أخبار وتقارير

معهد تمريض مصري يعيد تعريف المهنة

الجونة، مصر- لم يكن الأخ الأصغر لأحمد جمال لينجو من حادثة وقوعه من على الدرج لولا عناية ممرض سيارة الإسعاف ورعايته له.

بعد أشهر من الحادث، يقول جمال “بعدما وصلنا إلى المستشفى، قال لنا الطبيب إن الممرض أنقذ حياة أخي وأنه قد تدخل وأسعف الحالة كما لو كان طبيبًا. فذهب أبي إلى الممرض ليشكره على ما فعل. فرد عليه الممرض قائلاً “هذا دوري. أنا أبذل كل ما في وسعي لإنقاذ المرضى.”

يندر في مصر الثناء على ممرض لمبادرته وحسن تصرفه؛ حيث ينُظر لمهنة التمريض في مصر نظرة دونية. خاصة وأنه عادة ما يلتحق بهذه المهنة من لم يحصل على نتيجة تؤهله لدخول الجامعة. وتستعين المستشفيات الخاصة عادةً بممرضات من خارج مصر؛ حيث يصعب إيجاد ممرضات أو ممرضين مصريين مدربين ومؤهلين.

كانت الحادثة التي تعرض لها جمال كفيلة بأن تجعله يحترم المهنة وتشجعه على الالتحاق بالمعهد الفنى للتمريض بالجونة، والذي يسعى للارتقاء بمستوى التمريض والممرضين.

قال”يتيح لك المعهد الفرصة لتصبح ممرضًا محترفًا، وهو أمر غير شائع في مصر.”

(تصوير سارة لينش)

يحصل خريجو المعهد الفنى للتمريض بالجونة، والذي تم تأسيسه منذ ثلاثة أعوام في مدينة ساحلية على البحر الأحمر، على أعلى مستويات التدريب المهني.

بدورها، تقول ليندا جورمان، مدرس مساعد من جلاسكو في إسكتلندا “عندما يأتي طلابنا إلى هنا ويرون نماذج من المدرسين العاملين في المعهد ممن يحبون مهنة التمريض ويرونها مهنة مجزية ويستمتعون بعملهم، ينتقل ذلك الإحساس إليهم فيشعرون بمعنى هذه المهنة ويقدرونها. ومن هنا، يأتي الحماس الذي تراه في طلابنا.”

تحت مظلة وزارة التعليم العالي، يقدم المعهد دراسة لمدة عامين لمنهج تم إعداده من خلال برنامج كلية لورانس التذكارية / ريجيس للتمريض، ومقرها ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي أرسلت فريقًا إلى مصر عدة مرات ليساهم في بناء المعهد وتطويره. يلتحق الطلاب بالمعهد بمنحة دراسية من مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، وهي مؤسسة مصرية غير هادفة للربح.

تقول ماري ب. مكارثي، الاستشاري الرئيسي للمعهد من كلية لورانس التذكارية / ريجيس للتمريض “يدرس المعهد منهجًا متميزًا، فهو يستخدم نفس المعايير المتبعة في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أنه لا يسعى للحصول على الاعتماد من هناك. فقد تم وضع كل شيء في موضعه وفقًا لهذه المعايير. ومن ثم، فإن مستوى المعهد يفوق ما عداه في مصر. ويمكن أن يكون نموذج يحتذى به في معاهد التمريض الأخرى في مصر أو على مستوى المنطقة.”

من خلال منهج دراسي باللغة الإنجليزية يعزز –على غير المعتاد في العالم العربي- مبادئ التقييم الذاتي ومهارات الاتصال والتفكير النقدي، يسعى المعهد إلى مجابهة كافة التحديات التي تواجه قطاع التمريض. تقول حسنات نجيب، عميدة المعهد “إذا تمكن القائمون على التعليم في مصر من تطبيق مستوى المعهد في كافة أنحاء البلاد وجعله معيارًا وطنيًا، فسيتغير كل ما يتعلق بالتمريض في مصر. ولنحقق رسالتنا يجب أن يرى الجميع كيف نجحنا في الارتقاء بمستوى مهنة التمريض في مصر.”

تواجه الكثير من الدول مشكلات في التمريض، ولكن في مصر الوضع أسوأ بكثير. في عام 2008، كانت مصر في حاجة إلى 44000 ممرض، حسبما جاء في دراسة أجرتها مروة فراج، والتي كانت حينذاك زميلة باحثة في كلية دبي للإدارة الحكومية وزميلة لمبادرة دبي في كلية هارفارد كينيدي. وتبت فراج في دراستها “لم يحصل حوالي 90 في المئة من العاملين في مجال التمريض على أي تعليم أو تدريب بعد التعليم الثانوي. ويعد هذا المستوى من التعليم غير كاف أو مؤهل لمهنة التمريض ليس على المستوى الدولي فحسب، وإنما أيضاً على مستوى المنطقة.”

وقالت نجيب إن نقص التدريب المناسب للمهنة يعكس نظامًا أشمل يتجاهل تمامًا دور التمريض. ففي المستشفيات، يتم التعامل مع فريق التمريض بصفتهم مجرد مساعدين. وبالتالي لا يتم تقييم مستوى أدائهم.

يعتقد جمال أن المجتمع المصري ينظر إلى الممرضات على أنهن يفتقدن المعرفة اللازمة للمهنة؛ حيث يقتصر دورهن على المهام البسيطة، مثل حقن المرضى. “هذا هو القالب الذي يوضع فيه التمريض في مصر” على حد تعبيره.

وفي ظل هذا المناخ، يسعى المعهد إلى إحداث تأثير حقيقي. ومع وجود 8 أساتذة و32 طالبًا و30 خريجًا حتى الآن، يبدو أن جهود المعهد قد حققت نجاحًا حتى وإن كان على مستوى صغير.

تقول كريستينا كرم، خريجة دفعة 2013، والتي تعمل حاليًا في مستشفى للأمراض النفسية في القاهرة “يجيد زملائي من الممرضين ما يقومون به من عمل، ويرجع ذلك إلى الخبرة التي اكتسبوها وليس له علاقة بالتدريب. ولكن دراستي منحتني الفرصة للتواصل بشكل أكثر فعالية.”

يمكن لأصحاب العمل أن يشعروا بالفارق؛ فقد أعجبت الأسقف برنادت، مديرة التمريض في مركز القلب في أسوان؛ حيث يتمرن بعض خريجي المعهد بعد الانتهاء من دراسة العامين، كثيرًا بخريجي المعهد الذين يجيدون مهارات التفكير النقدي ويتمتعون بالحرفية والانضباط.

تقول الأسقف “كان علي أن أبحث بين المئات حتى أجد فريق التمريض المناسب، ويختلف خريجو معهد الجونة بالفعل عن باقي الممرضين في مصر. فهم مدربون بكفاءة ومستواهم يفوق باقي الممرضات بكثير”

تقول بهيرة محمد، الطالبة من منطقة الدلتا، إنها تعلمت في المعهد، الذي عرفته من خلال الإنترنت، كيفية تقييم نقاط ضعفها وقوتها “تعلمت كيف أتواصل مع الناس بشكل أفضل وكيف أفكر بشكل نقدي.”

ومع ذلك فإن تعليم الجيل القادم من الممرضات على أعلى مستوى ليس بالأمر السهل في بلد نامي يعاني من إنهيار نظام التعليم وعدم الاستقرار السياسي وتهميش المناطق الريفية. تقول نجيب “كل طلاب المعهد من خريجي المدارس العامة ومستواها مؤسف”

بدوره يقول محمد عبد الرحمن، رئيس قسم اللغة الإنجليزية بالمعهد والذي يقدم 15 ساعة من مادة اللغة الإنجليزية أسبوعيًا للطلاب في الفصل الدراسي الأول إن معظم الطلاب ينتمون لأسر فقيرة وليس لديهم أي خبرة في الحياة، فبعضهم لم يرى مركزًا تجاريًا طيلة حياته.

وأضاف عبد الرحمن أنه على الرغم من ذلك فإن استجابة الطلاب، ومعظمهم من منطقة الدلتا الممتدة شمال العاصمة، جيدة ومستواهم في تحسن مستمر.

يشعر خريجو المعهد بالتقدير والعرفان للمعهد. تعتقد كرم، خريجة المعهد من محافظة سوهاج أن المعهد غير حياتها؛ تقول “لم أكن لأحصل على وظيفة لو لم التحق بالمعهد، فالحمد لله.”

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى