مقالات رأي

طفلتي ورسالة الدكتوراه

 القاهرة- نظراً لكوني أمًا نجحت في الحصول على درجة الدكتوراه أثناء رعايتها لطفلتها، فإنني أكن كل الاحترام والتقدير للأمهات العاملات في المجال الأكاديمي.

في الواقع، لا يمكنني أن أقارن بين حياتي وعملي في المجال الأكاديمي الآن وقبل أن أصبح أمًا. فأمومتي غيرت تمامًا طريقة تفكيري في مستقبلي المهني. كما أنني أعتقد أن الأمهات العاملات في المجال الأكاديمي تعانين أكثر من أية أم تعمل في أي مجال آخر، وذلك لأننا ببساطة نحمل عبء العمل والدراسة في كل وقت، فمثلاً عملي للحصول على الدكتوراه أو أية درجة أكاديمية أخرى لا يماثل بأي حال من الأحوال أية وظيفة يبدأ دوامها من الساعة التاسعة صباحًا وينتهي في الخامسة مساءً. فأنا أعمل وأُجرى أبحاثًا على مدار اليوم، بل ويتسلل عملي أحيانًا إلى المنزل ليستمر معي طوال الليل. لذا فإنه من الطبيعي أن تزداد صعوبة دراسة الدكتوراه أو العمل في المنزل مع وجود طفل يسعى للحصول على كل الاهتمام، فحتى إذا لم أكن جالسة أمام الكمبيوتر أو منشغلة بكتابة شيءٍ ما، فإن الأفكار تدور في رأسي طوال الوقت.

لازلت أتذكر ذلك الوقت عندما حددت لنفسي موعدًا زمنيًا لأقدم مسودة رسالة الدكتوراه للمشرف، حينها مرضت ابنتي مرضًا شديدًا، وبالتالي لم تذهب للحضانة لمدة أسبوع كامل عانيت خلاله من الإرهاق العاطفي والذهني وعدم النوم لليال طويلة – نحن لم نكن ننام على أية حال. ولم تكن العودة لنفس وتيرة العمل بالأمر الهين، حيث يتطلب ذلك وقتًا وحافزًا، كما أن قضاء أسبوع كامل بعيدًا عن العمل في الرسالة في مراحلها الأخيرة يشكل كارثة حقيقية.

ففي اللحظة التي أشعر فيها بالرغبة في الكتابة خلال الوقت الذي تنعم فيه ابنتي بنوم هادئ، لا ألبث أن أفيق على صراخها بدون سبب واضح. وبعد تهدئتها وإعادتها إلى سريرها، أعود للكتابة لأجد نفسي أمام جملة ناقصة وقد نسيت بالطبع الفكرة التي كنت أنوي كتابتها.

كما أتذكر جيدًا الليلة التي سبقت مناقشة رسالتي عندما قررت ابنتي لسبب أو لأخر ألا تنام حتى منتصف الليل. يقول طبيبها إن هذا الأمر لا يتعلق بقانون مرفي، ولكنه مجرد حساسية طفلتي للتوتر الذي أعانيه. فعلياً، أنا لا زلت في انتظار ذلك اليوم الذي ستتحول فيه هذه الحساسية إلى شيءٍ إيجابي!

ولكنني أريد أن أتخطى هذه النظرة السلبية وأنظر للموضوع من زاوية أكثر إشراقًا.

عندما يصبح طفلك المحور الأول الذي تدور حوله حياتك، تتلاشى أهمية بعض الأشياء الأخرى. ويؤثر ذلك أيضًا على ترتيب أولوياتك ولكن– وعلى غير المتوقع – يمكن أن يكون ذلك لصالحك. فلماذا أهتم بتعليقات المشرف على رسالتي وانتقاداته عندما أعود للمنزل لتقبلني ابنتي على وجنتي لأول مرة؟

https://www.bue.edu.eg/

في الدقائق التي سبقت مناقشة رسالتي، كنت أفكر في ابنتي وماذا تفعل بدوني؟ هل أكلت؟ هل نامت؟ وقد صرف هذا التفكير ذهني قليلاً عن توتر مناقشة الرسالة وشعرت بأنني أكثر هدوءًا.

كما تعلمت أن أكتب بسرعة وأن أحسن تنظيم وقتي وأنجز بعض المهام في الفترات التي تنام فيها طفلتي خلال النهار (بما في ذلك كتابة المدونات).

كما يمكن أن يكون الطفل حافزًا للدراسة والبحث. يتضح ذلك بصورة أكبر بالنسبة للعاملات في مجالي التعليم والعلوم الاجتماعية، إذ أرى أن جميع الأمهات العاملات في المجال الأكاديمي تشعرن بذلك تجاه أطفالهن. فأنا بالفعل أرى أن ابنتي تتحدى أي بحث يثبت أن الأطفال لا يمكنهم تعلم اللغات من خلال التفاعل مع الكمبيوتر، أو الأجهزة اللوحية، أو شاشات الهواتف المحمولة، لأنهم قادرون على ذلك بالفعل.

ختامًا، يجبر وجود أي طفل في المنزل الأم التي تعمل في المجال الأكاديمي على الاسترخاء والهدوء – حتى لو كانت تجري وراء طفلها طوال اليوم؛ فهي في النهاية تؤدي مهامًا لا تحتاج إلى تفكير مثل إعداد وجبة طعام أو تغيير حفاضة مما يساعدها على التقاط أنفاسها والبعد عن التفكير في الدراسة. وبين الحين والأخر، إذا حالفها الحظ، يمكن أن تلعب مع أطفالها وتسترخي بعد يوم شاق.

وتقريبًا يوميًا، سيكون على هذه الأم أن تساعد أطفالها على الاسترخاء والنوم. وفي أغلب الأحيان، ستنام بجوارهم، متناسية الضغوط المتعلقة بالمنهجيات، وإطار العمل التصوري، وشبح مواعيد تسليم الأبحاث.

مها بالي: أستاذة مشاركة في مركز التعليم والتدريس في الجامعة الأميركية في القاهرة، وعضو هيئة تدريس مساعد في كلية الدراسات العليا في التربية والتعليم. حصلت بالي على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة شيفيلد، المملكة المتحدة. يمكنكم متابعة مها على تويتر: bali_maha@ 

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى