أخبار وتقارير

مهمة مزدوجة لعالمة مغربية

خلف منضدة خشبية قاتمة في مكتب صغير في أحد أكثر الشوارع المهملة في منطقة أجدال الثرية في الرباط، تجلس واحدة من أكثر علماء المغرب علمًا وتقدمًا. 

من نافذة مكتبها يُرى صف من المباني والتي كانت في يوم من الأيام مطلية باللون الأبيض ولكنها الآن تشكل مجموعة من الواجهات المكسرة والتي تشير إلى ماضٍ أكثر مجدًا. يصعب وصف مكتبها من الداخل والخارج، حيث تنحصر مظاهر الزينة في صورة واحدة للعالمة زبيدة شروف مع ملك المغرب، والذي يدعم بشدة التغيير الاجتماعي الذي أحدثته أبحاثها.

تقضي زبيدة نصف الأسبوع في غرفتها، حيث تدير التزاماتها نحو السيدات العاملات في 30 جمعية تعاونية على الأقل، وكلها تنتج زيت أرغان في جنوب البلاد. يباع الزيت لشركات التجميل وتوفر مبيعاته الاستقلال الاقتصادي لهؤلاء النساء وأسرهن. إلا أن المشروع جلب لها الثناء والنقد على حد سواء. ما يتبقى من الأسبوع تقضيه زبيدة على بعد كيلومترين في مختبر بسيط ولكنه في حالة جيدة في جامعة محمد الخامس بأجدال، حيث تدرس سلالات النبات التي تنتج هذا الزيت المعروف، والذي عادة ما يستخدم في منتجات التجميل أو يوضع على الجلد والشعر في صورته الخام. كما تسافر أيضًا بشكل شبه منتظم إلى الصحراء شبة القاحلة في جنوب غرب المغرب حيث تنمو هذه الأشجار.

تعمل زبيدة وفقًا لجدول عمل شاق ما بين التأكد من إدارة العمل بسلاسة في التعاونيات ومحاولة فهم الطبيعة العلمية للزيت الذي ينتجونه. تقول زبيدة “أعمل كل يوم حتى بعد منتصف الليل وأحب أن أبدأ يومي في الساعة الثامنة صباحًا أو أحيانًا الثامنة والنصف صباحًا.”

يدفع زبيدة في حياتها المهنية مزيجًا متشابكًا من إيمانها بالمساواة بين الجنسين وأهمية البحث العلمي. يقول دومنيك جيلوم، كيميائي فرنسي في جامعة ريمس شامبانيا أردين- (URCA) مازحًا “شروف شخصية يسهل التعامل معها طالما تتفق معها في الرأي.” تعاون جيلوم مع زبيدة شروف على مدار 20 عامًا وكتبا معًا الكثير من الأوراق البحثية، بالإضافة إلى كتاب عن شجرة أرغان والزيت المستخلص منها.

يرى طلابها أنها شخصية لطيفة تهتم بالآخرين، ولكنها لا تتحمل الأغبياء. تقول هناء المنفلوطي والتي حصلت على درجة الدكتوراه تحت إشراف الدكتورة زبيدة في عام 2013 “إذا لم يكن الطالب متحمسًا للدراسة، فلن يتفاهم مع الدكتورة زبيدة، ويتفق بدر الدين كارته، زوج هناء المنفلوطي والذي يدرس الدكتوراه حاليًا تحت إشراف الدكتورة زبيدة، مع زوجته في هذا الرأي. 

تعتبر زبيدة شروف شخصية مهذبة تراعي شعور الآخرين، ولكنها ليست شخصية اجتماعية. إذ كانت كريمة في منحنا الكثير من وقتها، والذي يعتبر سلعة غير متوفرة لديها لإجراء حوارًا مطولاً معها. وكانت إجاباتها على الأسئلة دقيقة للغاية، حيث أجابت على كافة الأسئلة بالكامل ولم تنحرف أبدًا عن الموضوع. 

تربت زبيدة ف في ضواحي ريف الرباط مع والديها، وأربعة أخوة وأختين. وتتذكر أن والدها والذي توفى في طفولتها كان يحكي لها عن الوقت الذي يقضيه في رعاية الغنم. وقد حذا أخويها حذوها في استكمال تعليمهما العالي ولكن أختيها اختارتا أن تلعبا دورهما التقليدي في المنزل.

زبيدة شروف

تركز أبحاث زبيدة على شجرة أرغان، والتي تحتاج إلى خمسين عامًا لإنتاج ثمار تكفي للحصاد ويمكن أن تعيش لأكثر من 200 عام. ويرجع أصل هذه الشجرة الشائكة إلى سلالة وراثية تعود إلى ملايين السنين. 

في الوقت الذي كانت فيه زبيدة على وشك الحصول على درجة الدكتوراه، كانت الشجرة مهددة بالانقراض حيث توجد هذه السلالة فقط في غابات جنوب غرب المغرب وقطعة أرض ممتدة في الجزائر. ولكن في السبعينيات، شهدت هذه المناطق تصحرًا وإزالة للغابات. “كانت المغرب تخسر 600 هكتار من مساحة الغابات سنويًا”، كما شرحت لنا زبيدة. 

أجرت زبيدة شاروف أبحاثها في رسالة الدكتوراه على شجرة أرغان وكان لديها شعور بأن بقاء السلالة يعتمد على أهميتها الاقتصادية. ورأت أن الناس إذا شعروا بأهمية هذه الشجرة كمصدر للدخل، سيهتمون برعاية الغابات بأكملها، ومن هنا تأتي أهمية الزيت. في السبعينيات والثمانينيات، كان زيت الأرغان يُستخرج باليد من خلال عملية شاقة ومجهدة ورخيصة تقوم بها السيدات في الشوارع. تقول زبيدة “كان استخراج لتر واحد يستغرق 20 ساعة ويساوي 3 يورو.” يمكن أن ترى في سوق أغادير السيدات المسنات تستخرجن الزيت من لب ثمرة أرغان. ولم يكن من السهل أيضًا الحصول على الزيت. “يجب أن يكون لديك أسرة في الجنوب لتحصل على الزيت.”

لم تهتم زبيدة بأبعاد الأزمة البيئية لإزالة الغابات فحسب، ولكنها أيضًا رأت خطورة القضايا الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لها. “فكرت في كيفية تحويل هذه المشكلة البيئية إلى حل اقتصادي لتجديد الغابات وتمكين المرأة.” على حد قولها.

راجعت شروف دراسات لحالات أخرى في كافة أنحاء العالم واستلهمت الحل من تجربة نبات الجوجوبا في مصر.فقبل السبعينيات، لم يحصل هذا النبات على أي اهتمام، ولكنه بدأ يجذب الانتباه كعنصر مفيد في منتجات التجميل. وعندما أدركت صناعات التجميل جدواه الاقتصادية، بدأ الجميع يهتمون فجأة بهذا النبات.

تقول “كان الحل واضحًا، وهو إضفاء قيمة اقتصادية على زيت الأرغان.”

تحقيقًا لذلك، احتاجت زبيدة شاروف أن تثبت قيمة الزيت علميًا وتنظم صفوف المرأة في جنوب الريف المغربي. وحينها لم يرحب الكثير بفكرة عمل المرأة في التعاونيات. تقول زبيدة”كان الرجال يتهمونني بأنني أضر بأسرهم وأن النساء يجب أن يرجعن لبيوتهن. ولم تقتصر ردود الفعل السلبية على الريف. فلقد كنت أحزن كثيرًا لسماع نفس هذا الكلام من الشباب في الدار البيضاء.”

بدوره، يقول جيلوم “تتمتع زبيدة بقدرة مذهلة على تحقيق ما تريد على الرغم من أن الكثير من الناس يتمنون لها الفشل.”

وعلى الرغم من عدم الترحيب بفكرتها، شكلت زبيدة فريق عمل مع جيلوم لتبدأ في الجزء البحثي الخاص بالحل الذي اقترحته. وكان من أول الأشياء التي شرعا فيها هي تحديد مدى تأثر جودة الزيت عند استخدام الآلات في استخراجه. يقول جيلوم “أردنا أن نثبت أن جودة الزيت لا تتأثر بالمعصرة الميكانيكية. وقارنا بين كميات من المركبات المختلفة في الزيت المستخرجة بالطرق التقليدية والأخرى المستخرجة بالماكينات. وأثبتنا أن استخدام المعصرة ينتج زيت أفضل من ذلك المستخرج بالطرق التقليدية.”

كانت الخطوة الثانية هي استحداث عملية اعتماد للزيت ليطمئن بائعو الجملة لعدم تعرضهم لعملية غش أو احتيال.

يشكل مركب يسمى كامبيسترول جزءًا صغيرًا من الزيت. تكشف عملية الاعتماد – التي استحدثها جيلوم وزبيدة والتي تستخدمها شركات التجميل قبل تصدير الزيت – التركيز الصحيح لهذا المركب.

وبدأ الجهد الشاق الذي بذلته زبيدة يؤتي ثماره “فلم يتم نشر أبحاثها في المجلات الطبية المغربية فحسب، ولكن أيضًا نشرت في المجلات الأمريكية المرموقة. إذ نجحت في تحويل الصناعة البدائية لزيت أرغان إلى علم”، على حد تعبير جيلوم.

على الصعيد العلمي، كان إثبات أهمية استخدام عملية الاستخراج الآلية هو الجزء الأسهل. بينما كان الشق الأصعب هو إقناع النساء (أو أزواجهن) أن العمل في جمعيات تعاونية منظمة تستخدم ماكينات حديثة هو أفضل لهن.

جمعت زبيدة أخيرًا مجموعة من 16 امرأة، ولكن لم يتم ذلك حتى عام 1996 وكن جميعًا إما مطلقات أو أرامل. فبدون زوج يسيطر على قراراتهن، نجحن في تأسيس أول جمعية تعاونية. ولكن بطء وتيرة التقدم أرهقها. يقول جيلوم “كانت تقول لي أحيانًا أنها تشعر باكتئاب لشهور بسبب ما تواجهه من سلبية، ولكنها كانت تستعيد حماسها في النهاية.”

في منتصف وأواخر التسعينيات، جاء ترافيس ج. ليبرت، أستاذ مشارك في الاقتصاديات الزراعية واقتصاديات الموارد في جامعة كاليفورنيا في دافيس، إلى المغرب لدراسة تأثير النشاط الاقتصادي الذي استحدثته زبيدة شاروف. يقول ليبرت “في السنوات الأولى تحملت زبيدة الكثير من النقد من المشككين في نواياها والذين ظنوا أنها تسعى لتحقيق منفعة مالية لنفسها. فكانت دائمًا تشعر بأنها تعامل معاملة سيئة وكانت متأثرة كثيرًا بصورتها.”

ووصل الأمر إلى أن نصحها جيلوم بترك الأمر برمته وتوفير طاقتها. يضيف ليبرت “لم أكن أتصور أن تنجح زبيدة في جمع عدد كافي من النساء لتجاوز سطوة الرجال، ولكنها رفضت الاستسلام.”

انتصرت في النهاية، حيث يقول ليبرت “بالطبع يمكن أن نقول إن جمعياتها أيضًا حققت قصة نجاح. بدون مجهوداتها، ربما كانت صناعة الزيت ستتطور على أية حال ولكنني أشك أنها كانت ستحقق المنفعة لهؤلاء السيدات.”

وقد أرهقتها كثيرًا التزاماتها نحو الجمعيات والأبحاث العلمية. تقول هناء المنفلوطي “هي دائمًا مثقلة بالعمل ومنهكة.” وتدرك زبيدة أنه سيكون عليها في يوم من الأيام أن تختار بين المجالين وهي تعلم جيدًا أنه عندما يحين وقت الاختيار ستختار العمل في المختبر. 

يشعر جيلوم بالقلق من أن زبيدة لن يمكنها أبدًا أن تأخذ هذا القرار. “لن يمكنها أن تختار، ينبغي عليها أن تختار ولكنها لن تستطيع. فهي تؤمن بأن عملها البحثي والاجتماعي يخدم المغرب. فالأمر بالنسبة لها يأخذ بعدًا وطنيًا.”

وهناك الآن تسعيرة معروفة لزيت الأرغان ما بين 25 إلى 30 يورو للتر الواحد. لكن الناس لم يتقبلوا فكرة زبيدة إلا بعد النجاح الذي حققته الجمعية الأولى والتي ضمت 16 امرأة. تقول زبيدة ضاحكة “أصبح الرجال الآن يأتون للجمعية ليستعلموا عن إمكانية انضمام زوجاتهن للعمل معنا.”

انتهت ردود الفعل العنيفة التي تعرضت لها زبيدة، وقد قابلت الملك أربع مرات وساعدها في جمع الأموال وافتتح بنفسه إحدى جمعياتها. تقول “لقد تحسنت الأوضاع كثيرًا الآن، ولكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل.”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى