أخبار وتقارير

كيف يبدو التعليم في ظل حكم “داعش”

في ظل إحكام قبضة ميليشيات مايسمى بالدولة الإسلامية على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بدأت الجماعة المتشددة “داعش” بتوجيه اهتمامها نحو التعليم ملقية بغمامة سوداء على بداية العام الدراسي الجديد.

إذ يرغب قادة التنظيم بفصل الإناث عن الذكور سواء في الصفوف كطلاب ومدرسين وموظفين إداريين. كما قاموا بفرض ارتداء السراويل الواسعة على الرجال وتغطية الوجه والشعر على الإناث.

لغت الجماعة المتشددة دروس الفن، والتاريخ، والجغرافيا،  والفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والديانة المسيحية. كما طلبوا من مدرسي مادة الرياضيات إزالة أية أسئلة ترمز للقروض البنكية، والديموقراطية، والانتخابات. لا يمكن لمدرسي الأحياء تدريس نظرية النوع البشري أو الإشارة إليها. كما تم منع تدريس القصائد الشعرية التي تعود للعصر الجاهلي ضمن منهاج اللغة العربية.

أبدى عراقيون قلقاً متزايداً مع إعلان عناصر التنظيم موعد بدء العام الدراسي في 9 أيلول/ سبتمبر، خاصة مع تزايد الفقر وأعمال العنف. وعليه لم يلتزم غالبية العراقيين بالإعلان. يقول أبو محمد، 27 عام، من الموصل  “رفض أغلبية سكان الموصل إرسال أبنائهم للمدرسة، حيث كان من المقرر متابعة الدراسة. لكن لم تفتح أي مدرسة أبوابها، ولم يحضر أحد.”

منذ أن استولت داعش على الموصل، قام قادة المجموعة المتشددة بفرض تفسيراتهم المتطرفة للشريعة الإسلامية، وإملاء شروطهم على كل شيء بدء من الملابس وحتى أسلوب الحياة في المنازل. دعت “داعش” في بيان إلى مبادرات لخفض مستوى الجهل، ونشر العلوم الدينية، ومكافحة العلوم والمناهج الفاسدة، واستبدالها بمناهج الإسلام الصحيح.

وأقرت داعش بنجاح كل طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية للعام 2013-2014  بغض النظر عن نتيجة الامتحانات أو المعايير الأخرى، إلا لطلاب الثانوية العامة الذين سيلتحقون بالجامعات استناداً لنتائج امتحاناتهم الأخيرة.

كما تمت إزالة كل ما يمجد الوطن والأمة – وبالأخص الحكومة العراقية – من الكتب الدراسية. حيث يفترض استبدالها بخليفة الأمة الإسلامية، أو الحكومة المتدينة. و تم إزالة أي تبجيل وتوقير للطائفة الشيعية من منهج الدين، وأي طوائف أخرى يتم اعتبارها كافرة. فضلاً عن إلغاء فصول الألعاب الرياضية.

وطالب بيان “داعش” أساتذة الكيمياء والرياضيات بتذكير الطلاب باتباع تعاليم الله، وإزالة أي صور أو رسوم توضيحية تعتبر غير إسلامية من المناهج.

لا يختلف الوضع كثيراً في محافظة الرقة شمال سوريا، والتي تسيطر قوات “داعش” على أجزاء كبيرة منها منذ بداية العام الحالي. فقد فرضت الميليشيات على جميع الأساتذة الإلتحاق بدورات إجبارية حول مبادئ الشريعة الإسلامية، بحيث سيتم المتغيبين عن الدورة من التدريس. ويتوجب على المعلمين أيضاً طمس كل الصور التي لا تتفق مع الشريعة، مع إلغاء دروس القومية وتغيير كل ما يرمز للجمهورية العربية السورية إلى الدولة الإسلامية.

تشهد الجامعات أيضاً تغييرات مفصلية في العراق.‪

يقول علي، 32 عاماً، محاضر في جامعة الموصل ” قاموا بإلغاء بعض الكليات وتغيير مناهج كليات أخرى منها الدراسات الإسلامية في كلية الإمام أدهم. كما تم منع شيوخ الصوفية والشيعة من تدريس القرآن في المساجد.”

يعتقد بعض أن قرار “داعش” مواصلة العام الدراسي هو أحد أساليبهم لاستعراض سلطتهم على المناطق الشاسعة التي استولوا عليها في العراق وسوريا، ولنشر فكرهم المتطرف.

تقول أم شمس،45 عاماً أم لطفلين في الموصل، “إنهم يستخدمون الأطفال، لا أكثر. يريدون أن يظهروا للعالم أنهم يحكمون المدينة، وأنهم ليسوا خائفين من التحالف العالمي ضدهم. لكن مع بدء قصف، لن يبقى أي طالب.”

يقاوم السكان المحليون. يقول أبو محمد، “أؤكد لك أن لا أحد من سكان الموصل سيرسل بأبنائه للمدارس ليتم تسميم عقولهم بالفكر المتطرف.”

يبدي الطلاب تخوفهم كون الإلتحاق بالمدارس لن يكون ذو أثر حقيقي على مستقبل تعليمهم. تقول أم شمس “الطلاب خائفون. إذ لن يتم الاعتراف بالشهادات التي سيحصلون عليها تحت حكم داعش. يرفض ابني البالغ من العمر 18عاماً الذهاب للمدرسة التي لن يعترف بها أحد.”

في المقابل، يبدو المدرسون والإداريون حائرون بشأن ما يتوجب عليهم فعله. حيث قامت الميليشيات المسلحة بتوزيع بيان يحصر العملية التعليمية بالشريعة دون ذكر التفاصيل. يقول مدير مدرسة طلب عدم الكشف عن اسمه “طالبوا الأساتذة والمدريين بالحضور للمدارس لكن لم يذكروا أي معلومات حول الأجورعلى سبيل المثال.”

منذ حزيران/ يونيو، اقتطعت “داعش” جزء من الأجور. وهي معضلة نظراُ لكون أغلب السكان موظفين حكوميين. يشعر الكثير من الموظفين بأن حصولهم على أجور هو أمر جيد في حد ذاته في ظل الظروف المضطربة. حصل  بعض المعلمين على أجورهم لشهري تموز/ يوليو واب/ أغسطس لكنهم غير متأكدين إذ كانوا سيحصلوا عليها في أيلول/ سبتمبر.

لايعرف الكثير من المسؤولين كيف يمكن أن يتصرفوا في غياب أي سلطة رسمية واضحة. يقول أبو محمد ” المسؤولون واقعون بين مطرقة داعش الحديدية وسندان الحكومة العراقية.” إذ أعلنت قيادات الدولة الإسلامية أنه يتوجب على الأساتذة الحضور إلى المدارس أو سيتم إيقاف أجورهم. بدورها، أعلنت الحكومة العراقية أن أي مدرس سيذهب للعمل في محافظة نينوى، والتي تقع مدينة الموصل ضمنها، سيتم وقف أجورهم.

مر أول يوم للدوام الرسمي للمدارس، 9 أيلول/ سبتمر، بعدد قليل من الأساتذة والطلاب.

يقول علي، المحاضر في جامعة الموصل، “فتحت المدارس والكليات أبوابها. لكن الموظفين قاموا بالإمضاء على ورق الحضور ثم انصرفوا.”

في الوقت نفسه، يبدي الطلاب تخوفاً من الذهاب للمدارس. حيث يقوم حراس داعش بتفتيش الطلاب على أبواب المدارس للتأكد من عدم دخول الطلاب بزي “غير إسلامي”. كما يتم تفتيش هواتف الطلاب النقالة بحثاً عن الأغاني، ويطالبون المدرسات والطالبات بتغطية وجوههم وارتداء قفازات لليد، طبقاً لكلام أم شمس، والتي أضافت أيضاً بأن لديها مخاوفاً أكبر.

“هذا لا يحتمل. أخشى أن يفرضوا على الطلاب مشاهدة عمليات إعدام وحالات عقاب جماعية لأنهم الآن ينفذونها في الأماكن العامة.”

تخوف أم شمس يدعمه بيان التعليم الصادر عن داعش نفسها، والذي طالبت به الأكاديميين والمدرسين داخل الموصل وخارجها بمساعدة قواتها العسكرية مستشهدين بالقرأن الكريم وقوله تعالى “ترهبون به عدو الله وعدوكم.”

يقول البيان أيضاً أن تدريب الجيش سيكون إجباري لأن” “جوهر الدين يتكون من إتباع القرآن وتحقيق النصر بالسيوف.”

يقول بعض الأباء إن الأطفال لا يستوعبون ما يحدث بشكل كامل.

تقول أم شمس ” ذهب بعض أصدقاء ابني للمدرسة حيث طالبهم عناصر داعش بارتداء السراويل الواسعة وربط أزرار قمصانهم بالكامل. يسخر الطلاب من المدرسات اللواتي يغطين وجوههن ولا يدركون خطورة وضعنا.”

* ساهمت رشا فائق في إعداد التقرير من عمان- الأردن.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى