مقالات رأي

كيف يبدو العام الجامعي الجديد فى مصر؟

لا أمتلك إجابة على السؤال الذي اخترته عنواناً لمقالي. إذ لايعلم أحد على وجه الدقة ما الذي يحدث اليوم في مصر، فكيف سنعرف إذن ما الذي سيحدث؟!

رغم ذلك، فإنني سأحاول تقديم قراءة متواضعة لمجموعة مؤشرات تؤكد أن العام الجامعى الجديد يبدو غامضاً فى أكثر العبارات تفائلاً، و” على كف عفريت” في أكثرها تشاؤماً!

لا تنحصر المشكلة فقط فى محاولة الإجابة عن السؤال السطحي “كيف نواجه طلاب الإخوان” والذي تعتقد الحكومة المصرية أنه الأهم، لكنها تتطلب الإجابة على سؤال أكثر عمقاً وتعقيداً وهو “كيف تتعامل الجامعة مع شباب مقموع ومكبوت وغير مدمج فى العملية السياسية؟”.

يصر المسؤولون على اختزال المشكلة وتبسيطها بكونها مواجهة تقليدية بين “الإخوان” و” الدولة”، لذلك غرقوا في اتخاذ مجموعة قرارت اعتقدوا أنها ستقضى على الطلاب الإخوان وتنهي المشكلة. بدأت الحكومة فى بسط نفوذها على العملية التعليمية من خلال اصدار قانون “تعيين القيادات الجامعية” المخالف بشكل صريح للدستور الذى نص على “استقلال الجامعات”، بحيث أصبح تعيين رؤساء الجامعات والعمداء بقرار من رئيس الجمهورية شخصياً، ثم بدأ استهداف الطلاب عشوائياً بحيث تم فصل عشرات الطلاب (منهم ثلاث طالبات فى الكلية التى أدرس بها) في جامعة القاهرة وحدها من دون إجراء أي تحقيق وهو انتهاك لأبسط قواعد العدالة!  ثم كان قرار رفع مصاريف الإقامة فى المدن الجامعية اعتقاداً بأن طلاب الإخوان وحدهم ينتمون الي الطبقات الأقل حظاً وبالتالى يمكن استبعادهم من الإقامة فى المدينة الجامعية!

ثم كان قرار تأجيل الفصل الدراسى أكثر من مرة وأخرها قرار تأجيل الدراسة الى ١١ تشرين الأول/ أكتوبر عوضاً عن الأسبوع الثالث من أيلول/ سبتمبر كما جرت العادة. مما يعني أن مدة الفصل الدراسي الأول ستكون شهرين فقط وأن معايير جودة التعليم تتحول تدريجياً إلى حبر على ورق!

بين هذا وذاك كان الإصرار على لائحة طلابية تم الاعتراض عليها من قبل ١٧ اتحاداً جامعياً من أصل عشرين اتحاداً عاماً للطلاب، وهى لائحة مقيدة بشدة للنشاط الطلابي المستقل ومؤممة تماماً لأى مساحة حرية طلابية بعيداً عن توغل الإدارة والأمن.

وهنا يتوجب علي التنويه أنه رغم بؤس قانون تعيين القيادات الجامعية الجديدة، فإن رؤساء سبع جامعات لم يتم تعينهم بعد رغم اقتراب الفصل الدراسى الجديد ومعهم العشرات من عمداء الكليات مما يعكس مزيجاً من التخبط ووالعشوائية والتغول على الحريات والاستقلالية.

بعد كل هذه الإرهاصات، كيف يمكن أن نتوقع العام الجامعى الجديد ؟

أولا: الجامعة ليست مجرد فصل دراسى يتم تداول فيه المعلومة بين أستاذ وطالب وبينهما جهاز إداري. لكنها منظومة متكاملة يتم فيها التفاعل بين أصحاب الدرجات العلمية والخبرات الحياتية المختلفة فى مساحة يفترض أن تكون حرة وأمنة ومستقلة. أما عن كونها حرة فيعنى ذلك أن تخلو من القيود السلطوية التى تقيد حرية الفكر والتعبير وممارسة الأنشطة بكافة تنويعاتها الفنية والأدبية والدينية والسياسية اللهم إلا من ضوابط تحدد العلاقة وتضبطها فى إطار ماهو متعارف عليه دولياً. وأمنة بمعنى ألا يتعرض أحد عناصر هذه المنظومة إلى ضرر نفسي أو مادي أو معنوي من وراء أرائه ومواقفه داخل الحرم الجامعى أو خارجه. أما الاستقلالية فتعنى ألا تصبح الجامعة أداة فى يد السلطة (أى سلطة) للتعبئة العامة والحشد. وهذه المعاني للأسف تتلاشى تدريجياً الأن فى مصر فمساحة الحريات الجامعية تضاءلت ولم يبق منها سوى هامش محدود نتمنى ألا يضيع. أما الحديث عن الأمن فحدث ولا حرج، فقد تحولت الجامعة في مصر تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية. ورغم أن الاستقلالية محمية بواسطة الدستور بشكل صريح إلا أن الإجراءات التي أوردتها أعلاه توضح حجم الانتهاكات التي طالت الدستور المعتمد شعبياً وسياسياً بأغلبية ساحقة قبل شهور قليلة.

ثانياً: بسبب العقلية الأمنية فى إدارة المشهد السياسي عامة والجامعي تحديداً، أصبح الطلاب سواء من مؤيدي الإخوان أو معارضي السلطة والإخوان – وهي فئة مسكوت عنها دوماً لحصر المواجهة بين طلاب الإخوان والدولة- سريعي الاستفزاز خاصة مع الإشارات القوية لتقييد أنشطتهم المختلفة من قبل سلطة لا تناقشهم بل  تقمعهم وتقيدهم. إذاً، نحن أمام احتقان غير عادي قد ينفجر فى أعمال عنف جديدة أو يتمثل فى إنسحاب متزايد من البيئة الجامعية والعمل العام بأكمله.

ثالثاً: لايتمتع الأساتذة بحال أفضل. فمع أعبائهم المادية والاجتماعية، مازال بعضهم يدفع أثمان مواقفه السياسية، والبعض الأخر لم يطاله أذى بعد لكنه يعلم أنه قد يطوله أجلاً أو عاجلاً. إضافة إلى  حالات الاستقطاب المجتمعي والسياسي خواء البيئة التعليمية علمياً وأدبياً ومادياً (أبنية ووسائل تعليمية).

رابعاً: إذا كانت بعض التصرفات الصادرة عن بعض طلاب الإخوان مرفوضة، فإن رفضها وشجبها لا يجب أن يشتغل لتأجيج العنف. إن استهداف الطالب لمجرد كونه إخواني مرفوض، وحل الأزمة لا يكون إلا بالنقاش والإحتواء واحترام حرية التعبير.

خامساً: أرفض بشدة تسييس الجامعة أو تحزيبها ولكن هل يعني ذلك أن نمنع الأنشطة السياسية؟ هل يعني ذلك تكرار  كلام نظام مبارك الفاشل من أن السياسة للعلم فقط وليست للممارسة؟ وما هو تعريف الأنشطة السياسية إذاً؟ وبعد الثورات والانتفاضات الشعبية لايمكن أبداً منع السياسة داخل الجامعات المصرية.

إذاً ما الحل؟

على الرغم من أن إيجاد الحلول من مسؤولية السلطة، خاصة إذا كانت هى المتسببة في المشكلة أو بمعنى أدق فى تراكم المشاكل، فإن الحل يتمثل في إعادة احترام الدستور وإعادة النظر فى قانون تعيين القيادات الجامعية وفقاً للمعايير الدولية التي يتم التغنى بها ولا يتم تطبيقها. كما يتوجب ميثاق شرف جامعي من قبل لجنة تضم عدداً من الأساتذة المهمومين بالشأن الجامعي مع عدد من القيادات الجامعية الحالية وممثلين عن المجلس الأعلى للجامعات والطلاب لإعادة وضع الضوابط الخاصة بالأنشطة الجامعية بالتوازي مع قرارت سياسية للإفراج عن الطلاب المحبوسين احتياطياً والذين لم تثبت عليهم تهم التورط فى العنف. إضافة إلى إجراء تحقيقات جادة ومحايدة في حوادث مقتل الطلاب داخل الحرم الجامعي.

بالطبع يتطلب ذلك تحقيق العدالة الانتقالية في البلاد وحللة الأزمات السياسية والأمنية تباعاً واعتماد النقاش والتفاوض كمبادئ للتعاطي مع المختلفين. في الواقع، الحلول كثيرة لكنها تتطلب إرادة سياسية فهل تتوفر؟ هذا هو السؤال الذي لايجب أن يضيع فى زحمة التفاصيل!

* أحمد عبد ربه، مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى