مقالات رأي

الدروس المستفادة لمصر من حياة مانديلا

علمت بوفاة نيلسون مانديلا ليلة الخميس، ثم صباح يوم الجمعة تابعت احتفاء أصدقائي على الفيسبوك بفوز عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري، باستطلاع مجلة تايم حول شخصية العام.

اعتقدت أن هذا دلالة على الارتباك الذي تشهده مصر اليوم. يمكننا الاحتفاء بالسيسي كشخص ساعد في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي بعد احتجاجات 30 حزيران /يونيه. إلا أن تجاهل الظلام والظلم الذي نشهده في أعقاب هذه الاحتجاجات، بغض النظر عن مدى دعمنا لها، وبعيداً عن ظلم نظام مرسي فهو أمر لا يبشر بالخير لمستقبل مصر.

بدلاً من ذلك، أعتقد – كما يعتقد آخرون- أنه حان الوقت للتفكير في نضال مانديلا ورحلته، وأخذ الدروس منه لمساعدة مصر في هذه الأوقات الصعبة. كان مانديلا على الأقل يمتلك بعض الوضوح حول من هم أصدقائه، ومن هم أعدائه. في مصر اليوم، أصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم. وفجأة لم يعد بعضنا يهتم لوضعهم، ومعيشتهم، وحياتهم.

بالرغم من معرفتي المتواضعة  بتاريخ جنوب أفريقيا، إلا أنني أعتقد أن فظائع الفصل العنصري كانت أطول وأكثر شراسة بكثير مما حدث في مصر قبل عام 2011 وبعد ذلك الحين. ومع ذلك فإن رسالة مانديلا تعتبر واحدة من نماذج مسامحة العدو والعمل على تحقيق المصالحة. لا أعرف كيف يمكن لشخص عانى كل هذه المعاناة أن يصبح مثلما أصبح مانديلا وأن يصبح أيضاً مصدر إلهام للآخرين ليحذو حذوه (قبل أيام قليلة من وفاة مانديلا، أثارت زميلتي هذه النقطة).

لا يوجد خط واضح لتقسيم المصريين حول نقطة خلاف لا يمكن حلها، ومع ذلك فنحن غير قادرين على العمل مع بعضنا البعض، بل وننقلب ضد بعضنا البعض. لقد فعلنا بأنفسنا ماسبق وأن حذر منه باولو فريري، إذ حذر من أن منح المضطهدين السلطة قد يتسبب في استدارتهم لقمع مضطهديهم. وقد تكون ردة الفعل تلك مفهومة، وقد تكون صفة إنسانية أيضاً، ولكنها تقوم بإعادة إنتاج دوامة الظلم فقط، كما كان ولا يزال يحدث في مصر خلال السنوات القليلة الماضية.

إنني آمل أن يجد كل منا الوقت للنظر أكثر في تراث مانديلا خلال تلك الأيام القادمة، ولكن أترككم الآن مع أفكاري حول اثنتين من مقولات مانديلا :

“التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم”. وبواسطة التعليم هنا،أشك في أنه يعني هذا النوع من التعليم الذي يتم قياسه عبر الاخبتارات الموحدة (إذا أنني أشك بكونه يستحق أن يطلق عليه اسم التعليم) وإنما التعليم الذي يسعى إلى تحرير عقل الفرد، ويساعده على رؤية الظلم الخفي، ويدفعه للتساؤل حول معتقداته الخاصة، وقيمه وثقافته، ويساعده أيضاً على اتخاذ اجراءات لتحدي الوضع الراهن و النضال من أجل العدالة الاجتماعية.

هذا غالباً ما يحدث خارج مساحات التعليم الرسمي لأن التعليم الرسمي هو أساساً وسيلة لأولئك الذين في السلطة لممارسة السلطة من خلال الحفاظ على الوضع الراهن. بالنسبة لمانديلا، كانت ” جامعة النضال ” هي حيث ألهم نزلاء السجن الآخرون بنهجه الثوري، والذي ينطوي على فهم عميق لـ “الآخر” والإنسانية وراء مخاوف ودوافع الآخرين. هذا يبدو ممكناً تماما في مصر. على عدة أصعدة، لا أعتقد أن هذا يحدث.

إحدى المقولات المؤثرة لمانديلا أيضاً هو ما قاله عندما أعلنت منظمة العفو الدولية في عام 2006 أنه “سفير الضمير”. إذ قال ” ما دام الظلم وعدم المساواة لا يزالا قائمين في عالمنا، لا يمكن لأحد منا أن يرتاح حقاً. مازال علينا أن نكون أقوى”.

كمعلمة في مصر اليوم، أتساءل ما الذي يمكننا القيام به لتعزيز روح مانديلا في أطفالنا وشبابنا من أجل الوصول إلى المجتمع البناء. كتبت هذا الصيف حول أهمية غرس التعاطف والعدالة الاجتماعية في أهدافنا نحو تطوير التفكير النقدي لدى المواطنين. أريد الآن أن أضيف أن مثل هذا النهج قد يعبر عن نفسه في عمل أو عملية التسامح التي يمكن أن نتعلمها من إرث مانديلا: حل النزاعات، تعليم السلام، وتعليم المواطنة. نحن نعرف أن هناك جماعات في مصر تعمل على هذا خارج نطاق التعليم الرسمي. حان الوقت لتوسيع نطاق ذلك بحيث يمكن لعدد كبير من السكان فهم بعضهم البعض عاطفياً، وأن يكونوا على استعداد للتسامح، ولكن ليس للنسيان، وإلا فإننا لن نتعلم، ولكن يمكننا التعثر والتعلم من جديد والمضي قدماً.

تشكر مها بالي زملائها نيللي كوربل، جيهان عثمان و هيذر براون عن المحادثات التي أجرتها معهم وحرضتها على التفكير وكتابة هذا المقال.

* مها بالي: تعمل بمركز التعلم والتعليم بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وهي عضو هيئة تدريس مساعد في مدرسة الدراسات العليا للتربية والتعليم. وتقوم حاليا بإعداد رسالة الدكتوراه في التربية من جامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة. يمكن  متابعتها على تويتر  Bali_Maha@  .

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى