أخبار وتقارير

الانتفاضات العربية تشعل الإبداع السينمائي

لندن— مازالت الثورات العربية تترك آثاراً إيجابية على صناعة السينما العربية، حيث أن الموضوع مازال يلهم الإبداع السينمائي في العالم العربي رغم التمويل المحدود، ورقابة الدولة وصعوبات التوزيع في المنطقة.

كان هذا واحداً من العديد من المواضيع التي تم نقاشها في ندوة أًقيمت في معهد لندن للفنون المعاصرة في 20 أيلول/ سبتمبر كجزء من مهرجان سفر للسينما العربية، الذي انطلق قبل عامين في لندن ليعرض الأفلام المستقلة التي أبهرت النقاد وحازت على جوائز من جميع أنحاء العالم.

يستعيد المهرجان الإنتاجات السينمائية العربية من مختلف الدول من بينها المغرب واليمن ومصر ولبنان، والتي تمتد عبر أربعة عقود بين فترة 1970 و2013. يقدم المهرجان كلاسيكيات كفيلم “العصفور” ليوسف شاهين (1972)، والذي يقدم  لغز جريمة قتل على خلفية هزيمة مصر في حرب عام 1967، و”البيت الزهري” (1999)، عن منزل قديم وغريب في بيروت وسكانه المتنوعون  في مرحلة ما بعد الحرب ، بالإضافة إلى فيلم “فتاة المصنع” (2013) الذي يحكي قصة حب عاملة في مصنع بالقاهرة والأزمات الاجتماعية التي تتعرض لها.

خلال الجلسة الأولى للمهرجان، قال الدكتور مالك خوري من الجامعة الأمريكية في القاهرة إن الثورة المصرية أحدثت اهتماماً دولياً متجدداً في السينما المصرية، ووفرت فرصة لمواجهة الصور النمطية الاستشراقية الغربية.

تبدو المهرجانات السينمائية مثل سفر ضرورية للغاية، كما قال، لأنها تمثل “نظرة بديلة كليا لما يجب أن ينظر إليه من تاريخ السينما العربية. وتؤكد على كون السينما العربية الشعبية هي الخطوة الأولى ليصبح الغرب أكثر توجهاً مع ديناميكيات السينما العربية والسينما المشاهدة في العالم العربي.”

وقالت المخرجة الدكتورة فيولا شفيق إن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ قد أحدثت تغييراً في السينما. “على أقل تقدير، كانت هناك محاولات لخلق نوع مختلف من السينما القريبة من الناس، والتي تعبر عن [أصوات] المحرومين.”

تحدثت الدكتور شفيق جنبا إلى جنب مع المخرجة سارة إسحاق عن معنى السينما الثورية، وهو الموضوع الذي عملت عليه اسحاق بشكل وثيق في أفلامها “الكرامة بلا جدران” و”بيت التوت” حول الانتفاضة اليمنية عام 2011.

رأت إسحاق أن تجربتها في صناعة الأفلام الثورية في اليمن  كانت تجربة ثورية بنفسها، لا سيما لكونها إمرأة حيث سُمح لها بالاطلاع على تجارب عائلية خاصة في بلد عربي محافظ. قالت “السماح للكاميرا بالدخول لهذا الحيز الخاص جدا، ومعايشة قبول الأسرة لها على مدار عام ونصف كان ثوريا بالنسبة لي.” ( شاهدوا إعلان الفيلم هنا.)

وأكد المخرج المصري القدير، محمد خان، على نظرية الدكتورة شفيق حول ولادة الفوضى لطفرات إبداعية في صناعة السينما،”لسوء الحظ، الحروب تنتج الكثير من الفن الجيد”.

وقال خان في جلسة مع ابنته المخرجة نادين خان، والمخرج اللبناني خليل جريج، “من رحم البؤس يأتي الفن الجيد. عند الضغط على الناس، يبدعون أكثر.”

تحدث خان عن انتاجه لفيلم “فتاة المصنع”، الذي تم تصويره مع ممثلين غير معروفين ومع عمال المصنع الحقيقيين لخلق تمثيل حقيقي للطبقة العاملة في القاهرة. (شاهدوا إعلان الفيلم هنا.)

في حين كان موضوع الاضطرابات الاجتماعية وتمثيل المحرومين شائعاً في أفلام المخرجين الثلاثة، أكد خان أن عمله ليس شكلا من أشكال التعليق الاجتماعي “أنا لا أسعى إلى لعب دور المصلح الاجتماعي. أحاول أن أروي القصة. وآمل أن يدفع ما أحاول قوله الناس للإحساس والتفكير.”

لفيلمها “هرج ومرج” (2012) الحائز على جوائزة ، خلقت نادين خان عالم سريالي مواز قد يوجد في أي مكان في الشرق الأوسط، وليس فقط في مصر. قالت “أردت أن أخلق عالما مختلفا ذو أخلاق وقواعد خاصة، وجعله مألوفاً ولكن بطريقة أو بأخرى مختلف جدا.”

كانت النتيجة صورة قاتمة لمجتمع وحشي. لم يحظ الفيلم بموافقة الرقابة عام 2010، لكن خان استفادت من فترة الحرية الوجيزة في مصر بعد الثورة وحصلت على موافقة في منتصف 2011. (شاهدوا إعلان الفيلم هنا.)

“كنت محظوظة، لأنني لو انتظرت أكثر لما كنت أنجزت الفيلم. أعتقد أن الرقابة اليوم أسوء مما كانت عليه قبل الثورة.”

وعلى الرغم من عرضه قبل 14 عاماً، يبقى فيلم “البيت الزهري” راهناً كما يقول مخرجه خليل جريج “بعض مواضيع الفيلم مازالت معاصرة اليوم. إذ لا يوجد حتى الآن حل للمشاكل التي طرحها الفيلم.”

يتناول الفيلم قضيتين معاصرتين جداً عن اللاجئين، حيث أن ثلت السكان في لبنان نازحين بسبب الحرب الأهلية حسب قول جريج، وتدمير التراث الثقافي من خلال مشاريع التحضر.

وعلى الرغم من نجاح الفيلم، يقول جريج إنه لا يستطيع انتاج نفس الفيلم اليوم بسبب غياب الدعم المالي للأفلام المستقلة. ” تمكنت من الحصول على مليون يورو للفيلم، اليوم لا يمكنني الحصول على أكثر من 400 ألف يورو من كل الجهات المانحة.” وأضاف أن المهرجانات السينمائية العربية يجب أن تعوض عن شح منح الاتحاد الأوروبي وغياب الدعم الحكومي لصناعة الفيلم. “لبنان بلد فقيرة. ولا يوجد مؤسسات داعمة. حتى في حال وجود مال من المؤسسات، فإننا لن نحصل عليه قبل خمس سنوات.”

كما اشتكى جريج من عوائق التوزيع في العالم العربي، حيث توجد فرص أكثر لعرض الافلام العربية في المهرجانات الأوروبية من المهرجانات العربية.

“من الأسهل بالنسبة لي ان أحصل على تأشيرة دخول إلى أوروبا من لبلد عربي آخر، وهذا الحال ينطبق أيضاً على السينما العربية.”

توافق نادين خان أن التوزيع يمثل مشكلة رئيسية تؤثر على صناعة السينما، مشيرة إلى أن احتكار شاشات السينما في مصر من قبل شركات الإنتاج الكبرى يؤثر سلبياً على الأفلام المستقلة ذات الميزانيات المنخفضة.

“في مصر، موزع الفيلم هو أيضا صاحب السينما ومنتج الأفلام. في نهاية المطاف، أنا أريد عرض فيلمي للجمهور المصري. إذا وجدت الموزع الذي سيساعدني على هذا، لا يهمني لو كان في مصر أو دولة عربية آخرى أو أي مكان في العالم.”

لا يزال محمد خان متفائلا بشأن مستقبل السينما العربية المستقلة .

“نحن في وقت صعب، لكن هناك الكثير من الشباب ذوي الافكارالجديدة والأفلام الجريئة، مما يجعلني متفائلا. ستزول أسماؤنا قريباً، وسيبقى الشباب لصناعة الأفلام والتأثير على ما يحدث في العالم، وسرد القصص.”

تم تنظيم مهرجان سفر من قبل المركز البريطاني العربي واستمر حتى 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى