أخبار وتقارير

الطالب السوري وآمال هشة بالتعليم العالي

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في  The Chronicle ويعاد نشرها هنا مترجمة بموجب اتفاق مع الصحيفة وبموافقة من المؤلف.

في صباح يوم الثلاثاء الماضي، استيقظ محمد أديب باكراً، تناول إفطاره وسار في شوارع مدينة حلب المقصوفة التي يسيطر عليها الثوار في سوريا متجهاً إلى مركز امتحانات الثانوية العامة للطلاب الذكور. 

أبرز محمد بطاقة الطالب التي يحملها لمسؤولين من المعارضة السورية، والمعروفة باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض. أخذ مكانه في قاعة الامتحانات، وعند الساعة الثامنة صباحاً بدأ امتحان الفلسفة، واحد من ست اختبارات يتوجب على محمد اجتيازها للتخرج من المدرسة الثانوية. 

يعتبر محمد واحداً من 14 ألف طالب سوري موزعين في تركيا والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا المحررة  خضعوا لامتحانات الثانوية العامة التي تشرف عليها وزارة التربية التابعة للإئتلاف. يعيش معظم هؤلاء الطلاب داخل سوريا بحسب تقارير الائتلاف. يخاطر الطلاب بحياتهم على مدى 10 أيام منفصلة للتقدم للامتحانات في الفترة ما بين 10-29 حزيران/يونيو.

يعد الامتحان بمثابة تحدي بدافع الأمل، للطلاب مثل محمد، على الرغم من أن البعض قد يقول ذلك بلهجة يائسة. ذلك أنهم حتى ولو نجحوا في اجتياز الامتحانات التي تدار من قبل الائتلاف، إلا أنهم لن يستطيعوا الالتحاق بالجامعات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، كما أنه لا يوجد أي جامعات في المناطق المحررة. فضلاً على أنه خارج سوريا، تبدو الحكومات والجامعات الأجنبية مترددة بالاعتراف باختبار الائتلاف كدليل على استكمال المرحلة الثانوية.

يحظى امتحان الثانوية العامة السوري الرسمي باعتراف دولي. إلا أن اجتيازه نادراً ما يكون خيار السوريين الذين يعيشون في المناطق المحررة أو اللاجئين في دول الجوار. فبالنسبة للطلاب داخل البلاد، يكتنف التنقل عبر نقاط التفتيش وخطوط القتال مخاطر عديدة. كما يحتاج أولئك الذين يعيشون خارج البلاد للسفر إلى سوريا لإجراء الامتحان. بينما يفتقر العديد منهم للوثائق المطلوبة للقيام بذلك. 

تذكر قصة محمد بمدى أهمية مستقبل التعليم العالي للطلاب السوريين الذين مزقت الحرب بلادهم، كما تعكس الحاجة إلى ضرورة وجود مساعدة من الحكومات الأجنبية وغيرها.

في الليلة التي سبقت أول امتحان له، اتصل بي محمد عبر السكايب من مكتب في مدرسته، عين جالوت. بسبب ضعف شبكة الانترنت انقطع الاتصال عشرات المرات. في ومضات، حكى محمد عن التفجيرات المتقطعة التي شوهت سنته الدراسية الأخيرة. قُتل 18 طالب وأستاذين بقصف البراميل في نيسان/ أبريل الماضي. استأنفت الدروس بعد أسبوع في مبنى سكني قريب. 

يحكي مدير مدرسة محمد، أبو حسان (اسم حركي)، كيف يتعامل الأساتذة في عين جالوت مع مشاكل الطلاب النفسية. يطلب المعلمون من الطلاب التمسك بدرب زملائهم الشهداء، درب المنح الدراسية. بالنسبة للطلاب في عين جالوت، تعتبر الدراسة للامتحان الذي يتوج دراستهم الثانوية نوعاً من التضامن.

رافقت وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة محي الدين بنانة إلى مركز الامتحان في غازي عنتاب، وهي مدينة صناعية تركية تبعد ساعة عن الحدود السورية. أعد الائتلاف 24 مركزأ للامتحانات في تركيا كان هذا واحدا منها. في مدرسة الاستقلال للسوريين، بدا الطلاب منظمين. اختل التركيز فقط بمجئ الوفد المرافق للوزير لتفقد الامتحانات. مشى الوزير في الممرات جائلاً على كل غرفة، وقام بتفتيش أوراق الطلاب عشوائياً. وبينما كنا نشرب شاي الزهورات في غرفة خلفية، استعرض أحد المسؤولين مجريات الامتحانات في المراكز الأخرى في المنطقة.

لاحقاً تحدثت مرة أخرى مع أبو حسان، الذي يساعد في مراقبة امتحانات الائتلاف في حلب. قال أبو حسان إن الائتلاف ينظم الامتحانات بطريقة أفضل من تلك التي تنظمها الحكومة الرسمية. وأظهر لي صورة منشورة على الفيس بوك لطلاب في مدرسة رسمية تابعة للتظام وقد تجمعوا حول طاولة في مركز امتحان للغش من ورقة واحدة. 

بعد الامتحان في غازي عنتاب، جلست مع مجموعة من خمسة طلاب لا يعرفون ما إذا كان سيتم قبول نتائج امتحاناتهم في تركيا أو أي مكان أخر. كانوا قد سمعوا قصصاً مروعة كقصة حسن عباس. ففي العام الماضي، قال المعلمون للطلاب إن الجامعات التركية ستقبل بشهادة الثانوية الصادرة عن الائتلاف. وعندما عرف عباس بوجود منح دراسية مقدمة من تركيا للطلاب السوريين، اعتقد أنه سُيقبل في إحداها خاصة وأن درجاته كانت متقدمة فضلاً عن إتقانه للغة التركية. للالتحاق بالمنح، قدم عباس شهادته إلى مكتب البلدية التركي للموافقة عليها. ولكنه انهار بعدما شاهد اعتماد شهادات الطلاب في المناطق الخاضعة للنظام ورفض اعتماد شهادات الائتلاف. 

لكن في الأسبوع الماضي، أثمرت جهود الائتلاف الدبلوماسية والإدارية في تركيا. إذ أعلمتني الوزارة التركية أنه سيتم الاعتراف بشهادة الائتلاف في جميع محافظات تركيا. يأمل الائتلاف أن يسهم هذا القرار في التأثير على باقي البلدان المستضيفة للسوريين في المنطقة وأوروبا. 

في مركز اختبار حلب، عندما أعلن الجرس انتهاء امتحان الفلسفة، جمع المراقب ورقة محمد. مع تسليمه لورقة الامتحان، سقطت قنبلة على المبنى المجاور مما تسبب في إصابة اثنين من الطلاب.

قرأ محمد على الفيس بوك أن فرنسا ستقدم منحاً دراسية لأربعين طالب سوري. ورغم إدراكه لاستحالة تحقيق ذلك، حلم محمد يوماً بدراسة الأدب الفرنسي في الخارج. لكن مع اعتراف تركيا اليوم بشهادته، هنالك أشياء أخرى يمكن أن يحلم بها.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى