أخبار وتقارير

رجل على صفيح ساخن في جامعة القاهرة

أصبح جابر جاد نصار رئيسًا لجامعة القاهرة، والتي تعد من أكبر الجامعات في العالم حيث يبلغ عدد طلابها ربع مليون طالب، خلال واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ مصر.

وكحال كل رؤساء الجامعات المصرية العامة الذين اعتلوا مناصبهم منذ ثورة 2011،  تولى نصار منصب رئيس جامعة القاهرة بالانتخاب. إذ تولى منصبه في حزيران/ يونيو 2013 في الدورة الأخيرة للانتخابات بفارق صوت واحد فقط. ومع قرب حلول العام الدراسي الجديد، بدأ نصار في إدخال بعض التغيرات الكبيرة، مثل منع النشاط السياسي للطلاب داخل الحرم الجامعي. ومن ثم، يتهمه البعض بتقييد الحريات، بينما يمتدحه آخرون لاتخاذه قرارات حاسمة لحماية الجامعة.

يعد نصار، الذي يبلغ من العمر 52 عامًا، خبيرًا متمرساً في القانون الدستوري وعالم إداري قديم قضى كل حياته العملية داخل جامعة القاهرة. فقد استكمل تعليمه هناك وبدأ مسيرته المهنية كعضو في هيئة التدريس كأستاذ للقانون العام، كما أدار مكتبًا خاصًا للعمل القانوني.  وعمل نصار أيضًا في مجالات شؤون الطلاب، والإدارة القانونية، والتدريب والتنمية، وتولى منصب رئيس مركز حقوق الإنسان التابع للجامعة.

لا يحظى نصار بدعم جميع أعضاء هيئة التدريس. يقول هاني الحسيني، محاضر في الرياضيات “بالنسبة للكثير منا، لم يكن نصار إلا واحدًا من أفضل المرشحين الذين لديهم فرصة حقيقية للفوز في الانتخابات.”

يعتبر الحسيني من أهم أعضاء حركة 9 مارس التي تدعو إلى استقلال الجامعات. وقد أصبح واحدًا من منتقدي سياسات نصار في إدارة الجامعة؛ يقول “لم يقدم نصار بعد أية أفكار جديدة حول التطوير الأكاديمي أو الارتقاء بالبحث العلمي.لقد وعد بتوفير فرص لحوار مفتوح بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ولكنه فشل في الوفاء بهذا الوعد”. وأشار إلى طرده لأكثر من 94 طالبًا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لتورطهم في أعمال شغب خلال العام الدراسي 2013-2014.

أما بالنسبة لآخرين، يمثل نصار أفضل طريقًا للتقدم؛ حيث يقول وائل قرطام، رئيس قسم إدارة الأعمال في كلية التجارة في الجامعة “لقد كان نصار دائمًا إصلاحيًا عمليًا متسقًا مع ذاته. عادة ما يكون أداء رؤساء جامعة القاهرة من أصحاب الخلفيات القانونية أفضل من أداء غيرهم من ذوي الخلفيات الأكاديمية الأخرى، ولكن مع هذه الظروف الصعبة، أعتقد أن مجرد استكمال العام الدراسي يعد إنجازًا في حد ذاته.”

وعلى الرغم من انخفاض مستوى جامعة القاهرة قليلاً في معظم التصنيفات العالمية للجامعات، يقول قرطام إنه، على مدار العام الماضي، شهد البحث والنشر العلمي تطورًا. فقد زاد عدد الأبحاث الدولية المنشورة في كلية التجارة فقط من 50 ورقة بحثية منذ عامين إلى 200 ورقة بحثية، وذلك بفضل المبادرات التي أطلقها نصار.

في حوار مع صحيفة الشروق اليومية المستقلة، قال نصار إنه شكل لجنة يرأسها وزير التعليم العالي السابق حسين خالد بهدف تطوير البحث العلمي في الجامعة.

بالنسبة لنصار ومؤيديه، جاءت القضايا المتعلقة بالأمن على رأس أولويات العام الدراسي 2013-2014. فبعد حوالي عام من الصدامات المستمرة بين الطلاب من جانب وبين الطلاب وأفراد الشرطة من جانب أخر، قرر نصار في الأسبوع الماضي حظر كافة الأنشطة السياسية داخل الجامعة. وكما هو الحال في باقي الجامعات المصرية العامة، قرر نصار تأجيل بداية العام الدراسي، وذلك بهدف زيادة الإجراءات الأمنية، وبصفة خاصة داخل السكن الجامعي، وتشمل هذه الإجراءات تركيب كاميرات المراقبة والاستعانة بالكلاب البوليسية والتنسيق بين قوات الأمن. وأشرف نصار على عودة التعاون مع قوات الأمن داخل الحرم الجامعي، ولكنه انتقد إفراط وزير الداخلية في استخدام العنف أثناء أعمال الشغب التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2013، والتي أدت إلى مقتل الطالب محمد رضا.

دافع نصار عن قراره بطرد الطلاب المتورطين في أعمال العنف داخل الحرم الجامعي واصفًا إياه بأنه قرار ضروري كان يجب على الإداريين اتخاذه. وقال في حديث تلفزيوني “كان الرأي العام موجهًا ضدنا لأننا لم نتحرك بحسم لوقف أعمال العنف والتخريب. وقد استجبنا لذلك.”

حصد نصار الكثير من النقد باتخاذه قرارًا بمنع كل المجموعات الطلابية التابعة للأحزاب؛ يقول أحمد فهمي ممثل الطلاب في الجامعة عن حزب الدستور التقدمي المعارض، والذي أسسه محمد البرادعي الحاصل على جائزة نوبل للسلام تقديرًا لعمله مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية “لم أتفاجأ بقرار نصار، فلقد باع نفسه للسلطة منذ زمن طويل، فهذا القرار يتماشى مع السياسة القمعية التي تمارسها الحكومة المصرية.”

لكن هذا الرأي لا يتفق عليه الجميع. فقرطام الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة نوتينجهام في المملكة المتحدة يقول “جاء رد الفعل أكبر بكثير من حجم القرار. لقد كانت معظم هذه المجموعات الطلابية تُستخدم كأساس وأدوات للاستقطاب للأحزاب السياسية. وهذا الأمر غير مقبول في أي مكان في العالم.”

بدوره، يقول الحسيني إن قرار منع النشاط السياسي للطلاب، وحتى منع طباعة الشعارات السياسية على الملابس، لن يكون من السهل تطبيقه. مضيفاً أن المشكلة في هذا القرار أنه لا يحل المشكلات الأساسية مثل تشدد الطلاب. “يقضي القرار فقط بحل المجموعات التي أُسست بشكل أو بأخر منذ أكثر من 30 عامًا والتي ستستمر في التكون حتى ولو بشكل غير رسمي”، على حد قوله.

يدعي نصار أن قراره لا يعني الحظر التام للسياسة في الجامعة؛ يقول “سنشجع ممارسة السياسة التي تسعى لتحقيق هدف قومي.” باعتباره عضوًا سابقًا في لجنة السياسات التابعة للحزب الوطني الديمقراطي في نظام مبارك السابق، وعضوًا في الجمعية التأسيسية التي تم تشكيلها في عام 2013 لصياغة الدستور المصري، يحظى نصار بتاريخ من العلاقات الوثيقة بالحكومة، باستثناء الحكومة السابقة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين التي كان نصار من أشد منتقديها.

منذ توليه منصبه، يواجه نصار مزاعمًا كثيرة تدعي عمله عن كثب مع السلطات، وأبرزها قبوله التحقيق مع الكثير من كبار المحاضرين في الجامعة، وبصفة خاصة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو من أظهروا تعاطفًا مع الجماعة التي باتت الآن من الجماعات المحظورة. يدافع نصار عن موقفه مبررًا أنه يتماشى مع القانون. وتعليقًا على ذلك يقول قرطام “على الرغم من تطبيقه للقانون بحسم على الطلاب والأساتذة على حد سواء، فإن وجود شخص مثل نصار يحتل هذا المنصب خلال هذه الفترة يعتبر في غاية الأهمية حيث أنه لا يتعارض مع المشروع السياسي المهيمن.”

دعا نصار المصريين للاستثمار في مشروع تنمية قناة السويس والذي دشنه الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فنصار يعتقد أن هذا المشروع سيكون من شأنه “توحيد الأمة”.  كما قفز نصار على الحملة القومية للقضاء على مشكلة التحرش الجنسي من خلال اتخاذ تدابير حاسمة للقضاء على هذه الظاهرة في جامعة القاهرة. وجاء ذلك في أعقاب الواقعة الشهيرة التي انتقد فيها ملابس فتاة في تسجيل فيديو يوضح تحرشًا جنسيًا صارخًا داخل الحرم الجامعي. وقد انتشر الفيديو وتعليقه عليه مما أحدث عاصفة إعلامية، اضطر نصار بعدها إلى الاعتذار.

يقول الحسيني “لم يف نصار إلا بوعد واحد فقط من وعوده الانتخابية، ألا وهو التخلص من الممثلين العسكريين الذين شغلوا مناصب شرفية. يصف مؤيدو نصار هذه الخطوة بأنها إنجاز كبير. يقول لقد قضى على المناصب الاستشارية غير الضرورية التي احتلها مسئولون يتقاضون رواتب كبيرة ولا يقومون بأي عمل يذكر.”

مع وجود اضطرابات وعدم رضا بين صفوف المصريين في ربوع مصر حول أمور كثيرة تتراوح من نقص الكهرباء إلى جودة التعليم، قد يواجه نصار اختبارات أشد قسوة خلال العام الدراسي القادم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى