أخبار وتقارير

العلم في قلب الصراع الدائر في غزة

يبعد سكن سيمونا بار–هايم حوالي 40 ميلاً عن زميلها أكرم عمرو. ويجمعهما التركيز على مساعدة الشباب ممن يعانون من مرض الشلل الدماغي.

وعلى الرغم من قربهما من حيث المسافة وطبيعة العمل، يعتبر تعاونهما معًا محل جدل أكاديمي كبير.

يسكن عمرو الفلسطيني الأصل في منطقة الخليل في الضفة الغربية ويعمل في جامعة القدس. بينما تعيش سيمونا بار–هايم على الجانب الأخر من الحدود في بئر السبع، عاصمة منطقة النقب الصحراوية. وتعمل في الطابق الأرضي في مختبر في إحدى المباني الحديثة التابعة لجامعة بن جوريون، المبنية من حجر القدس الخصب وحوائطها مطلية بلون أزرق ساطع مميز. ومن ناحية أخرى يعمل عمرو في مختبر جيد، ولكنه لا يرقى لمستوى مختبر زميلته الإسرائيلية، ولا يتاح له استخدام بعض المعدات الطبية المتاحة لديها. 

لا يمكن لأيهما أن يقود سيارته ليقابل الأخر، حتى عندما تكون العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أفضل حالاتها. يقول عمرو “حتى رئيس دولتنا لا يمكنه أن يقود سيارته في إسرائيل. وبالتالي فأنا أستقل مختلف أنواع المواصلات حسب نوع التصريح الذي أحمله.”

يسمح التصريح الذي يحمله عمرو بمغادرة الضفة الغربية من خلال خمس نقاط تفتيش. وفي أغلب الأحيان، تكون الصفوف طويلة في الصباح بسبب سفر العمال المهاجرين يوميًا للعمل، فينبغي عليه أن يحسن اختيار نقاط التفتيش. وعندما يصل إلى الحدود، يترك الحافلة الفلسطينية ليتم تفتيشه من قبل مسئولي الأمن. يصف عمرو ذلك “بأنه تجربة غير مريحة”. وبمجرد انتهائه من التفتيش، تكون هناك حافة أخرى تنتظر على الجانب الإسرائيلي ليستكمل باقي الرحلة. 

يأخذ كل شيء على هذه الحدود طابعًا سياسيًا وينطبق ذلك أيضًا على التعاون العلمي. وتقول الحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل أكاديميًا وثقافيًا، والتي بدأت منذ عشر سنوات من قبل مجموعة من المفكرين الفلسطينيين، في تصريح لها أن تجنب المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية “يشكل نوعًا من الضغط الذي يجب ممارسته ضد إسرائيل”.

ولكن عمرو وسيمونا يتفقان أن التعاون السلمي هو الطريق الوحيد لتجاوز دائرة الصراع الأبدي. فالسلام يعم بالأفعال لا بالأقوال، على حد تعبير عمرو.

بدأ التعاون بين عمرو وسيمونا في عام 2006، وهو نفس العام الذي حققت فيه حماس الانتصار الساحق في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. تقول سيمونا “قابلت عمرو في مركز تأهيل للأطفال المرضى بالشلل الدماغي في شرق القدس.”

يختبر الباحثان طريقتين لمساعدة الشباب الذين يعانون من مرض الشلل الدماغي من سن 14 إلى 20 عامًا في فلسطين وإسرائيل. ففي كل دولة، هناك مجموعة من المرضى تخضع لعلاج طبيعي، وهو إجراء غير مكلف، بينما تستخدم المجموعة الأخرى أجهزة المشي، وهي وسيلة علاجية مكلفة. وهناك نوعان من الأجهزة التي يستخدمها الباحثان، الأول هو الجهاز التقليدي الموجود في صالات الألعاب الرياضية، أما الأخر فهو جهاز تم تصميمه بأسلوب خاص مثبت به حزام يتحكم في سرعة كل قدم على حدا.

يدعم برنامج التعاون في أبحاث الشرق الوسط التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هذا البحث. كما مول هذا البرنامج أيضًا جهودًا أخرى مشتركة بين العرب والإسرائيليين، بما في ذلك أبحاث تشجع المدخنين على الإقلاع عن التدخين، وأخرى تحد من تعرض الأطفال لمادة الرصاص، وتحمي المحاصيل الزراعية الهامة من الأمراض.

استمرت أبحاث عمرو وسيمونا لمدة ثلاثة أعوام وشملت 120 مراهقًا، حيث يراقبان سرعة أو زيادة حركتهم ومدى استجابة المخ لتعلم وظائف حركية جديدة. ويأملان أن يتمكنا من تحديد أكثر الإجراءات الطبية فعالية في هذه الحالات.

وحتى الآن نجح الثنائي البحثي في إيجاد طريقة أو أخرى لتجاوز المقاطعات والصراعات، ولكن الحرب الحالية على غزة أوقفت مشروعهما. وعلى الرغم من ذلك لا يزال لديهما أمل أن يكون هذا الموقف مؤقتًا. 

لا يوجد في جامعة القدس جهاز المشي بالحزام الفاصل وغيره من أجهزة التصوير الطبية الضرورية، تقول سيمونا “كان من المفترض أن يحضر المرضى الفلسطينيون إلى مختبري في أب/أغسطس لاستخدام الجهاز وإجراء التصوير بالرنين المغنطيسي. وأتمنى أن نقوم بذلك لاحقًا، ولكن لا يمكن التأكد من ذلك. فلا أحد يعرف متى ستعود الأوضاع إلى ما كانت عليه.”

بدوره، يقول عمرو “تراجعت سبل التعاون كثيرًا منذ اندلاع الحرب. فيجب أن أكون دبلوماسيًا للغاية عندما أقدم نفسي كشخص يعمل بالتعاون مع الإسرائيليين.”

منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة منذ خمسة أسابيع، كانت هناك ثمانية محاولات لوقف العنف، كانت أخرها مهلة وقف إطلاق النار والتي أعلنت في 13 أب/أغسطس، لكنها لم تكن جدية على الإطلاق، فلقد أُطلقت الصواريخ في إسرائيل بضع ساعات قبل بدء المهلة. (إقرأ تقرير الفنار للإعلام المفصل بعنوان 3 جامعات و148 مدرسة خسائر التعليم في الحرب على غزة.) 

يعترف عمرو أن هذه الحرب وترت علاقتهما؛ حيث يقول “لا يمكنني أن أناقش قضية غزة مع سيمونا، فأنا لا أريد لعلاقتنا أن تأخذ منعطفًا شخصيًا. لا يمكنني أن أنكر شعوري الداخلي بالحزن والضيق، على الرغم من أنني أعرف جيدًا أن زملائي الإسرائيليين لا يوافقون على ما يحدث. وفي نفس الوقت هم يعرفون أنني لا أفرح بمعاناة إسرائيل.” 

وتجتاح سيمونا نفس هذه المشاعر المختلطة؛ تقول “أنا يسارية وأعمل بالتعاون مع زملائي العرب منذ سنوات عديدة، ولكنني في نفس الوقت إسرائيلية ولدي ابن في الجيش. فكل المشاعر والحسابات مختلطة لدي الآن.”

من ناحية أخرى، تثني راشيل روبين، أستاذة في جامعة ماساتشوستس في بوسطن ومن داعمي قرار جمعية الدراسات الأمريكية لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، على مشروع عمرو وسيمونا؛ تقول “يعتبر ما يقومان به جهدًا رائعًا، فنحن نحتفي بمثل هذا التعاون بين الأفراد، فهو يختلف كثيرًا عن التعاون بين الجامعات الأجنبية والمؤسسات الإسرائيلية التي تنتهج سياسة التمييز ضد الفلسطينيين.”

لا توافق سيمونا على مبدأ المقاطعة، تقول “أنا أساعد أكثر ممن يكتفون بالمقاطعة. فهم لا يفهمون الوضع جيدًا وكيف أننا نحاول بالفعل إيجاد حلول باعتبارنا نعيش هنا معًا.” 

حتى الآن حققت أبحاثهما نتائج واعدة. يقول عمرو “يتحسن الأطفال الفلسطينيون أكثر من الإسرائيليين. وقد يرجع ذلك إلى أن الأطفال الإسرائيليين قد تلقوا الحد الأقصى من العلاج على مدار سنوات عديدة، على عكس الفلسطينيين ممن لم يتاح لهم نفس مستوى جودة الرعاية الصحية التي حصل عليها الإسرائيليون في سنواتهم الأولى من العلاج.” 

لم ينته العالمان من أبحاثهما بعد، ولكنهما يأملان أن ينشرا نتائج أبحاثهما خلال الأشهر القادمة، على الرغم من أن عليهما أولاً تخطي المقاطعات والصراعات. ولكن السؤال هنا: لماذا يصران على الاستمرار؟ ويجيب عمرو “أرى نفسي مسئولاً باعتباري جزءًا من الجهد السلمي بين البلدين.”

تتفق سيمونا في الرأي مع عمرو وتقول “يجب أن يظل العلم بلا حدود.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى