أخبار وتقارير

عندما تكون البحوث أساس اقتصاد المعرفة

لندن— غالباً ما يصور التعليم في المنطقة العربية بوصفه تعليماً جافاً قائماً على إعطاء محاضرات نظرية دون وجود تفاعل حقيقي داخل الصفوف. وعليه فقد توقعت أن يسود جو مماثل من المحاضرات النظرية الطويلة خلال جلسات مؤتمر “التعليم في الخليج والشرق الأوسط” والذي عُقد في لندن يومي 31 أذار/ مارس و 1نيسان/أبريل.

اليوم، يسعدني القول بأن معظم توقعاتي لم تكن صحيحة تماماً. خلال المؤتمر، تم الحديث عن التحديات على أرض الواقع، ووجهت – بصورة صادمة- انتقادات واضحة وأسئلة حرجة لسياسات الحكومات.

أيضاً، كان الحديث عن ضعف البحوث أحد أبرز الموضوعات التي تمت مناقشتها بجدية على مدى يومين.

طرح سلطان أبو عرابي رئيس اتحاد الجامعات العربية وأستاذ الكيمياء السابق وجهة نظر جديدة بشأن مشكلة البحوث من خلال استعراض بعض المؤشرات. فوفقاً لما قاله، يوجد 500 باحث أكاديمي لكل مليون شخص في المنطقة، بينما يوجد 6.000 باحث لكل مليون نسمة في العالم الغربي.

من جهة أخرى، قال فرانكو فيغليتي، رئيس مركز EPFL  الشرق الأوسط في دولة الإمارات العربية المتحدة- جزء من مدرسة الفنون التطبيقية الاتحادية في لوزان، سويسرا – إن نسبة براءات الاختراع في المنطقة تبلغ 0.7 في المئة فقط من براءات الاختراع في العالم. مشيراً إلى أن “الحصول على براءة اختراع ليس فقط مجرد أمر لطيف”.

تسهم براءات الاختراع في دعم مشاريع الشركات متعددة الجنسيات، وتخلق فرص عمل جديدة وتطور العمل. بالنسبة له، فإن أفضل وسيلة لدعم البحوث داخل دول الخليج تكمن في فتح باب التعاون مع الغرب. ففي سويسرا، يأتي 80 في المئة من طلاب شهادة الدكتوارة من خارج البلاد ولكن 70 في المئة منهم يبقى لاحقاً في البلاد لبناء قدراته البحثية.

وبحسب فيغليتي، تحتاج دول الخليج لاستيراد عدد كبير من الباحثين في حال رغبت هذه الدول بتحقيق طموحاتها العلمية والتحول لاقتصاد المعرفة. كما تحتاج قطر لنحو 10.000 باحث بينما تحتاج السعودية إلى 115 ألف باحث.

من جهة أخرى، ينصب اهتمام 90 في المئة من الاستثمارات الأجنبية في دول الخليج على النفط والغاز. ولكن في حال نضبت هذه الموارد، فإن هذه الاستثمارات ستضطر للمغادرة. بينما يمكن للبحوث بناء اقتصادات متنوعة المصادر.

لدعم البحوث، يتعين على الحكومات الخليجية أن تدرك أهمية الالتزامات طويلة الأجل. ذلك أن افتتاح مبان جديدة أو شراء معدات متطورة ليس كافياً. كما أن العلماء يحتاجون لميزانيات تشغيلية، فضلاً على أن مردود البحوث الأساسية غالباً ما يحتاج لوقت طويل.

ودعا فيغليتي المشاركين إلى التواصل مع المهاجرين العرب. حيث قال “يجب أن يعود آلاف العلماء إلى المنطقة. إنهم يعملون في مختبرات في الولايات المتحدة وأوروبا وينتظرون فرصة للعودة والعمل في أوطانهم”.

وفي الوقت الذي لم يعارض فيه المشاركون في المؤتمر أهمية البحوث، عبر البعض عن رغبتهم بتصميم بحوث خاصة بالمنطقة. قال أحد الحضور”لا يمكن فقط إجراء البحوث من أجل البحوث، لدينا احتياجات محلية ملحة.”

في المقابل، اشتكى أخرون، في مصر، من كون العلماء الذين يتلقون علومهم في الغرب يعودون للبلاد باهتمامات لا تتناسب مع اهتمامات المجتمع المحلي. كما أن سعيهم للحصول على دعم أوروبي لبحوثهم يدفعهم بعيداً عن احتياجات المصريين.

ولكن إذا وضعنا هذا الانتقاد جانباً وأصبحت البحوث أكثر انتشاراً في المنطقة، فإن تغييرات أخرى تحتاج لأن تُتخذ لتزدهر البحوث ضمن الشركات الناشئة. إذ نظراً لتعرض نحو 70 في المئة من الشركات المبتدئة للفشل، يحتاج الباحثون العرب للتغلب على الخوف من الفشل العام المحتمل قبل الشروع في أي مشروع جديد. كما يحتاج الأمر أيضاً إلى تطوير قوانين الإفلاس لحماية المستثمرين، تحديداً الغربيين منهم، بحيث يكون لديهم ثقة أنهم سيخضعون لحماية في حال أغلقت الشركة المبتدئة أبوابها.

بالرغم من كل النقاشات الساخنة في المؤتمر، إلا أن التوقعات بشكل عام كانت متفائلة. قال مشارك من الكويت ” قد لانمتلك ميزانية كبيرة للبحوث، كما أن هنالك العديد من المشكلات إلا أننا نعتقد بأننا سنمتلك مستقبل أفضل.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى