أخبار وتقارير

طلاب طب يعالجون اللاجئين السوريين في لبنان

* إيما غاتن.

بيروت—في مخيم للاجئين في سهل البقاع في لبنان، تنتقل لوحة فحص البصر في المدرسة المؤقتة ما بين صورة الموزة والسلحفاة. إذ تحولت المدرسة إلى عيادة طبية لهذا اليوم.

تحت إشراف الأطباء المقيمين في المركز الطبي التابع للجامعة الأمريكية في بيروت، يجري أطباء شباب فحوصًا طبية لحوالي 70 طفلاً في الصباح.

يضم المخيم 280 صبيًا وفتاة في الفئة العمرية ما بين 4 إلى 14 عامًا من أصل مليون لاجئ سوري في لبنان. توفر العيادة الفرصة لهؤلاء الأطفال للحصول على الرعاية الصحية، كما توفر الفرصة للأطباء المقيمين لاكتساب خبرة في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

تفحص ميساء خليل، طبيبة مقيمة للسنة الثانية في المستشفى التعليمي في مجال طب الأسرة، سناء الطفلة البالغة من العمر 8 سنوات، في حين يتجول حولها متدرب في مجال علم النفس وممرضتان.

تقول خليل وهي على علم بأن ثلث الأطفال في المعسكر يعانون من سوء التغذية وتأخر في النمو “في البداية نبدأ بقياس الطول والوزن لنتأكد من صحة الجسم.”

تشكو سناء، الطفلة المبتسمة الخجولة بشعرها المربوط على شكل ذيل حصان وفي وسط جبهتها نجمة زرقاء، من ألم في الأذن وسعال والتهاب في الحنجرة منذ 10 أيام. تكثر مثل هذه الشكاوى بين اللاجئين الذين يعيشون في أماكن مزدحمة للغاية مع سوء الخدمات الصحية. كما تشكو سناء من قمل في شعرها حالها كحال نصف أطفال المخيم.

تقول خليل “أوضاعهم سيئة للغاية، منهم من يمتلك سخانات في خيامهم ومنهم من لا يمتلك أية أدوات للتدفئة. كما أن بعضهم لا يرتدي ملابس كافية. قد تجد بعض الأطفال يرتدون طبقة واحدة من الملابس ويمكنك أن تشعر بالبرودة التي يعانون منها بمجرد لمسهم.”

يعتبر الفحص الذي أجرته خليل للأطفال واحداً من مئات الفحوصات التي أجريت منذ شهر كانون الثاني/يناير، عندما بدأت الجامعة الأميريكية في بيروت برنامجها لتقديم الرعاية الصحية الأساسية لمخيمات اللاجئين السوريين والتي ظهرت خلال العامين الماضيين منذ اندلاع الحرب في سوريا.

يعمل حوالي 60 متطوعًا من المركز الطبي بانتظام في المخيمات في مجالات طب الأطفال، وخدمات الطوارئ، والطب الباطني. وقد ينضم لهذه المجموعة قريبًا الفنيون في مجال طب الطوارئ وأخصائيو العيون. توجد هذه العيادات في حافلة وفرتها منظمة أجيالنا غير الحكومية وهي في طريقها لفحص 9000 طفل في مدارس المخيم التي تديرها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وغيرها من المنظمات المحلية غير الهادفة للربح.

بدورها، تقول الدكتورة منى عثمان، محاضِرة في مجال طب الأسرة وإحدى المشاركات في إدارة زيارات المخيم “يتبع البرنامج منهجًا تعليميًا؛ حيث يشارك الأطباء المعالجون في العيادات، ويستدعي الأطباء المقيمون الأطباء الأكبر سنًا والأكثر خبرة للتشاور معهم حول بعض الحالات النادرة. وربما الأهم من ذلك، أن الأطباء المقيمين يتعلمون كيف يقدمون الرعاية الإنسانية في مثل هذه المنطقة التي هي في أمس الحاجة للمساعدة.”

وتضيف عثمان “يتم إعداد الأطباء والممرضات لخدمة السكان المحتاجين والمحرومين. ويشعرون بالسعادة لأنهم يقومون بعمل إيجابي. وفي كل مرة، يعودون بفكرة جديدة حول كيفية مساعدة اللاجئين وجعل حياتهم أكثر سهولة.”

يهدف البرنامج إلى مساعدة اللاجئين الأكثر احتياجًا للمساعدة؛ حيث لا تدير الأمم المتحدة هذا المخيم. إذ أنه أشبه بمخيم غير رسميي للسوريين الفارين من الحرب. يعيش اللاجئون السوريون في لبنان، باعتبارها دولة صغيرة نسبيًا يصل تعداد سكانها إلى 4,2 مليون نسمة، في مثل هذه المخيمات غير الرسمية. حيث رفض المسؤولون اللبنانيون- بسبب خوفهم من تحول اللاجئين إلى عبء طويل المدى- بناء مخيمات رسمية للاجئين السوريين مثل تلك الموجودة في تركيا أو الأردن.

ينصب اللاجئون خيامهم المتهالكة ذات الأغطية البلاستيكية على أراضي زراعية مؤجرة، ولكنها بالطبع غير مريحة، وإمدادات المياه غير كافية، والأطفال لا يستحمون لأسابيع طويلة. مع عدم وجود فرص للعمل، لا يمكن للاجئين دفع أتعاب الأطباء أو شراء الأدوية.

يعتمد الكثير من اللاجئين على خدمات مثل العيادات المتنقلة؛ حيث توفر العيادة الأدوية الأساسية، مثل المضادات الحيوية ومسكنات الآلام. وتحول المرضى الذين يشكون من أمراض أكثر خطورة إلى منظمات أخرى تساعدهم في إيجاد العلاج المناسب.

تقول خليل إنهم فحصوا طفلاً كان قد خضع لعملية جراحية في القلب وكان في حاجة إلى متابعة طبية، ولكنه لم يكن يحصل عليها. إذ أنهم غير قادرين على الاهتمام بحالتهم الصحية، ولكنهم يعيشون اليوم بيومه حتى يعودوا إلى سوريا.

وضعت هذه التجربة طلاب الطب في مواجهة مرضى لهم احتياجات استثنائية.

تقول خليل “تعرفت هنا على أمراض الطبقة الاجتماعية الاقتصادية الدنيا، فهذه أول مرة أرى فيها القمل على سبيل المثال.”

كما إنها أول مرة ترى فيها حالات الليشمانيات، وهو مرض جلدي معدي شائع في سوريا، ولكنه نادر في لبنان حتى التدفق الأخير للاجئين. كما تعلمت أيضًا كيف تتعرف على اضطرابات ما بعد الصدمة.

تقول خليل “يمكننا أن نتصور أن معظم الأطفال يعانون من مشكلات نفسية تظهر أعراضها على صحتهم. ففي بعض الأحيان، تجد طفلاً يعاني من ألم في المعدة دون سبب. ويكون هذا الألم نتيجة للصدمة.”

خلال حديثها، كانت خليل تفحص أحمد البالغ من العمر 10 سنوات. وصل أحمد إلى لبنان منذ أسبوع قادماً من حلب؛ حيث خلفت حملات البراميل المتفجرة التي شنتها الحكومة خرابًا شديدًا. وكان أحمد، الذي اضطر إلى ترك مدرسته، يعمل عاملاً للنظافة في حلب.

https://www.bue.edu.eg/

جلس أحمد أمام ميساء خليل ممسكًا بمعدته من الألم. ولكنها لم تجد أية أعراض تشير إلى وجود مشكلة صحية. حاولت برفق التعرف على تجربته، وعلى الرغم من أنه لم يصارحها، إلا أنها تعرف أنه بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي.

تقول “في تخصصنا، يجب أن نهتم بالأسر والفقراء، هذا جزء مما نتعلمه. ولكنه من المجزي لنا على المستوى الشخصي أيضًا أن نساعدهم. فأنا لم أكن لآتي هنا إذا لم أكن بالفعل مهتمة بمساعدتهم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى