أخبار وتقارير

نافذة جديدة للجامعات العراقية

قد يبدو مفهوم الاعتماد الجامعي نظرياً وغير ذي صلة بمايجري في العراق الذي مزقته الحرب. ولكن علي مهيمن، طالب العراقي، يدرك تماماً أن الجامعات في بلاده غير معترف بها دوليا. يقول مهيمن، البالغ من العمر21 عاماً ويدرس العلوم السياسية في جامعة بغداد الجامعة الرائدة على مستوى البلاد، “سافر أخي إلى الولايات المتحدة، فقيل له أنه يحتاج الى اجتياز امتحان لاعتماد شهادته”. ويضيف علي ” هذا ليس عدلاً. نمضي أربع أعوام في الدراسة تحت ضغوط معيشية وأمنية هائلة ليقال عندما نريد أن نحقق أحلامنا في الخارج أنه لايمكن اعتماد شهادة تخرجنا”.

يعمل مسؤولو التعليم العراقيين وكذلك أكاديميين أمريكيين وبريطانيين على إيجاد حل لمشكلة مهيمن واتخاذ خطوات رسمية لجعل الجامعات العراقية تفي بالمعايير الدولية.

إذ تبذل مجموعة من الجامعات العراقية جهوداً حثيثة ولكن بطيئة للحصول على اعتماد من خلال منظمات دولية مثل جمعية كليات إدارة الأعمال ومقرها الولايات المتحدة وجمعية نيو إنجلاند للمدارس والكليات. في المملكة المتحدة، يحاول المجلس الثقافي البريطاني أيضا تشجيع الشراكات لتعترف الجامعات البريطانية بالبرامج الأكاديمية العراقية. يقول مصطفى الخزرجي، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم العالي العراقية، والتي تملك سيطرة كبيرة على الجامعات في البلاد، إن إنجاز هذه الخطوة يستغرق وقتاً لكن من المهم أن تبدأ عملية إعادة البناء في البلاد.

يقول الخزرجي ” يطمح العراق إلى الاستفادة من الولايات المتحدة لتطوير النظام التعليمي وفقا لأحدث الخبرات الأكاديمية الدولية”.

يساعد حصول الجامعات العراقية على شهادات اعتماد دولية في تسهيل حصول الطلاب العراقيين على منح دراسية من قبل الجامعات الأجنبية لاحقاً، أو السماح للطلاب العراقيين بالمشاركة في برامج التبادل الطلابي.

يدرس نحو 19.000 طالب عراقي الآن في الخارج ضمن مجموعة متنوعة من المنح الدراسية التي تعد مصدراً حيويا للمهارات الجديدة. يذهب حوالي 10 في المئة منهم إلى الجامعات البريطانية. ولكن قلة من الطلاب الأجانب يدرسون في الجامعات العراقية، مما يمنع التبادل بين الثقافات وتدفق التمويل الخارجي بصورة مستمرة.

بالطبع، يلعب موضوع الأمن دوراً كبيراُ في تخوف العديد من الجامعات الأجنبية من إرسال طلابها للدراسة في العراق. إلا أن موضوع الاعتمادية يسهم بصورة جيدة في دعم هذه القضية حالما يستتب الأمن في البلاد.

بالنسبة للعديد من الأكاديميين العراقيين، فإن قضية الاعتماد تبدو نفسية. كما أنها فرصة للاستثمار في مجال التعليم العالي في محاولة لاستعادة دور العراق الذي طالما كان أحد البلدان الرائدة تعليمياً وفكرياً في الشرق الأوسط. يقول ياسر حمودي، أستاذ علوم الكومبيوتر في جامعة بغداد ” اعتماد الجامعات العراقية من قبل جمهيات التعليم العالي في الولايات المتحدة وبريطانيا أمر إيجابي جداً. قضى العراق وقتا طويلا في الحرب والحظر. خلال ذلك الوقت، تم اهمال التعليم والثقافة “.

 تحاول جامعات  بغداد، والمنصور، والمستنصرية، والبصرة الحصول على اعتمادية لبرامجهم في إدارة الأعمال من جمعية كليات الأعمال ومقرها فلوريدا بحسب ما يقول جون كوتي عميد كلية الأعمال في جامعة شيبنسبورغ في ولاية بنسلفانيا. سافر كوتي إلى المنطقة خمس مرات منذ عام 2012 للعمل مع المدارس على إنجاز طلبات الاعتماد الخاصة بهم كجزء من برنامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتحسين التعليم العالي في العراق، إلا أن البرنامج شارف على الانتهاء كما يبدو( لم يرد مكتب الوكالة في واشطن على اتصالاتنا الهاتفية).

 تنهمك الجامعات العراقية في فحص وتجديد المناهج، وحساب عدد الطلاب بالنسبة للأساتذة، وإعادة النظر في السياسات الإدارية، والبنية التحتية، بما في ذلك الفصول الدراسية ومختبر البحوث، وتكنولوجيا المعلومات. يهدف التقييم إلى التأكد من مدى تقارب البرامج العراقية من برامج الإدارة الأخرى في جميع أنحاء العالم. تستغرق هذه العملية نحو خمس سنوات في ظل ظروف أفضل. حتى جامعة بغداد التي تمتلك اليوم حرماً جامعياً جديداً تحتاج الى إنفاق موارد كبيرة لتطوير برامجها بحسب ما يقول كوتي.

 أما فيما يخص المنافسة، تحتاج الجامعات العراقية للتفكير خارج نطاق بغداد والعراق بحسب ما يقول كوتي. “يعتقدون أنهم جامعة الشرق الأوسط. ولكن هذا كان في الماضي”.

بدوره، يقول روبرت ريد الرئيس التنفيذي لجمعية الاعتماد لكليات الأعمال إن برامج الاعتماد صممت لمساعدة الجامعات للعثور على هويتها. تضم الجمعية عضوية  1.300 مؤسسة تعليمية في 85 بلد حول العالم، بما في ذلك العديد من الدول العربية ولكن من دون عضوية أي مؤسسة في العراق. يقول ريد “ماذا يحاولون أن يفعلوا وماذا يريدون أن يصبحوا؟ كل شيء ينبع من هذا الأساس. يستند الاعتماد حقا على إدارة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وأثر كلية إدارة الأعمال  على أصحاب المصلحة والناس الذين يعملون معهم وقدرتها على الابتكار وتوفير برامج عالية الجودة”.

يقول الأميركيون الذين سافروا إلى العراق كجزء من برنامج الاعتماد إنهم اكتسبوا منظورا جديدا حول القضايا التي تواجه الجامعات العراقية. إذ ترى أستاذ المالية بجامعة شيبنسبورغ، سارة براينت، كيف يكافح برنامج الأعمال في جامعة بغداد لتعليم ريادة الأعمال في بلد يسيطر فيه المخططون المركزيون على الموارد في القطاع العام ويترك فيه السوق الحرة بدون حماية.

تقول براينت ” يشتكي رئيس سوق الأوراق المالية العراقية من كون الطلاب لا يتعلمون عن التمويل الخاص. وهذا صحيح، لايملك الطلاب أي فكرة حول معنى الأسهم في شركة”. وتضيف براينت”  يحاول معظمهم العمل في الحكومة. هذا هو العمل الأساسي “.

يعاني أخرون من مشكلات مماثلة.

كمستشار للتعليم العالي في المجلس الثقافي البريطاني، عمل جون لو مع العديد من الجامعات العراقية التي تسعى للتعاون مع نظرياتها في المملكة المتحدة. تعمل هيئة تسمى وكالة ضمان الجودة كمسؤول عن حماية المعايير في الجامعات البريطانية والبرامج التي تقدم في الخارج. لكن الهيئة لا تعتمد الجامعات الأجنبية، في حد ذاتها. بدلاً من ذلك، تحتاج الجامعات البريطانية لإعادة النظر في نوعية البرامج الدولية في الجامعات الأجنبية التي ترغب بالشراكة معها. لذلك يحتاج المسؤولين البريطانيين وأعضاء هيئة التدريس عادة إلى زيارة العراق – رحلة محفوفة بالمخاطر- للتاكد من تناغم برامجهم مع تلك الموجودة في الجامعات العراقية.

أسست خمسة وثلاثين جامعة اتحاد الجامعات البريطانية العراقية، الذي يسعى إلى تعزيز الروابط بين البلدين من خلال والمنح الدراسية وغيرها من الحوافز. مع ذلك، لم يتم إقامة أي شراكة رسمية.

 يقول لو “هناك تقدير كبير من قبل الجامعات العراقية لإقامة شراكات مع جامعات المملكة المتحدة. لكن نقطة الخلاف – إذ لا أعرف أي جامعة في المملكة المتحدة طرحت برامجها أو اعتماد برامجها في الجامعات العراقية-  تكمن في تحدي ضمان الجودة.”

وأشار لو إلى أن وزارة للتعليم العراق أنفقت الملايين على بناء حرم جامعة بغداد. لكنهم كانوا أقل حظا في جذب أعضاء هيئة التدريس الموهوبين لتطوير المناهج ودعم الجيل الجديد من الطلاب العراقيين. يضيف لو “يبنون مؤسسة ولكنهم لا يملكون مجموعة من الشباب الأكاديمي ذوي الخبرات الدولية للاستفادة من هذا المرفق.”

 يعتقد روبرت مور، نائب عميد  الجامعة الأمريكية في السليمانية في إقليم كردستان، أن مسؤولي الوزارة يعيقون أحيانا ومن دون قصد جهود الجامعات الحثيثة للحصول على اعتماد.

يشرف مور على جهود الجامعة الأمريكية للحصول على الاعتماد مع جمعية نيو إنجلاند للمدارس والكليات، أو NEASC. وأوضح أنه يحاول في كثير من الأحيان تلبية متطلبات النقابة مع الالتزام أيضا بلوائح الحكومة العراقية اليت يراها مصدراً للإزعاج أكثر من كونها سياسة جيدة.

يقول في إشارة للوزارة ” إنهم تجاوزا الحدود. يتعدون على قدراتنا لأن نكون مستقلين للوصول إلى المعايير التي تتطلبها NEASC”.

يتوقع مور حصول الجامعة على شهادة الاعتماد أواخر عام 2018. الآن، يحاول العثور على نظام أرشفة أفضل للعديد من سجلات الجامعة.

كمؤسسة خاصة، تحرص الجامعة الأمريكية على الحصول على الاعتماد لتجاوز الحكومة العراقية. إذ تعترف الحكومة الإقليمية الكردية بالمؤسسة، لكن بغداد لاتعترف بها. الامر الذي يتسبب بمشكلات لطلاب الجامعة الراغبين في استكمال دراستهم العليا في ألمانيا، والولايات المتحدة، أو الدول الأخرى.

وسط استمرار العنف الطائفي والفوضى السياسية، والركود الاقتصادي، قد تبدو قضية الاعتماد ذات أولوية منخفضة لبعض العراقيين وغيرهم من المسؤولين في البلاد. لكن آخرين يرون أنها حجر زاوية  للتخفيف في نهاية المطاف من عزلة الجامعات في البلاد ورفع مستوى خريجيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى