أخبار وتقارير

سيف القانون يسلط على الجمعيات الأهلية في مصر

القاهرة— منذ تولي الحكومة المدعومة من قبل الجيش لمقاليد الحكم في مصر العام الماضي، تواجه الجامعات الحكومية في البلاد تحولات سياسية أدانها النقاد بوصفها انتكاسات بعد المكاسب التي تحققت سابقاً لصالح استقلال الجامعة.

فقد سُمح بعودة قوات الشرطة إلى الجامعات، ومنح رئيس البلاد نفسه سلطة تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات.

والآن، يتوقع صدور قانون جديد لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة، مما يثير قلق النشطاء حول وضع الطلاب والحريات الأكاديمية التي ستصبح محدودة. كما أن الجماعات الداعمة لهذه الحقوق والساعية لتحسين التعليم سيتم استهدافها وتقييد عملها بشكل مؤثر.

تم طرح عدة مسودات للقانون جديد في أعقاب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في عام 2011، لكنها جميعاً تعرضت لانتقادات من المجموعات الحقوقية المحلية والدولية. أخيراً، عرضت وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية مسودة نهائية لمشروع القانون على المجموعات مصرية في حزيران/ يونيو الماضي.

قال محمد لطفي، المدير التنفيذي للجنة المصرية للحقوق والحريات “تريد الحكومة إصدار قانون يتيح لهم السيطرة على المجتمع المدني. هذا هو النهج الذي نراه في كل مشروع اقترحته الحكومة أو تمت مناقشته في اللجان التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.” وأضاف ” تكمن الفكرة في السيطرة على تمويل المنظمات غير الحكومية وأنشطتها بحيث لا تتعارض مع سياسات الحكومة أو توجهاتها.”

وقالت وزارة الشؤون الاجتماعية في بيان في 11 آب/ أغسطس إنها طلبت من الاتحاد العام للمنظمات غير الحكومية إجراء حوار والتشاور “للخروج بمسودة نهائية تتفق عليها معظم الجهات الفاعلة”. وأكدت الوزارة التزامها بإنتاج المسودة النهائية التي تتفق مع دستور عام 2014 والذي “من شأنه تحقيق تطلعات المجتمع المدني المصري لإطلاق العنان لإمكاناتها.”

لكن بيان الوزارة لم يخفف من قلق لطفي. فهو ببساطة مجرد خطاب، على حد قوله، فإذا كانت الدولة تسعى لتحقيق التوافق بين غالبية المجموعات المستقلة، فإن آراء منظمات حقوق الإنسان، والتي عادة ما تعتبر من الأقليات التي تنتقد الحكومة، سيتم تجاهلها. في الواقع، بعض منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، أغلقت مكاتبها في البلاد أو تم منعها من فتح مكاتب جديدة. وشنت القوات الأمنية أيضاً مداهمات على مكاتب الجمعيات المستقلة مثل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكذلك المجموعات التي مقرها في الولايات المتحدة بما في ذلك المعهد الديمقراطي الوطني وفريدوم هاوس.

https://www.bue.edu.eg/

أشارت الوزارة أن أي قرار سيصدر سيحل محل القانون المعتمد حالياً، بعد عرضه على البرلمان المقبل في البلاد. إلا أن النشطاء يتخوفون من اعتماد المسودة الأخيرة التي تمت مناقشتها في شهر حزيران/ يونيو الماضي كقانون نهائي.

يقول محمد زارع، مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “نحن نعتبر أن مشروع القانون خطوة أخرى لسد المجال العام تماماً.” موضحاً أن إغلاق  المجتمع المدني “لن يؤثر فقط على الطلاب ولكن سيؤثر أيضاً على أي نوع من الاستقرار في البلاد” لأن الناس قد تنزل مجدداً للشوارع للاحتجاج على ما يمكن أن يكون ظلماً بحسب قوله.

يوجد في مصر نحو 40 ألف منظمة مصرية غير حكومية، وفقاً لأرقام الحكومة و89 منظمات أجنبية تعمل بترخيص من قبل السلطات الرسمية.

تقول بعض المنظمات غير الحكومية إنها تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج غير مؤثرة سياسياً. قبل نحو شهر، تواصل المركز المصري لدراسة السياسات العامة  مع ثلاث جامعات بهدف العثور على أساتذة للمشاركة في حلقة نقاش حول مشاكل المياه في مصر بحسب ما يقول محمود فاروق مدير المركز. “طلبت منا ثلاث جامعات إرسال بريد إلكتروني يتضمن معلومات عن المنظمة وخلفيتها، ثم قالوا لنا بكل وضوح وصراحة بأنهم سيرسلون المعلومات لوزارة الداخلية بانتظار موافقتها أو رفضها. لاحقاً، أبلغتنا الجامعات الثلاث أنه تم الرفض من قبل وزارة الداخلية.”

وقال فاروق إن التشريع الجديد يمكن أن يخفف من الطابع الرسمي الذي يفرض على الجامعة الحصول على موافقة الأمن للقيام بأنشطة الحرم الجامعي.

خففت مسودة القانون لعام 2012 من بعض القيود على الجماعات المستقلة.

لكن “مشروع القانون مازال أسيراً لفلسفة السيطرة، والتقييد، والوصاية الإدارية التي كانت راسخة على مدى العقود الماضية.” بحسب بيان صدر في شهر أيار/ مايو من نفس العام لأكثر من 40 جماعة حقوقية.

https://www.bue.edu.eg/

وقالت الجماعات الحقوق إن المسودة اللاحقة، في عام 2013، شهدت بعض التحسن، إلا أنها أعطت السلطات القوة لحرمان المنظمات من الحصول على التمويل المحلي والخارجي والاعتراض على عمل أي مجموعة مستقلة.

انهالت الاعتراضات على أخر مسودة، صدرت في حزيران/ يونيو، نظراُ لكونها تمنح السلطات الحكومية والأمن حق الفيتو على جميع أنشطة الجمعيات، وتفرض قيود خانقة على التمويل الأجنبي وتمكن السلطات من تفكيك المجموعات القائمة وتطلب من المنظمات الدولية الحصول على إذن من مسؤولي الأمن للقيام بأنشطة في مصر بحسب التقرير الصادر عن منظمة هيومن رايتس وتش في 14 تموز/يوليو.

كما تمنع المسودة الأخيرة جميع المجموعات من المشاركة في “أنشطة سياسية” وتمنع المنظمات المصرية من التعاون مع المؤسسات الدولية دون تصريح الحكومة.

يقول جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش “لا أرى أي سبب يمنع السلطات من تطبيقه على المجموعات التي تعمل في الجامعات، ومجموعات النقاش، والجماعات السياسية. إن المقصود بالتأكيد هو تعزيز إشراف الدولة على جميع جوانب الحياة المدنية.”

ويقول نشطاء إن التشريع المقترح يهدف إلى السيطرة على عمل المجموعات التي تنتقد الحكومة، مما يمكن أن يعرقل نشاط الطلاب والحريات الأكاديمية. قال أحمد عزت، مدير الوحدة القانونية لمنظمة حرية الفكر والتعبير ومقرها القاهرة إنه من المرجح عدم الحصول على تمويل إذا كان يحتاج لموافقة الأجهزة الأمنية ” لن تعطينا الموافقة خصوصاً مع طبيعة العمل الذي نقوم به.”

وأضاف عزت أن السلطات المصرية أظهرت تسامحاً ضعيفاً مع المعارضة منذ العام الماضي، حيث تم سجن الصحفيين وتعرض الطلاب المحتجين ضد الحكومة أحياناً للضرب والقتل. “لدينا وثائق لجميع تلك الحالات، لذلك نحن لا نتوقع أن الحكومة التي تمنع الناس من ممارسة حقوقهم ستعطي المنظمات غير الحكومية الحق في التمويل من أجل الدفاع عن حقوق هؤلاء الناس.”

 مع ذلك، فإن المجموعات البعيدة عن السياسة والتي تعمل على سد الثغرات في الموارد والبرمجة والتمويل في الجامعات قد لا تتأثر كثيراً بأي تشريع جديد. إذ سيتم اعتبارهم أصول غير مهددة من قبل القيادة في مصر.

لكن بعض الأنشطة التعليمية يمكن أن تعاني من عواقب غير مقصودة أو مباشرة. تقول بريهان الحفني، منسقة وسائل الاعلام الاجتماعية والعلاقات العامة في مؤسسة إنجاز مصر وهي منظمة مصرية تعمل على تعزيز روح المبادرة في الجامعات الحكومية، “ربما لو تأثرت المنظمات الطلابية، سنتأثر جزئياً خاصة وأننا ننفذ ورش عمل بالتعاون مع المنظمات الطلابية.”

بدورها، رفضت ماري س أوت، مديرة بعثة مصر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والتي تدعم الأنشطة المتعلقة بالتعليم الأساسي والعالي في مصر، التعليق على مشروع القانون. لكنها قالت إن منظمتها تقدر شركائها وأن المنظمات المستقلة المصرية لديها الكثير لتقدمه. تقول “لقد عملنا دائما مع منظمات المجتمع المدني في برامجنا على الصعيدين الدولي والمحلي. نحن نعتقد أن لديهم قدرة كبيرة على المساهمة ونود أن نرى بيئة تمكنهم من العمل بفعالية  لمصر.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى