مقالات رأي

كيف يمكن للتعليم العالي محاربة التحرش الجنسي

في الأسبوع الماضي، اهتزت مصر على وقع حادث التحرش الجنسي الجماعي التي حصلت في كلية الحقوق في جامعة القاهرة. إذ تعرضت فتاة ذات شعر أشقر وترتدي ملابس ضيقة للتحرش من قبل مجموعة شباب، قاموا بملاحقتها داخل الحرم الجامعي واضطروها للاختباء في حمام السيدات هرباً منهم. ومع ذلك، بقي الشبان يتعقبونها في الخارج مما اضطر رجال الأمن في الجامعة إلى مرافقتها وإخراجها من الحرم الجامعي لتأخذ سيارة أجرة وتهرب لمنزلها.

يعتبر التحرش الجنسي ظاهرة منتشرة في مصر، إلا أن الحادثة الأخيرة تسببت في صدمة الجمهور لسببين الأول: أنها وقعت في كلية الحقوق، التي تهدف إلى تدريب الطلاب للدفاع عن حقوق المتهمين كمحامين والعمل على فرض القانون عند العمل مستقبلاً في النيابة العامة. أما السبب الثاني، فكان بسبب بيان رئيس الجامعة، جابر نصار، والذي ألقى فيه باللوم في الحادثة على الفتاة باعتبارها بحسب وصفه كانت ترتدي ملابس مستفزة ولا تلائم البيئة الجامعية.

وبعد موجة هائلة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر السيد نصار اعتذاراً علنياً في نفس اليوم، إلا أن هذا لم يكن كافيا لتهدئة الضجة الاعلامية التي أعقبت البيان. حيث ناقشت معظم البرامج الحوارية على مختلف قنوات التلفزيون المصري الحادثة، ومال معظمهم إلى “لوم الضحية”. هاجم تامر أمين،الإعلامي الشهير على قناة روتانا المصرية المملوكة لسعوديين، الضحية التي “ارتدت ملابس راقصات” وتسببت عمداً في إثارة المتحرشين على حد قوله. وأيضاً لمواجهة الانتقادات، أصدر أمين اعتذاراً في اليوم التالي، ولكنه أصر على نصح الفتاة بمراعاة ما ترتديه في المرات القادمة لضمان سلامتها بطبيعة الحال.

بالطبع هناك محاولات عديدة لدراسة جذور التحرش الجنسي في مصر، مع المحافظة على الثقافة السلطوية الذكورية التي  تعتبر النساء مسؤولات عن ذلك. ومع ذلك، ونظراً لمدى ترسخ فعل التحرش الجنسي في المجتمع المصري، وتحديداً خلال السنوات العشر الماضية حيث اُبتليت مصر بالعديد من المتحرشين من صغار السن. توجه بعض الناس للبحث في التعليم العام وصدموا لما وجدوه في المناهج الدراسية. أحد أكثر الأمثلة وضوحاً على دور المناهج الدراسية في ترسيخ صور مغلوطة، يظهر في كتاب طلاب الصف الرابع الابتدائي والذي يطلب من الطلاب وضع دائرة حول الحيوان الذي يضع البيض مقدماً من ضمن خيارات الإجابة صورة لإمرأة إضافة إلى الدجاج والأبقار.

بالطبع الكتب المدرسية هي أحد العوامل، ولكنني أعتقد أن القضية الحقيقية تنبع من المدارس الحكومية التي عادة ما تفصل الفتيات عن الفتيان. لا يتسبب هذا الفصل بمنع التفاعل الصحي بين الفتيان والفتيات خلال سنوات تكوينهم ولكنه أيضا يعزز ثقافة “الآخر” لكلا الجنسين. وعليه تصبح الجامعات الفرصة الأولى لكلا الجنسين للاختلاط والتفاعل مع بعضها البعض. يعتمد الطلاب الذكور الذين ليس لديهم أي تفاعل مسبق مع النساء بسبب تفرقة المجتمع القسرية اعتماداً كلياً على الأوهام الذكورية التي يحصلون عليها من نظرائهم والجاهلين مثلهم بكيفية التعامل مع المرأة. إذ لم يعتادوا على التواجد مع المرأة والتفاعل معهم على أساس يومي. وبينما يوجد العديد من النتائج الإيجابية الممكنة لمثل هذا التفاعل، إلا أن النتيجة الوحيدة الأكثر سلبية هي التحرش الجنسي. (إقراً أيضاً:التحرش الجنسي في الجامعات..صمت وإنكار وخوف من الفضيحة).

وعلى الرغم من وجود مكونات اجتماعية ودينية لهذه الظاهرة، إلا أنه المؤسسة التي يمكن أن تعالجها يمكن أن تكون هي النظام التعليمي نفسه. ومع وجود شك في أن النظام التعليمي كله يحتاج إلى إصلاح شامل، إلا أننا لا نستطيع الانتظار لجيل كامل لاختبار ما إذا كان مثل هذا الإصلاح سوف ينجح. من أجل الوصول إلى نتائج سريعة، فإن جهود إعادة تعليم الذكور كيفية التصرف مع الإناث يجب أن تقع على عاتق التعليم العالي .

فبالنظر إلى أن التعليم العالي هو المكان الذي يتفاعل فيه الجنسين لأول مرة، ينبغي تقديم دروس ثابتة لجميع الطلاب الجدد في الفصل الدراسي الأول لضمان سلاسة التحول. ينبغي تقديم دروس في الدراسات الجنسانية ودراسات المرأة، والتفكير النقدي، وحقوق الإنسان كجزء من عملية توجيه الطلاب المقبولين حديثاً في الجامعات الحكومية. كما ينبغي اعتبارها جزء من عملية إعادة التأهيل لكلا الجنسين ليصبحوا مشاركين أكفاء في المجتمع الذي يتدهور بسرعة، وجزءاً لا يتجزأ من إعداد هؤلاء الطلاب إلى العالم الحقيقي بعد التخرج.

ينبغي أيضاً عدم قبول التحرش الجنسي في مكان العمل كما هو عليه في حرم الجامعة. يجب توعية الطلاب بحيث لا يتبنون هذا السلوك الغير لائق عندما يصبحون أرباباً للعمل في المستقبل. قد لا تكون مثل هذه الدروس حلاً سحرياً، وربما لا تنهي التحرش الجنسي لكنها يمكن أن تقلل بالتأكيد من الضرر الذي يسببه التحرش الجنسي أو تحد من وقوعه بين الشباب المتعلمين. نحن بحاجة لمحاربة الثقافة الاجتماعية التي تساعد على وجود التحرش الجنسي، والعمل معاً لطردها خارج الحرم الجامعي.

محمود سالم كاتب، ورائد أعمال، بإمكانكم متابعته على تويتر Sandmonkey@
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى