 500 ألف ليرة سورية (3800 دولار أميركي) عن كل مخالفة. وقامت الوزارة بتسهيل إيجاد مقرات مؤقتة لعدد من الجامعات الخاصة في مناطق آمنة.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات المتخذة لدعم قطاع التعليم العالي، إلا أن حجم الخسائر التي لحقت به تتطلب اتخاذ المزيد منها. فعلى سبيل المثال، لا بد من إعادة بناء المنشآت المتضررة وإعادة تجهيزها بالمختبرات العلمية وكافة مستلزمات العملية التعليمية، وتأمين الطرق، وتقديم القروض الميسرة للطلاب ذات آجال استحقاق طويلة وبدون فوائد، وتأمين التنقل المجاني للطلاب إلى الجامعات من خلال تفعيل البطاقة الجامعية، والسماح بتقسيط الرسوم الجامعية للتعليم الموازي.

وقبل كل هذا، لا بد من توفير الحماية للأساتذة الجامعيين لضمان استمرار العملية التعليمية وتعويض المتضررين منهم وتقديم الحوافز لهم للحد من هجرتهم.

وبالطبع هذا لا يمكن أن ينجح ما لم يتم تحييد الجامعات وإبعادها عن جميع أطراف الصراع.

من جهة أخرى، لا بد من دعوة المؤسسات الدولية لمساعدة الطلاب في التخفيف من الآثار السلبية للأزمة من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، وتوزيع قسائم مجانية لهم لشراء مستلزماتهم الدراسية، وتقديم إعانات مالية مباشرة لهم تساعدهم على الاستمرار في الدراسة وتحد من تسربهم من الجامعات. إضافة توزيع حقيبة تجهيزات جامعية تحتوي على أهم احتياجات الطالب التعليمية (مثل السماعات الطبية ومعاطف المختبرات الطبية لطلاب الطب، وأدوات القياس والفحص لطلاب الهندسة) والتي أصبحت مرتفعة الكلفة وتشكل عبئا كبيرا عليهم يعد خطوة داعمة ومحفزة لهؤلاء الطلاب.

إن دور المنظمات الدولية والوكالات التنموية حاسم في المساعدة على إيجاد آلية لتحويل الأموال للطلاب المبتعثين لاستكمال تعليمهم، وتجهيز المختبرات العلمية بكافة المستلزمات الضرورية لاستمرار العملية التدريسية في الجامعات السورية. يمكن لمنظمات الصحة العالمية تأمين التجهيزات الطبية ومستلزمات كليات الطب والمستشفيات الجامعية، وتقوم المنظمات الدولية المتخصصة الأخرى بتأمين احتياجات كليات الهندسة على اختلاف أنواعها.

إن تضافر الجهود المحلية مع إمكانات المنظمات والمؤسسات الدولية خطوة لا بد منها لمساندة قطاع التعليم العالي في سوريا ودعم طلابه في هذه الأوقات العصيبة.

إن سوريا تحتاج للأطباء والمهندسين والكثير من الاختصاصات العلمية الآن وفي المستقبل لإعادة بناء البلاد حالما ينتهي الصراع.

* رامي زعتري رئيس فريق المرصد الوطني للتنافسية في دمشق.

المرصد الوطني للتنافسية هو مؤسسة مستقلة غير ربحية يهدف إلى رصد تطور التحديات والفرص لتنامي الاقتصاد السوري وتحليله وتقديم توصيات عملية بشأنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى