أخبار وتقارير

جدل وانتقادات في مؤتمر للأبحاث التربوية في لبنان

بيروت – فتح مؤتمر حول الأبحاث التربوية في الجامعات العربية “صندوق باندورا”، مما اضطر جميع طلاب الدراسات العليا والأساتذة والباحثين لمواجهة أنفسهم بحقيقة مشاكلهم.

 تدقيق المشاركين في المؤتمر كشف الكثير عن واقعهم: المجال كثير الازدحام “بخلاصات التجارب” التي تهتم في المقام الأول بالإحصاءات والعلاقات المتبادلة على حساب المساهمة المعرفية، تعمد تجنب بحث القضايا الحساسة سياسياً والتهرب من تحليل الوثائق الحكومية.

 إضافة إلى ذلك، مهد مؤتمر “الماجستير والدكتوراه في التربية في الجامعات العربية: الجودة والقيمة المضافة” الطريق لبضعة طلاب من الجامعة اللبنانية للتعبير عن مشاكلهم ومناقشة وتحليل واقعهم، مما أثار الجدل حول واحدة من القضايا الأكثر الخلافية على الساحة اللبنانية التعليمية: الجامعة اللبنانية نفسها.

أوجد المؤتمر منصة للطلاب للانخراط في نقاش علني ضروري حول توقعاتهم مع أقرانهم وأساتذتهم ومقارنة واقعهم مع زملاء باحثين في قطاع التعليم بمختلف أنحاء العالم العربي. نظمت شبكة المعلومات العربية التربوية (شمعة) والهيئة الوطنية للعلوم التربوية المؤتمر، الذي انعقد في الأول والثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، واستضافته الجامعة اللبنانية الأميركية.

 وكان هدف المؤتمر إتاحة الفرصة أمام الباحثين التربويين لتقديم وجهات نظرهم حول التعليم العالي ومناقشة جودته. اجتمع الباحثون، الأكاديميون، طلاب الدراسات العليا والأساتذة معا في محاولة للرد على سؤال المشاركين المهم والصعب: “ما الذي يجب القيام به لتحسين نوعية الأبحاث التربوية في الجامعات العربية؟”

 تنوعت ردود المشاركين؛ إذ رفض البعض الاعتراف بصعوبة إجراء الأبحاث التربوية في المنطقة، في حين كان بعضهم صريحاً للغاية في ممارسة النقد الذاتي في تحليله، وبدى البعض الآخر اتهامياً واستفزازياً.

 وتضمن المؤتمر جلسات نقاش حول مجموعة واسعة من المواضيع. وركزت المداخلات على اتجاهات البحث التربوي في العالم العربي (المغرب ومصر ولبنان)، كما تمت مناقشة نماذج من البرامج الدولية في مداخلات لبرامج في فنلندا، الولايات المتحدة، كندا وألمانيا.

 وحملت بعض المداخلات جوانب عاطفية. إذ تقاسمت الطالبتان سمر القصار وسحر شاعر تجربتهما الشخصية مع برنامجهما. جاءت مداخلتهما، “فهم مسيرة طالب مع الدراسات العليا: حالة من الجامعة اللبنانية”، كنتيجة لدراسة أجرياها معاً لوصف برنامج الدكتوراه في كلية الأدب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، من وجهة نظرهما. وذكرت الطالبتان أنهما تواجهان مشكلة غياب التحضير الخاص لبرامج الدراسات العليا، عدم توافر الموارد الحديثة في الجامعة، عدم وجود توجيهات واضحة، نقص في السياسات الجامعية، الحاجة لإنشاء مركز للتنمية المهنية لمساعدتهم في تقديم الاستشارات، عدد محدود من المستشارين الخبراء، عدد كبير من الطلاب في كل فصل وتفضيل بعض الاختصاصات مع اعتذار الإدارة عن عدم وجود اختصاصيين في بعض المجالات. رغم التحديات، وصفت سمر وسحر الاستراتيجيات التي ساعدتهما على الاستمرار في مسيرتهما، وهما الاختيار الدقيق للمستشارين وتعزيز العلاقات معهم، وبناء العلاقات الشخصية مع طلاب الدكتوراه.

 لم تكن هذه الاستراتيجيات والتحديات مفاجئة لطالبة الدكتوراه ميرا علم الدين. خلال مداخلتها، “بناء برنامج دكتوراه جيد” حول نفس الكلية في الجامعة اللبنانية، قالت إنها لا تلبي شروط المعايير الدولية. وأضافت أن البرنامج ليس لديه أهداف واضحة، والمشرفون عليه فشلوا في إعداد الطلاب لأطروحاتهم، كما أن الصفوف كانت أقل من توقعات الطلاب.

 اعترض بعض طلاب الجامعة اللبنانية الحاضرين على المداخلات الانتقادية، قائلين إن المتكلمين لم يشيروا إلى العديد من الميزات الإيجابية للدراسة للحصول على درجة متقدمة في الجامعة اللبنانية.

 وكشفت مداخلة مفاجئة خلال المؤتمر قدمها عدنان أمين، مؤسس الجمعية اللبنانية للعلوم التربوية وشمعة وأستاذ علم الاجتماع التربوي، ما يمكن أن يكون التصريح الأكثر جرأة في المؤتمر: وهو أن أساتذة التعليم العالي هم السبب الرئيسي للأنماط المعقدة التي تواجه طلاب الدراسات العليا والاتجاهات في مجال الأبحاث.

 بناء على تحليله لأكثر من ألفي دراسة أعدها أساتذة تعليم، و184 أطروحة ماجستير ودكتوراه. هذه الأطروحات مخزنة في قاعدة البيانات شمعة منذ أيلول/سبتمبر الماضي، أوضح الأمين بجرأة المهمة الرئيسية للأطروحات والأبحاث التربوية في هذا الجزء من العالم: هي التنشئة الاجتماعية بدلاً من إنتاج المعرفة. وفي نقاش أثار نوعاً من التوتر في الاجتماع، أوصى الأمين “بتشجيع إنتاج الأبحاث التحليلية لتعزيز المعرفة التعليمية”.

 وفي مقابلات على هامش المؤتمر، أعرب مشاركون عن أفكار مثيرة للاهتمام. إذ أكد البروفسور عبد اللطيف كيداي من المغرب أن الإشراف على الأطروحة أمر أساسي في تحسين نوعية الأبحاث التربوية، مشيرا إلى “الحاجة لتحمل المخاطر مع طلابنا، من حيث اختيار الموضوعات وأدوات البحث”. ووافقته علم الدين، الطالبة في جامعة اللبنانية، الرأي: “نحتاج للبدء في العمل على مواضيع جديدة؛ مواضيع ليس لدينا أي بحث سابق عنها وتأطيرها بحيث يمكن للباحثين في المستقبل الاستفادة منها”.

 ورأت عميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية، زلفا الأيوبي، أن تحسين البحث التربوي في العالم العربي مرتبط بالتحول في طبيعة الأوراق البحثية المنتَجة. وقالت “إننا لا نحتاج إلى عمل المزيد من الأبحاث التحليلية، نحن بحاجة لأن نكون أقل اعتماداً على الإحصاءات والأرقام”.

بالنسبة إلى سوزان أبو رجلة، من جامعة القديس يوسف، فإن الحل الأساسي مرتبط بطريقة عمل الباحثين. “نحتاج إلى إنشاء لجان من الباحثين والتعاون في اتجاهات متعددة: داخل المؤسسة نفسها، وكذلك عبر مؤسسات مختلفة، بين البلدان النامية وبين البلدان المتقدمة والنامية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى