مقالات رأي

ماهي مخرجات التعليم المطلوبة في المنطقة العربية؟

في مختلف أنحاء العالم – بما في ذلك البلدان التي تعاني من المشكلات الملحة كالبطالة وعدم الاستقرار السياسي- يتساءل صناع السياسات عن مدى نجاح المدارس والجامعات في إعداد الخريجين ليجدوا فرصًا مناسبة للعمل ويكونون مواطنين صالحين في مجتمعاتهم.

وغالبًا ما تكون الإجابة: لا يرقى الأداء إلى المستوى المطلوب.

ومن ثم، يسعى القائمون على التعليم إلى تحديد نوع المعارف والمهارات التي يحتاجها الخريجون لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين من خلال البحث عن وسائل لتغيير المناهج وتطبيق طرق تدريس جديدة تحقق هذه النتائج.

ولكن قلما تكون هذه الإصلاحات سلسلة، فالنظم التعليمية تتبع طرقًا بالية، وتستخدم المحتويات والوسائل التقليدية المألوفة للمعلمين. ولكن ما كان يعتبر أفضل مستوى للتعليم منذ جيل أو جيلين قد لا يوفر المهارات المطلوبة والمعرفة المرجوة اليوم.

ولا تنطبق هذه القضية على البلدان النامية فحسب. فلعقدين كاملين، لاحظ الأمريكيون أن طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية في الولايات المتحدة الأمريكية تأخروا بشكل ملحوظ عن نظرائهم في بعض بلدان شرق آسيا وأوروبا فيما يتعلق بالاختبارات الدولية في الرياضيات والعلوم.

إضافة إلى إدراكهم لوجود خليط من المعايير التعليمية المختلفة التي وضعتها كل ولاية من الولايات الخمسين على حدا، فمثلاً الطالب الماهر في ولاية قد يعتبر مستواه في ولاية أخرى أقل من المقبول. ومن ثم، بدأ المعلمون في وضع مجموعة صارمة من المعايير حول ما يجب أن يحصله الطلاب في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية بنهاية كل مستوى دراسي في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية.

وعليه، تم إطلاق مبادرة المعايير الحكومية للأساس المشترك – والتي أثير حولها الكثير من الجدل – في عام 2010. ولا تشمل هذه المعايير محتوى الدورات الدراسية، حيث تحدد كل ولاية الطريقة التي تحقق من خلالها أهداف التعليم. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يتمكن الطالب في الصف الرابع من شرح الأسباب مدعمة بحقائق وتفاصيل عندما يكتب مقال قصير يعبر فيه عن رأيه. بينما يجب أن يفهم الطالب في المستوى الثالث ما تمثله الأرقام العشرية من مئات وعشرات وآحاد.

ويعد تطبيق هذه المعايير تطوعيًا، وفرت إدارة أوباما حوافزًا مالية لتشجع تطبيق هذا المعايير. بحيث التزمت 45 ولاية من الولايات الخمسين بتنفيذ هذه المعايير المشتركة.

ولكن كثر اللغط حول هذه المعايير وخاصة من قبل أعضاء الحزب الجمهوري المعارض، حيث رأوا أن الحكومة الفيدرالية تحاول السيطرة على الفصول الدراسية المحلية. مؤخرًا، أصبحت مشكلات تطبيق هذه المعايير أكثر وضوحًا مع تأخر الكتب الدراسية التي من شأنها أن تساعد الطلاب على تحقيق أهدافهم الجديدة والاختبارات القياسية التي تقيم إنجازات الطلاب وتقارنها. إذ يطالب حاليًا المزيد من مسئولي التعليم بتأخير استحداث الاختبارات القياسية باستخدام المعايير الجديدة.

تمتاز المعايير الموحدة للأساس المشترك بكونها تعزز استخدام الأدلة في عرض الآراء ووجهات النظر. فعلى سبيل المثال، في حين كانت الاختبارات القياسية القديمة تطلب من الأطفال قراءة نص والتفاعل معه، ستطلب الاختبارات الجديدة من الطلاب اختيار فقرات محددة لدعم وجهات نظرهم.

يأتي ذلك في إطار تزايد التركيز العالمي حول تدريس “التفكير النقدي” من خلال مطالبة الطلاب بالتساؤل عن المعلومات والآراء المقدمة لهم وجمع الدلائل التي تدعم أفكارهم. كما يرى المعلمون الحاجة المتزايدة لهذه المهارات لتحقيق النجاح في ظل اقتصاد القرن الحادي والعشرين؛ حيث يمكن أن تتغير التوصيفات الوظيفية باستمرار مع زيادة التقدم التكنولوجي والعولمة.

ترتبط هذه القضية ارتباطًا وثيقًا بالبلدان العربية كما يقول الخبراء. فقد كتب حافظ غانم، باحث أول في مؤسسة بروكينجز، وهي مؤسسة فكرية في الدوحة وواشنطن “لا يتعلم الطلاب في المنطقة ما نطلق عليه مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل العمل في فريق، وحل المشكلات، والابتكار، والمجازفة. فهناك مشكلة حقيقية في المناهج، فهي تقليدية للغاية وتستند كثيرًا إلى الحفظ.”

ويرى بعض العلماء وجود مشكلة أخرى أكثر إلحاحًا تستلزم تغيير المحتوى الذي يتعلمه الطلاب وكيفيه تعلمه. ففي الفترة التي شهدت تقلبات كثيرة في أعقاب ثورات الربيع العربي، ينبغي أن تلعب المدارس دورًا محوريًا “في تطوير مهارات وقيم ديمقراطية طويلة المدى، مثل احترام التعددية وحقوق الإنسان الأساسية”، كما كتب محمد فاعور، وهو باحث في مجال التعليم والقائم بأعمال نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت سابقًا. (يمكن الاطلاع على مقال بهذا الشأن بعنوان “مقابلة مع مدافع عن قضية التعليم من أجل المواطنة“).

كانت هناك عدة محاولات لتنفيذ إصلاحات جذرية. إذ اضطلعت قطر بواحدة من أكثر البرامج الطموحة من خلال تأسيس شبكة من المدارس المستقلة في المرحلتين الابتدائية والثانوية خلال العقد الأخير بالتعاون مع مؤسسة راند، وهو معهد أمريكي للسياسات العامة لا يهدف لتحقيق الربح. قالت راند إن الطلاب في المدارس الجديدة يؤدون بشكل أفضل من الناحية الأكاديمية عن نظرائهم في المدارس العامة على مستوى الدولة، حيث اكتسب الطلاب مهارات التفكير النقدي. ولكن الكثير من أولياء الأمور القطريين غير راضيين عن مستوى الإصلاحات، كما يشكك الكثير من الخبراء فيها.

وقال عدنان الأمين، أستاذ علم الاجتماع التربوي في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن القائمين على التعليم في قطر أحسنوا تعريف الأهداف المرجوة من التعليم، ولكن المدرسين والطلاب لم يكونوا مستعدين للتغيير. “فهناك نقص في ثقافة التساؤل بينما يزيد التركيز على الحفظ.” (يمكن الاطلاع على مقال بعنوان “تحولات السياسة التربوية الحادة تنعكس سلبًا على الطلاب في قطر“.)

فبينما يحاول القائمون على التعليم إصلاح التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية بحيث يتماشى مع احتياجات القرن الحادي والعشرين، يظهر تحدي آخر في التعليم العالي يكمن أساسًا في الشكل الذي يجب أن يكون عليه التعليم الجامعي العام أو المتخصص. هل ينبغي على الطلاب الدارسين في مجال الأحياء أو تدريس الرياضيات أو الطب أن يقضوا كل الوقت في تحصيل المعرفة في مجال دراستهم؟ أم يفضل أن يتلقوا تعليمًا أكثر حرية يشمل فصولاً دراسية في الموسيقى أو الأدب أو الفيزياء؟

يبدو أن الغالبية تدعم الاتجاه الأخير. فعلى مدار الأعوام الخمسة عشرة الماضية في هولندا، أسست معظم الجامعات “كليات جامعية” لتوفر للطلاب المتميزين تعليمًا رحب الأفق في الفنون المتحررة والعلوم الصلبة بالإضافة إلى المجال الذي يختارون التخصص فيه. يسجل في مثل هذه الكليات من 5 إلى 10 في المئة من الطلاب الجامعيين.

قال لويس كلامروث، والذي تخرج العام الماضي من كلية جامعة أمستردام في تخصص السياسات المقارنة “تناسب هذه الدرجة العلمية القرن الحادي والعشرين حيث تعكس ترابط الوظائف التي سنؤديها وتتماشى مع تحدياتها.”

تأثرت بذلك أيضًا المجالات التقنية مثل الهندسة. ففي السنوات الأخيرة، عدل مجلس الاعتماد الأكاديمي للهندسة والتكنولوجيا (ABET) – باعتباره المؤسسة المسئولة عن اعتماد برامج الهندسة في 25 دولة – متطلباته. فأصبح الآن لزامًا على برامج الهندسة تخريج دفعات من الطلاب لا تجيد الهندسة فحسب، ولكنها أيضًا تفهم الجوانب البيئية والاجتماعية وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا المجال.

بدورها، قالت دانيال دوران بارون، المتحدثة باسم مجلس الاعتماد الأكاديمي للهندسة والتكنولوجيا (ABET) “ليصبح الطالب مهندسًا كفءً هذه الأيام، ينبغي أن يتمكن من المشاركة في فريق متعدد التخصصات ويفهم جيدًا معنى المسئولية الأخلاقية ويجيد مهارات الاتصال.”

وكتب خالد فهمي، رئيس قسم التاريخ في الجامعة الأمريكية في القاهرة أن نقص التعليم التحرري في معظم الجامعات في العالم العربي يشكل خطورة أكبر من القمع السياسي ونقص التمويل الذي تواجهه الكثير من المؤسسات العربية.

يجب أن تخرج الجامعات طلابًا يجمعون بين المعرفة في تخصصاتهم والفضول الفكري والتفكير النقدي والابتكار والمسئولية والشجاعة الأخلاقية، على حد قوله. ( يمكن الاطلاع على مقاله بعنوان “لماذا لم أذهب إلى دبي.”)

يوجد في أمريكا تقليدًا قويًا خاص بالتعليم التحرري في كلياتها وجامعاتها. وفي السنوات الأخيرة، طورت عدد من الجامعات الصينية المرموقة شقًا يتعلق بالفنون المتحررة في برامجها. ولقد زار مسئولو التعليم في الصين الولايات المتحدة الأمريكية ليقفوا على كيفية تقديم مثل هذا البرامج هناك.

وقال فيليب ج. ألتباتش، مدير مركز التعليم العالي الدولي في كلية بوسطن “يقدمون التعليم التحرري في شكل تفكير نقدي ومرونة في القوى العاملة. وأضاف أنه في الصين وغيرها من الأماكن يشعر المزيد من مسئولي التعليم بأنه لا يمكن حاليًا إعداد الخريجين للقيام بوظيفة واحدة فحسب، ولكن عليهم أن يجيدوا مجموعة من المهارات تساعدهم على القيام بسلسلة من الوظائف في ظل سوق العمل العالمي دائم التغير. 

* تمت كتابة المقال بدعم من قبل صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية في إطار التحضير لعقد سلسلة من ورش العمل لتشجيع الصحافيين العرب للكتابة عن التعليم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى