أخبار وتقارير

نتائج متفاوتة لتجربة الإمارات في تأسيس فروع لجامعات أجنبية

دبي، الإمارات العربية المتحدة- تبعد جامعة هيريوت وات في دبي كثيرًا عن موطنها الأساسي.

سعيًا منها إلى الوصول للعالمية، أنشأت المؤسسة الاسكتلندية فرعًا لها منذ ثماني سنوات في دبي على أن تستمر على المدى الطويل؛ حيث يقول عمار كاكا، المسئول عن الفرع والعميد التنفيذي لجامعة هيريوت وات في دبي “سنستمر هنا لمدة طويلة. فلقد أسسنا بالفعل استثمارًا كبيرًا.”

ويعتبر هذا المنهج أحد العوامل وراء نجاح فرع هيريوت وات في دبي؛ ويساهم أيضًا في تعزيز فرص نجاح الجامعات الأخرى، كما يقول الخبراء. فلقد خلقت هذه المؤسسات – التي تسعى لتحقيق أهداف واقعية وفقًا لخطط دقيقة وطويلة المدى – بيئةً صحية لنمو الجامعات وازدهارها في دولة تشهد طلبًا متزايدًا على التعليم العالي.

قال وارين فوكس من هيئة المعرفة والتنمية البشرية، وهي هيئة محلية تشرف على التعليم في دبي “يعتبر هذا النموذج للجامعات نموذجًا صحيًا ومن المزمع أن يستمر كذلك. فعندما ننظر إلى العدد الإجمالي للمؤسسات مقارنة بعدد الطلاب، سنجد أن الأرقام لا تزال إيجابية وفي زيادة مستمرة.”

حاجة متزايدة

يزيد اتجاه عددًا ملحوظًا من السكان نحو اقتصاد معرفي أكثر تنوعًا من الطلب على التعليم العالي في الإمارات العربية المتحدة، كما جاء في تقرير تموز/ يوليو 2014 الصادر عن هيئة مراقبة الجودة للتعليم العالي، وهي هيئة مستقلة مقرها المملكة المتحدة. فقد جاءت زيادة عدد المؤسسات غير الفيدرالية نتيجة لهذا الطلب المتزايد، كما جاء في التقرير.

جامعة ولونغونغ في دبي

تستضيف الإمارات العربية المتحدة حاليًا 35 فرعًا دوليًا للجامعات على المستوى الوطني –  وهو ما يزيد عن أية دولة على مستوى العالم، حسب أرقام هيئة المعرفة والتنمية البشرية، والتي تختلف عن غيرها من الهيئات وفقًا لتعريف ما يسمى “بالحرم الجامعي”؛ حيث تستضيف دبي وحدها 26 فرعًا، بينما أُسست الفروع الأخرى في أبو ظبي ورأس الخيمة والواقعة أقصى شمال الإمارات السبعة.

في دبي، استقرت البرامج الدولية في المناطق الحرة، والتي تسمح للمؤسسات بملكية أجنبية كاملة. تُخصص منطقتان حرتان؛ هما مدينة دبي الأكاديمية الدولية وقرية دبي للمعرفة، وذلك للتعليم العالي وإدارة الموارد البشرية على التوالي؛ حيث تستضيف فروعًا لـــــ 21 جامعة أجنبية من 10 دول مختلفة. ويقول فوكس إن الكثير من الطلاب الملتحقين بهذه المؤسسات من المغتربين الذين يعيشون بالفعل في الإمارات العربية المتحدة ويدرسون الماجستير ويعملون في نفس الوقت. “نحن نخدم السكان المغتربين بشكل أساسي؛ حيث يشكل المغتربون حوالي 90في المئة من سكان دبي.”

فمع وجود 57 مؤسسة للتعليم العالي في دبي، بما فيها المؤسسات الفيدرالية والمحلية والمهنية والأجنبية، يكمن التحدي الأساسي في التنافس على جذب الطلاب للجامعات الأجنبية، كما يقول بيتر هوك، مدير التسويق واستقطاب الطلاب في جامعة ولونغونغ في دبي “لا يزال السوق في مرحلة النضوج.”

ويعتبر عدد الطلاب الملتحقين بولونغونغ، والتي أُسست في دبي في  التسعينيات، في زيادة مستمرة. وقال دانيال كراتوتشفيل، مدير مكتب التخطيط والأداء في الجامعة “لقد بدأنا ببطء بتوقعات واقعية، ولذلك كان النمو الذي حققناه مناسبًا ومتوافقًا مع السوق.”

وأضاف “إذا نظرت أية مؤسسة أجنبية لدبي على أنها إلدورادو؛ حيث يمكن جني الأموال بسرعة، ستؤدي هذه التوقعات غير الواقعية حتمًا إلى عدم استمرارها طويلاً. وتعتبر السمعة الطيبة التي يتداولها الناس من الأسباب الرئيسية وراء استقطاب الطلاب، فالناس يثقون بأننا مستمرون، فنحن لا ندير أعمالاً مشبوهة.”

كما يعتبر التسويق الجيد والدعم القوي من الجامعة الأم والفهم الجيد للمشهد التعليمي على الساحة من بين العوامل التي تساعد على نجاح الفروع الجديدة للجامعات، كما يقول أيوب كاظم، والذي يشرف على قرية دبي للمعرفة ومدينة دبي الأكاديمية الدولية باعتباره المدير التنفيذي للمجموعة التعليمية لاستثمارات تيكوم TECOM.

كما يساعد تقديم برامج تفي بالاحتياجات المحلية أيضًا على استقطاب الطلاب. فبعد تقليص نطاق عملها في 2010 مع فشلها في جذب عدد كاف من الطلاب، تركز جامعة ولاية ميتشيجن حاليًا على درجات الماجستير والتعليم التنفيذي والأبحاث مع سعيها لتقديم مجالات دراسية مطلوبة في الإمارات والمنطقة بأسرها. وقالت تيسا دنسيث، المدير التنفيذي لجامعة ولاية ميتشيجن في دبي “يعتبر القانون وأمراض التخاطب من المجالات الأساسية التي نركز عليها حاليًا، فنحن لا نسعى الآن إلى زيادة مجالاتنا.  ولكن نركز على تقديم منتج يمتاز بجودة عالية.”

إغلاق بعض الجامعات

تعتبر جودة التعليم من الموضوعات الحساسة في الإمارات العربية المتحدة؛ حيث لا يوجد سياسة عالمية لضمان الجودة والاعتماد في مجال التعليم العالي، ولكن يعوض هذا النقص وجود مجموعة من الهيئات التي تشرف على مختلف المؤسسات والمناطق الحرة.

وبعيدًا عن المناطق الحرة، يجب أن تُرخص وتُعتمد مؤسسات التعليم العالي من قبل لجنة الاعتماد الأكاديمي والتي تقع تحت مظلة وزارة التعليم، ووفقًا لهيئة ضمان جودة التعليم العالي. وفي حين لا تلتزم المؤسسات الأجنبية العاملة في المناطق الحرة بالحصول على ترخيص فيدرالي، يمكنها الحصول عليه إذا أرادت ذلك.

وتختلف إجراءات مراقبة الجودة بين المناطق المختلفة. فلا تواجه الجامعات في رأس الخيمة والواقعة كلها في منطقة حرة واحدة أية متطلبات أو عوائق محلية وفقًا لهيئة ضمان جودة التعليم العالي. ولكن في المنطقتين الحرتين في دبي، يجب أن تتم الموافقة على كافة برامج التعليم العالي وتسجيلها من قبل هيئة المعرفة والتنمية البشرية؛ حيث تُقَيم جهة داخلية في الهيئة الجودة في فروع الجامعات الدولية استنادًا إلى تدابير مراقبة الجودة والاعتماد من دول الجامعات الأم، وذلك بما يتماشى مع هيئة ضمان جودة التعليم العالي.

ويعني هذا أنه في دبي يوجد ثلاثة مستويات لمراقبة الجودة والاعتماد، وهي إجراءات الجامعات الأم، وإجراءات هيئة المعرفة والتنمية البشرية، وإجراءات الاعتماد من قبل اللجنة الفيدرالية. قالت جاين نايت، أستاذ مساعد في قسم القيادة والتعليم العالي وتعليم الكبار في جامعة تورنتو “قد يخلق ذلك بعض التداخل ويُوجِد بعض الفجوات أيضًا. فلا يخفى على أحد وجود هذه المشكلة، ولكنني أعتقد أن دبي قد أخذت بالفعل خطوات واضحة للتعامل مع قضية ضمان الجودة في فروع الجامعات الأجنبية.”

وقبل أن تبدأ هيئة المعرفة والتنمية البشرية في مراجعة فروع الجامعات، أُغلقت إحدى هذه الفروع بسبب الفشل في الحصول على الترخيص المناسب، كما قال فوكس. وبعد ذلك أغلقت الهيئة ثلاثة فروع أخرى. ومن جانبها، قالت كارولين كامبيل، عضو المجلس الاستشاري لمرصد التعليم العالي بلا حدود، وهي منظمة بحثية للتعليم العالي مقرها المملكة المتحدة “تؤكد هذه الإجراءات على تمتع هذه المؤسسات بالحسم، فلم تخشى من اتخاذ قرارات قد يراها البعض صعبة تحقيقًا لمصلحة الطلاب والآباء وحفاظًا على سمعة المدينة الأكاديمية.”

وهناك قضية أخرى هامة تتعلق بفروع الجامعات، ألا وهي الاعتراف بالدرجات الأكاديمية التي سيحصل عليها الخريجون. لا تعترف الحكومة المركزية بالكثير من فروع هذه الجامعات لأن الكثير منها غير مرخص أو معتمد من اللجنة الفيدرالية. بينما قد لا يعني هذا الأمر كثيرًا بالنسبة للمغتربين، لكنه قد يمنع القطريون من الالتحاق بهذه الجامعات غير المرخصة، إذا ما كانوا يبحثون عن عمل حكومي أو يسعون لاستكمال تعليمهم في مؤسسة فيدرالية مرخصة.

كما ينبغي أن ينتبه المتقدمون لعروض مختلف المؤسسات الجامعية؛ حيث يوجد هناك مؤسستان فقط معترف بهما ومقرهما المملكة المتحدة تضمان وجود مستوى المرافق التي يتوقعها الطلاب من جامعات المملكة المتحدة، حسبما جاء عن هيئة ضمان جودة التعليم العالي.

أبو ظبي: استراتيجية مختلفة

جامعة نيويورك ابوظبي في جزيرة السعديات

على بعد ساعة جنوب غرب دبي، تقع أكبر إمارة في الإمارات العربية المتحدة، ألا وهي أبو ظبي والتي تضم أيضًا فروعًا لجامعات أجنبية، من بينها جامعة السوربون في باريس وجامعة نيويورك، والتي رحبت بعدد 740 طالبًا في مبناها الجامعي هذا العام، وحققت معدل قبول 6 في المئة بين الطلاب الجدد، وهي نفس النسبة التي حققتها جامعة هارفارد في كامبريدج.

وفي سياق متصل، قال البوم، نائب رئيس جامعة نيويورك في أبو ظبي في بريد إلكتروني “منذ خمس سنوات فحسب، وقبل استكمال الدفعة الأولى، كان هناك الكثير ممن توقعوا فشلنا في استقطاب مجموعة من أفضل طلاب العالم إلى أبو ظبي، أو جذب أفضل أعضاء هيئة التدريس من أفضل الجامعات على مستوى العالم. ولكننا أثبتنا أنهم كانوا مخطئين.”

بدأ الطلاب القادمون من 107 دولة عامهم الدراسي في مبنى جامعي جديد، مما يؤكد على إستراتيجية الإمارة في جذب المؤسسات الأجنبية. فقد تم تمويل المجمع التعليمي من قبل حكومة أبو ظبي. ويؤهل هذا الدعم والتمويل المحلي المؤسسات الأجنبية للتوسع بشكل أسرع من الجامعات في الأماكن الأخرى، وكما قال جاسون لاين، مدير الدراسات التعليمية وزميل في معهد نيلسون أ. روكفيلر للحكومة “ليس للجامعات دور في التمويل، فدورها ينحصر في خلق اسم للمؤسسة.”

وقد تكون هذه ميزة مبدئية، ولكن يعد نموذج الفروع الجامعية في دبي؛ حيث تؤجر الجامعات أو تبني مبانيها أكثر استدامة على مدار الوقت، كما قال لاين. فهناك التزام أكبر من المؤسسات بالتواجد هناك وتحقيق الاستدامة.

مركز تعليمي

أشارت نايت أن استدامة المباني الجامعية يعد عنصرًا هامًا لتحقيق النمو للإمارات العربية المتحدة باعتبارها مركزًا تعليميًا.

وترى نايت أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر من بين أكبر ستة مراكز تعليمية حول العالم، ولكن يبدو أنها الوحيدة التي تفتقر لإستراتيجية قومية متناغمة للتطوير؛  حيث يتم التخطيط على المستوى المحلي للإمارات. وأضافت نايت “قد وفر ذلك فرصًا للابتكار ولكن من ناحية أخرى أثار قضايا تتعلق بالاستدامة وقلة التنسيق وضياع الفرص للاستفادة من بعض المبادرات.”

في رأس الخيمة، تعتبر المؤسسات التعليمية جزءًا من دفعة تنموية كبيرة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجامعات الأجنبية، تظل الإمارة على الهامش، كما يرى الخبراء. قال لاين “لقد كانت تلك الجامعات أقرب للتجريبية بدون رؤية واضحة.” منذ خمس سنوات، أغلقت جامعة جورج ماسون أبوابها في الإمارات، وكما جاء في تقرير يوليه 2009 “الأسباب كثيرة، ومن بينها الأزمة الاقتصادية العالمية.”

على الرغم من التحديات التي واجهتها الجامعات الأجنبية، تعتبر الإمارات العربية المتحدة أكثر وجهات التعليم العالي في المنطقة جذبًا للطلاب والرابعة على مستوى العالم، كما جاء في استطلاع رأي للطلاب في 2012 أجرته مؤسسة ديلويت والمجموعة التعليمية لتيكوم للاستثمارات والتي تدير المنطقتين الحرتين في دبي. داخل الإمارات، فضل معظم الذين شاركوا في الاستطلاع إمارة دبي، ويرجع ذلك إلى عدد الجامعات الأجنبية فيها. وقال فوكس من هيئة المعرفة والتنمية البشرية “إنها تجربة دولية جديدة ونحن نعمل معها ولها ومتحمسون لأن نرى نتائجها في غضون عقد أو عقدين.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى