مقالات رأي

التعليم في دستور مصر الجديد

تم نشر هذا المقال في مدونة “الديمقراطية في التنمية” – مركز العلاقات الخارجية.

وافق المصريون على الدستور الجديد للبلاد بنسبة 98 في المئة، وهي نسبة مماثلة لتلك التي كانت تظهر أيام حكم مبارك، في الاستفتاء الذي عُقد الأسبوع الماضي.

وكان العديد من المراقبين قد انتقدوا الدستور الجديد، مشيرين إلى أنه يمنح صلاحيات غير مسبوقة للجيش ويفشل في حماية حقوق الإنسان الهامة. في المقابل، وجد أخرون فيه فرصة للاحتفال، مشيرين إلى تضمنه أحكاماً موثقة تختص بالمساواة بين الجنسين والحرية الدينية، والعلمانية معتبرينها خطوات هامة إلى الأمام.

لا يبدو واضحاً بعد كيف سيتم تطبيق الدستور الجديد وإلى متى سيستمر خاصة مع إنخفاض نسبة المشاركين في التصويت إلى ما دون 40 في المئة، إضافة إلى الانقسامات العميقة الحاصلة في المجتمع حول عدة بنود دستورية. إلا أن مادة واحداً في الدستور الجديد يفترض أن تلقى دعماً قوياً من جميع المصريين، وهي مادة الأحكام الجديدة التي لم يلتفت إليها الكثير الخاصة بالتعليم.

توسع المادة 19 في الدستور الجديد من الحق في التعليم المجاني المذكور في الدساتير السابقة، والتي يعود تاريخها إلى عام 1971، ويتضمن لغة جديدة هامة حول غرس قيم “المواطنة والتسامح وعدم التمييز” وهي المثل العليا التي يمكن القول أنها أكثر أهمية من أي وقت مضى في مصر نظراً للخلافات الأيديولوجية والطائفية العميقة في البلاد. وتنص المادة 19 أيضاً على أن الحكومة “تنفق ما لا يقل عن 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم”.  كما تحدد المادة 21 بالمثل ما لا يقل عن 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم الجامعي.

قد يشكو البعض من أن تحديد أرقام معينة قد يعيق القرارات المالية للحكومة، وربما يمنعها من تخصيص الأموال لاستثمارات أكثر جدارة بالاهتمام. ولكن الواقع هو أن مصر طالما ما استثمرت أقل مما يجب في التعليم، ولديها بضع الموارد الأخرى إلى جانب رأس المال البشري الوفير:85 مليون مواطن، أكثر من نصفهم تحت سن ٢٥ عام. وفي مجال التعليم، تقع مصر خلف البلدان النامية الأخرى، سواء من ناحية الصرف أو من ناحية المخرجات.

على مدى السنوات العشرين الماضية، أحرزت مصر تقدماً كبيراً في نسبة التحاق الأطفال بالمدارس مغلقة فجوة محزنة في التعليم بين الجنسين. اليوم، أكثر من 90 في المئة من الأطفال يذهبون إلى المدرسة الابتدائية، وهناك تعادل تقريبي بين الذكور والإناث. ( تستحق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذكر في هذا الشأن لمساعدتها الفتيات المصريات للوصول الى المدرسة). ولكن جودة التدريس ضعيفة، إذ ما زال يكافح الأطفال المصريون في أساسيات القراءة والكتابة والحساب. ولا تزال الأمية لدى الكبار أيضاً مشكلة كبيرة تنتقص من القدرة التنافسية الاقتصادية الشاملة للبلاد.

يشير تقرير الاتجاهات العالمية التوظيف في منظمة العمل الدولية لعام 2014 إلى أن المدارس المصرية ” تناضل من أجل تزويد الخريجين بالمهارات اللازمة لإيجاد فرص عمل منتجة”، مما يساهم في البطالة والركود الاقتصادي.

لا تُعالج قضايا الجودة بإنفاق المزيد من الأموال ببساطة على المشكلات، إلا أن حصص الإنفاق الجديد قد تساعد مصر على اللحاق بالأسواق الناشئة الأخرى. قبل الثورة عام 2011، كانت مصر محبوبة الأسواق الناشئة (قام المستثمرون بتصنيفها كدولة CIVET، وهو التصنيف الذي يجمعها مع كل من كولومبيا، وأندونيسيا، وفيتنام، وتركيا). إلا أن العديد من هذه الدول تستثمر موارد أكثر بكثير في المدارس من مصر، ومما لا يدهش أنها  تتفوق في التعليم على مصر.

في السنوات الأخيرة، كرست فييتنام أكثر من 6 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للتعليم، ويظهر برنامجها الدولي الهائل لتقييم الطلبة (PISA)  نتائج هذا الاستثمار، فقد احتلت المرتبة السابعة عشرة في اختبارات PISA، في حين حلت الولايات المتحدة في المرتبة السادسة والثلاثين. أنفقت كولومبيا بالمثل أكثر من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم.

في نفس الوقت يبلغ الإنفاق على التعليم في مصر أقل من 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد استخدمت الدول النامية الأخرى الأحكام الدستورية لضمان استثمارات كافية في مجال التعليم. إذ قدمت البرازيل، على سبيل المثال، التزامات بالإنفاق على التعليم في دستورها عام 1988، وتمتعت بمكاسب تعليمية قوية على مدى الخمسة والعشرين عاما الماضية.

يدعو الدستور الجديد أيضاً للتوسع في التعليم الفني والمهني “تماشياً مع احتياجات سوق العمل”، وهو أمر إيجابي أيضاً، على الرغم من أنه يعتمد على التنفيذ. فمنذ سنوات أقرت الحكومة المصرية الحاجة إلى برامج التدريب المهني أفضل ( يحب المصريون الشكوى من عدم وجود سباكين مختصين، وميكانيكيين للسيارات)، إلا أنهم أخفقوا في تقديم تدريب جيد. وتلك مساحة يمكن لأوروبا والولايات المتحدة تقديم مساعدات فيها.

في الواقع، كان وضع برامج تنمية القوى العاملة لتزويد الشباب المصري بالتدريب التقني محل تركيز جهود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في السنوات الأخيرة. وقد عملت ألمانيا أيضاً مع الحكومة المصرية لإنشاء نسخة من برامجها المتطورة في التدريب المهني. ولكن هناك حاجة إلى المزيد.

إضافة إلى ذلك، يبدو التزام الدستور الجديد بزيادة الإنفاق على البحث العلمي أمراً واعداً.  رفعت مصر من حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للبحث والتطوير بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث زادت الحصة من 0.24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009، إلى 0.42 في المئة في عام 2011. وتلزم المادة 23 البلاد بإنفاق “ما لا يقل عن 1 في المئة من الناتج القومي الإجمالي على البحث العلمي”، الأمر الذي يترتب عليه زيادة المستويات الحالية لأكثر من الضعف.

لقد قدمت مصر العديد من العلماء المرموقين على مر السنين، إلا أن الكثير منهم غادر البلاد بسبب عدم وجود مختبرات على مستوى عالمي.  فعلي سبيل المثال حصل أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1999، ولكن نظير قيامه ببحث في الولايات المتحدة، وليس في مصر.

لايبدو واضحاً بالنسبة لي إذا كان إنفاق 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي هو المستوى المناسب لمصر، ولكن مع ذلك سيكون ذلك مفيداً للآفاق الاقتصادية على المدى الطويل في البلاد.

وبالنظر لكون الجيش يسيطر على مقاليد الإنفاق في البلاد، فإن تحديد أهداف إنفاق طموحة في مجال التعليم والبحث والتطوير في الدستور قد يساعد على تحريك الميزانية في اتجاه منتج. على المدى الطويل، يمكن أن تكون البنود الجديدة المتعلقة بالتعليم من بين أهم التطورات الإيجابية التي تجنيها مصر من الدستور الجديد.

إيزابيل كولمان، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، حيث تدير شؤون المجلس المتعلقة بالمجتمع المدني، والأسواق، وبرنامج الديمقراطية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى