أخبار وتقارير

جامعة القاهرة تعتمد أول سياسة رسمية لمكافحة التحرش في المنطقة

القاهرة– أصبحت جامعة القاهرة أول جامعة حكومية في المنطقة تتبنى سياسة لمناهضة التحرش الجنسي داخل الجامعة. قرار الجامعة اعتبره العديد من الأساتذة والناشطين، الذين ساهموا في إنجازه، علامة فارقة وركيزة أولى لنشر السياسة في باقي الجامعات المصرية.

تقول هدى الصدة، أستاذة اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة القاهرة والتي أنجزت مبادرة السياسة مع أساتذة أخرين “إن التحرش الجنسي مشكلة في جميع أنحاء العالم، مشكلة نواجهها في مكان العمل وفي الجامعات. تمتلك معظم الأماكن سياسات حول هذا الموضوع. لم يكن لدينا سياسات مماثلة سابقاً لأن التحرش الجنسي كان لفترة طويلة جداً من المحرمات التي لا يعترف الناس بوجودها رسمياً ويترددون في الحديث عنها.” 

وتوضح الصدة أن ” تغيراً طرأ على مدى السنوات الثلاث الماضية، بحيث أصبح التحرش قضية عامة وموضوع للنقاش… لذلك وجدنا الفرصة مواتية لإدخال السياسة ضمن جامعة القاهرة.”

يتزامن اعتماد السياسة، التي لم تتمكن الفنارالإعلام من الحصول على نسخة منها لكون المسودة النهائية لا تزال قيد المراجعة، مع جهود عالمية أوسع لمكافحة التحرش. في كانون الثاني/ يناير، أنشئ الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرقة عمل في البيت الأبيض لحماية الطلاب من الاعتداء الجنسي. وقال بيان البيت الابيض إنه يهدف إلى تحديد نطاق المشكلة في حرم جامعات الولايات المتحدة للمساعدة على منع الاعتداء الجنسي داخل الحرم الجامعي، ومساعدة المدارس على الاستجابة للحالات بفعالية وتحسين عمل الحكومة الفدرالية لتكون أكثر شفافية. وبحسب البيان، فإن واحدة من كل خمسة نساء تتعرض للاعتداء الجنسي خلال الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة.

في مصر، سُلط الضوء على قضية التحرش في الحرم الجامعي في شهر أذار/ مارس الماضي عندما تم الاعتداء على إمرأة شابة على يد مجموعة في جامعة القاهرة. أشعلت الحادثة المزيد من الغضب عندما قال الرئيس الجامعية جابر ناصر إن المرأة، التي كانت ترتدي بنطالاً وقميصاً بأكمام طويلة، استفزت المجموعة بسبب “ملابسها غير اللائقة” وأعلن أن المرأة والمهاجمين سيخضعون معاً للعقوبة. إلا أن جماعات حقوقية قالت إن ناصر تراجع لاحقاً عن تصريحاته وأنه أصر أن التحرش لا يغتفر. لكن مشاعره عكست ميولاً واسعة النطاق في مصر تلقي اللوم على ضحايا المشكلة المنتشرة.

تشير دراسة، نشرت بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة العام الماضي، إلى أن 99.3 في المئة من النساء والفتيات اللواتي شملهن الاستطلاع في مصر تعرضن للتحرش الذي يشمل المعاكسات الهاتفية، والإساءة اللفظية، التحسس، النظرات القذرة والاغتصاب. وأظهرت الدراسة أن طلاب المدرسة أو الجامعة مسؤولون عن ما يقارب من 62 في المئة من الحالات.

تنص السياسة الجديدة في جامعة القاهرة، التي سيتم تنفيذها اعتباراً من شهر أيلول/ سبتمبر القادم، على أن أي شكل من أشكال التحرش الجنسي لن يتم التسامح معه في الجامعة. كما توفر إطاراً لتمكين الطلاب والأساتذة من التبليغ عن حوادث التحرش بأمان، وفقاً لبيان صادر عن خريطة التحرش الجنسي، وهي مبادرة مستقلة عملت على إعداد السياسة.

عملياً، فإن السياسة الجديدة ستسمح للطلاب تقديم شكوى لشخص محدد في الكلية سيقوم لاحقاً بنقل القضية للجنة تنفيذية – غالبيتها من النساء- للتحقيق في الشكوى. وقالت الصدة إن العقوبة تستند إلى نظام متدرج ويمكن أن تصل حد إيقاف الدراسة أو الطرد. كما ستشرف لجنة مصغرة في الجامعة تضم الرئيس وعمداء خمس كليات مع عدد من الأساتذة على مراقبة تنفيذ السياسة، بحسب ما قالت الصدة.

بدورها، تقول دينا فريد، مؤسسة حملة بنات مصر خط أحمر التي بدأت قبل عامين لرفع مستوى الوعي حول التحرش، إنها تود أيضا أن ترى لجنة مؤلفة من الطلاب للإشراف على الأنشطة المتعلقة بتنفيذ السياسات، ولا سيما وأن أعضاء هيئة التدريس يمكن أن يتحرشوا بالطالبات والموظفات الأخريات. وتنصح فريد بضرورة الإعلان عن القواعد بشكل جيد في الجامعة للتعريف بالتحرش الجنسي وعواقبه. كما تأمل أن تتيح الإجراءات فرصة للضحايا، إذا اختاروا، بالتقدم بشكوى إلى الشرطة. تقول “من الجيد أن نرى مثل هذه السياسات وقد دخلت موضع التنفيذ. لكننا نأمل أن لا تكون مجرد سياسة لفظية، نريد أن نراها تطبق في الواقع.”

يأتي اعتماد السياسة في أعقاب المرسوم الصادر عن الرئيس المؤقت السابق عدلى منصور في حزيران/ يونيو الماضي والذي جرم التحرش الجنسي لأول مرة في مصر. بعد أيام، وبعد تداول شريط فيديو لامرأة عارية تتعرض للاعتداء بشراسة في ميدان التحرير، قام الرئيس المنتخب حديثاً عبد الفتاح السيسي بتكليف رئيس الوزراء لتشكيل لجنة لوضع استراتيجية وطنية للتصدي للتحرش.

يقول أحمد حجاب، مدير وحدة المناطق الآمنة بخريطة التحرش الجنسي، “هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة والمؤسسات الرسمية بالاعتراف بالمشكلة. إذ لم يقبلوا لسنوات طويلة بالاعتراف بوجود التحرش الجنسي.”

لكن هيومن رايتس ووتش تقول  إن التعديلات على قانون العقوبات في مصرلا تزال بحاجة إلى تحسين، وأن هنالك الكثير من الثغرات في القوانين الخاصة بالعنف ضد المرأة. ففي بيان صدر في حزيران/ يونيو الماضي، قالت روثنا بيغوم باحثة حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، ” إن هذا المستوى من الاهتمام بالتحرش الجنسي من الرئيس المصري يحتاج إلى أن يقاس بنتائج على أرض الواقع.”

مع ذلك، يتم الآن النظر ببعض الجرائم. ففي يوم الأربعاء الماضي، حكمت محكمة في القاهرة على تسعة متهمين بالسجن ما بين 20 و 25 عاماً بتهمة الاعتداء الجنسي على فتيات في ميدان التحرير، حسبما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية. وفي أواخر الشهر الماضي، فرضت المحكمة غرامة مقدارها 5000 جنيه مصري (700دولار أمريكي) على رجلين مع السجن لمدة عامين بسبب تحرشهما اللفظي بسيدة في مركز تجاري. في حين حكم على رجل آخر بالسجن لسنة واحدة لالتقاطه صورة لامرأة نائمة في الحافلة، وفقاً لصحيفة ديلي نيوز مصراليومية الناطقة باللغة الإنجليزية.

تبدو هذه القضايا قليلة ومتباعدة مقارنة بالكم الهائل من حوادث التحرش التي تحدث يومياً في مصر، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت السياسات الجديدة على مستوى الجامعة ستثبت فعاليتها. إذ يقول نشطاء في جامعة القاهرة إن عوامل عديدة تمنع تنفيذ السياسة بنجاح.

تقول سلمى النقاش، مديرة أكاديمية المشاركة السياسية للنساء في مؤسسة نظرة للدراسات النسوية في القاهرة، “أولاً، يعتمد الموضوع على الفتيات وقدراتهن على اتخاذ المبادرة لاستخدام السياسة لصالحهم وتقديم شكاوى.” مضيفة “إذا قررت الفتيات عدم القيام بذلك، عندها لن يكون هناك داع لهذه السياسة.”

وبحسب النقاش، يوجد تحد أخر يتمثل في صعوبة تقدم الطالبات بشكاوى ضد أساتذتهم الذين يتمتعون طبعاً بمناصب قيادية. وأضاف نشطاء، بأن أفراد الأمن داخل الحرم الجامعي بحاجة للتدريب حول مفهوم التحرش وكيفية التعامل معه، وعدم لوم الضحايا.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

يقول حجاب ” لازلنا لانعرف حتى الأن من سيأمن الجامعة”. ففي حال كانت الشركات الخاصة هي من ستتولى إدارة أمن الحرم الجامعي يمكن عندها للمنظمات المستقلة مثل خريطة التحرش تدريب الحراس لمعالجة قضايا التحرش. ولكن إذا تم تنفيذ قرار قيام عناصر الشرطة بتأمين الحرم الجامعي – وهو القرار المخالف لقرار سابق منع دخول عناصر الشرطة مؤسسات التعليم العالي في 2010- فمن غير المرجح أن يُسمح للنشطاء بتدريبهم بحسب ما يقول حجاب.

مع ذلك، يسعى الأساتذة والناشطين إلى توسيع نطاق السياسة. تقول الصدة “نعتبر جامعة القاهرة خطوة أولى وتوقعي أن تحذو حذوها كل الجامعات الوطني.” وأضافت أن سياسات مكافحة التحرش لا تقل أهمية عن تلك التي تتناول الانتحال. ” لن تقضي السياسات على المشكلة لكنها بالتأكيد ستقلل منها. إن معالجة بعض القضايا، ومحاسبة الناس، وجعل الناس يشعرون أن لديهم إمكانية الوصول إلى العدالة وضمان إجراء الشكوى سيضمن بعضاً من العدالة. كل ذلك مهم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى