أخبار وتقارير

عودة اتحاد الطلاب المحظور في تونس

تونس- انتزع يحيى بن عبد الله منضدة وكرسي غطاهما الصدأ من مكتب مؤقت ووضعهما على عشب أشعث داخل الحرم الجامعي.

قد يكفي ذلك كمكان للجلوس بما أن اتحاد الطلاب الذي ينتسب إليه عبد الله، والمعروف بين الإسلاميين، ليس لديه مقرًا للعمل بعد. إذ حصل الاتحاد مؤخرًا على تصريح قانوني من الحكومة، كما جاء على لسان الطلاب، بعد حظر دام أكثر من 20 عامًا، فيما يعد إنجازًا كبيرًا للطلاب الإسلاميين.

حاليًا يقول الطلاب إن عضوية الاتحاد في زيادة، مما يؤكد على نجاح الإسلاميين المستمر في المشاركة في المجموعات الاجتماعية وفي الحياة السياسية بعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بزين العابدين بن علي، والذي استمر في حكم البلاد لسنوات طويلة.

يقول طورشي محمد، أمين عام اتحاد طلاب جامعة تونس المنار “كان اتحاد الطلاب الخاص بنا هو الوحيد الذي تم حله تحت حكم بن علي، والآن تعتبر عودته للعمل إنجازًا هائلاً.”

ترأس الاتحاد المعروف باسم UGTE أو الاتحاد التونسي العام للطلاب، عند تأسيسه في 1985، مجموعة من الطلاب الإسلاميين. وبعد تأسيسه بستة أعوام، اتهمته السلطات بحيازة الأسلحة وتم حظره.

ولكن التيار تحول بعد الإطاحة ببن علي من السلطة في أوائل عام 2011 وصعود الإسلاميين إلى الحكم. وظهر اتحاد الطلاب مرة أخرى وعقد أول اجتماعاته في نيسان/ إبريل الماضي بعد أكثر من عقدين من الحظر، وذلك بدعم كبير من الطلاب.

بدوره، يقول عبد الله، المسئول عن الإعلام في الاتحاد التونسي العام للطلاب في جامعة تونس المنار مؤكدًا على انتماء الكثير من الأعضاء أيضًا إلى الأحزاب السياسية الإسلامية “نحن حركة تمتلك مشروعًا يستند إلى الهوية العربية الإسلامية. ولكن هذا لا يعني أننا نتبع برنامجًا محددًا.”

وأشار عبد الله إلى الحزب الذي تم انتخابه للسلطة بعد الإطاحة ببن علي “نحن نعمل لمصلحة كافة الطلاب على الرغم من أن معظم أعضائنا وقادتنا ينتمون إلى النهضة.”

في أعقاب الانقلاب الساحق ضد القادة الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة العام الماضي، يمكن اعتبار عودة الاتحاد والنجاح الواضح الذي حققه دليلاً على الجهود التي بذلتها تونس للوصول إلى ديمقراطية تعددية تضم الإسلاميين، وهي الجهود التي لا تزال تواجه عقبات متزايدة في البلاد الأخرى.

في مصر، تزايد القمع من جانب الحكومة، وذلك بعد أن أطاح المشير عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/ يوليو الماضي. فقد ألقت السلطات بالآلاف من معارضيها السياسيين في السجون بينما لا يزال الآخرون يخوضون المحاكمات، وبصفة خاصة قادة جماعة الإخوان المسلمين وأعضاؤها، ومن بينهم مرسي. وتخوض ليبيا حربها مع المجاهدين وعليها كتابة دستور جديد بعد مقتل معمر قذافي في 2011. بينما مازالت سوريا تعاني من ويلات الحرب الدامية، وتوقف التقدم السياسي في اليمن.

ولكن في تونس يبدو أن الجماعات السياسية قد تعلمت التفاهم حول انقساماتها السياسية مما أدى إلى إقرار الدستور الجديد مؤخرًا وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات في أواخر هذا العام. في كانون الأول/ يناير، انسحبت الحكومة الإسلامية لتحل محلها حكومة تكنوقراط في إطار اتفاقية تم إبرامها بين المعارضين السياسيين في العام الماضي.

يقول فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد “تضرب تونس مثالاً واضحًا على أن ما يحتاجه العالم العربي هو الإرادة والقيادة السياسية بالنسبة للجماعات السياسية والاجتماعية المتنافسة. فإذا استمعت جيدًا لما يقوله التونسيون فستعرف أنهم يدركون جيدًا أنهم أمام خيارين واضحين: إما التفاهم والوصول لحل وسط وإما المواجهة. ولقد نجحوا بالفعل في التغلب على هذا التحدي.”

ولكن فيما يعد مؤشرًا أصغر على الانقسامات الأيديولوجية الشديدة التي تواصل اختراق المجتمع التونسي، لا يدرك كل الطلاب انتماء الكثير من الإسلاميين لهذا الاتحاد.

يقول شكري قصوي، الطالب في العام الدراسي الأول في جامعة مانوبا “لم يكن للاتحاد صفة قانونية من قبل. وقد حصل لتوه على التصريح القانوني بفضل الحكومة، فالممثل القانوني الوحيد الموثوق فيه بالنسبة للطلاب هو الاتحاد العام للطلاب التونسيين UGET.”

يعتبر الاتحاد العام للطلاب التونسيين UGET المنافس الأساسي للاتحاد الإسلامي. ويحصل هذا الاتحاد على الدعم بشكل أساسي من الطلاب التحرريين أو اليساريين. وقد تم تأسيس هذا الاتحاد في عام 1952 ويعتبر نفسه أكثر الاتحادات الطلابية شهرة وأهمية بين الجامعات التونسية.

وكما يبدو يتمتع الاتحاد العام، بخلاف الاتحاد الآخر ذي التوجه الإسلامي، بدعم بعض إدارات الجامعة، مما يثير النقد بين الإسلاميين؛ حيث يقولون إن رؤساء الجامعات عادةً ما ينحازون للطلاب العلمانيين في أية صراعات أيديولوجية.

يقول عبد الله “دائمًا ينحازون إلى جانب الاتحاد العام للطلاب التونسيين. فعندما تقام الانتخابات، يساعد الأساتذة الاتحاد الآخر على الفوز، فهم ضدنا على طول الخط ويروننا دومًا مع الإسلاميين، وهذا إدعاء كاذب.”

ولكن الاتحاد الذي بُعث من جديد مُصر على التوسع؛ حيث يقول عبد الله إنه يوجد 125 فرعًا للاتحاد يضم 7000 طالب من جميع الكليات على مستوى البلاد. وعلى مدار العامين القادمين، يهدف رؤساء الاتحاد إلى الوصول لحوالي 15000 عضو. (أما الاتحاد العام للطلاب التونسيين المنافس فيضم 178000 عضو على حسب ما جاء في موقع تونس لايف، وهو موقع إلكتروني إخباري باللغة الإنجليزية).

يؤكد رؤساء الاتحاد أنه ليس كل المنضمين للاتحاد من الإسلاميين، فالاتحاد يجمع بين الإسلاميين المعتدلين والأصوليين، مما يثير تساؤلات حول التداعيات الأمنية المحتملة في بلد يحارب الجهاد الإسلامي.

كانت الجامعات في العالم العربي دائمًا معقلاً لظهور الأنشطة والمعتقدات الراديكالية. وكانت الشرطة تراقب وتقمع النشاطات الاجتماعية والسياسية في الجامعات لسنوات طويلة، ولكن هذه القوات ليس لها أي وجود الآن بعد الإطاحة ببن علي (إقرأ المقال بعنوان: في تونس الطلاب والأساتذة يحمون المباني الجامعية).

وبدأت النتائج الأولية لهذه الحرية المكتسبة في الظهور جلية في واحدة من أشهر حركات التظاهر التي بدأت في أواخر 2011؛ حيث نادى الطلاب في جامعة مانوبة بحرية الطالبات في ارتداء النقاب في الجامعات، وقد استعان المتظاهرون بدعم من الإسلاميين من خارج الحرم الجامعي. وقد اشترك الاتحاد التونسي العام للطلاب في البداية في هذه الاضطرابات التي أدت في النهاية إلى إغلاق الجامعات، فيما يعد أحد المؤشرات على نشاطهم.

بدورها، تقول شيماء ينالو، رئيسة الاتحاد التونسي العام للطلاب في جامعة منار “بالنسبة لنا لم تكن المشكلة مشكلة نقاب، ولكنها كانت مشكلة ممارسة الحرية داخل الحرم الجامعي.”

قالت ينالو وغيرها من رؤساء الاتحاد إن أنشطة الاتحاد لا تركز على القضايا الدينية ولكنها تهتم بجوانب أخرى تتعلق بحياة الطلاب، مثل افتتاح مطاعم جديدة في الجامعات وتوفير منح دراسية للفقراء والأقل حظًا.

يقول عبد الله “خارج الاتحاد، يعتقد بعض الناس أنه ينبغي التفريق بين الجنسين في الحافلات والفصول الدراسية. كما توجد أشياء في المنهج ضد الشريعة.” وأضاف “لكننا لا نريد أية قيود. فباعتبارنا اتحادًا للطلاب، نسعى لتحقيق المصلحة لجميع الطلاب.”

ولكن الاتحاد المنافس لا يتفق مع هذا الرأي.

يقول معالاوي ماهر، عضو الاتحاد العام للطلاب التونسيين اليساري “أنا لا أعتقد أن الاتحاد التونسي العام للطلاب يساعد الناس أو يضحي من أجل مطالب الطلاب. فهو ممثل لحزب النهضة (الحزب السياسي الإسلامي المعتدل)، كما أنهم يستخدمون القوة والعنف.” يتسبب التوتر بين اتحادات الطلاب التي تلعب دورًا هامًا في المجتمع في إحداث انقسامات كبيرة، ولكن يبدو أن الشعب التونسي يسعى إلى خلق عملية سياسية شاملة، مما يضع البلاد على الطريق لتحقيق ديمقراطية أكثر عمقًا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى