أخبار وتقارير

داعش تجسد كوابيس فرانز كافكا في الموصل!

يعاني طلاب الجامعات العراقية والذين يقيمون في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الدولة الإسلامية معاناة شديدة، كما لو كانوا أبطالاً لنسخة عربية من إحدى قصص كافكا الكابوسية. حيث يعيشون في خضم بيئة من الحروب والتغيرات غير المتوقعة في نقاط التفتيش. ولكن مع الأسف بالنسبة للطلاب تعد الرحلات القاسية للحصول على شهاداتهم الأكاديمية حقيقة واقعة.

يرغب الطلاب في مناطق مثل الموصل في استكمال درجاتهم الأكاديمية، ومن ثم فهم يحتاجون إلى إجراء امتحانات الحكومة العراقية للحصول على شهاداتهم.

يجمع الطلاب أن ترتيب الامتحانات البديلة يعد أمرًا في غاية الصعوبة؛ حيث يعيش بعض الطلاب النازحين كلاجئين أو في أوضاع أخرى مزرية تجعل من الصعب عليهم التركيز على الامتحانات. بينما يعاني البعض الآخر من مشكلة مغادرة أنبار، والموصل، وتكريت بهدف إجراء امتحاناتهم لأن الميليشيات في الدولة الإسلامية تفرض عليهم الحصول على إذن كتابي من المحاكم الدينية ليغادروا هذه المناطق.

وحتى بعد الحصول على التصاريح، سمحت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية للطلاب فقط بالمغادرة لمدة عشرة أيام في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وأمرتهم بالعودة فور الحصول على شهاداتهم، وهو التزام لا يستطيعون الوفاء به عادة لأن مسؤولي التعليم العالي في الحكومة العراقية لا يعترفون بذلك.

وحتى قبل مغادرة المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، ينبغي على الطلاب الحصول على موافقة كتابية قد يصعب الحصول عليها. وقد يحالف الحظ الطلاب الذكور أكثر من الإناث في الحصول على التصاريح، في إطار سياسة تنظيم الدولة الإسلامية لتتبع أثر الطلاب ومحاولة ثنيهم عن الانضمام للجيش العراقي أو القوات الكردية التي تحارب الدولة الإسلامية. ويعرف الطلاب جيدًا أنه عليهم العودة إلى ديارهم حتى لا يعرضوا ذويهم للخطر. ويحرص تنظيم الدولة الإسلامية على عودة طلاب الطب بصفة خاصة؛ حيث تحتاج إلى المزيد من الأطباء.

تواجه الطالبات المزيد من الصعوبات للحصول على تصاريح؛ حيث يكون لزامًا عليهن أن يتبعن أحكام تنظيم الدولة الإسلامية بما في ذلك ارتداء الزي الإسلامي التقليدي والسفر مع محرم. وقد يشكل ذلك تغييرًا صعبًا بالنسبة للكثير من النساء.

 قالت س. م. وهي طالبة هندسة من جامعة الموصل والتي أجرت امتحاناتها مؤخرًا في جامعة بغداد وطلبت عدم ذكر اسمها “ذهبت والدتي لتشتري لي غطاء رأس إسلامي وحجاب لأرتديه لأنه لا يوجد لدي مثل هذه الملابس.”

https://www.bue.edu.eg/

تمتلئ الرحلة خارج حدود الدولة الإسلامية بالمخاطر، إذ يتعين على الطلاب غالبًا أن يسلكوا طرقًا بعيدة ليتجنبوا الطرق السريعة الملغمة بالمتفجرات والمليئة بالمناوشات على طول الحدود بين المقاتلين وقوات الحكومة العراقية.

وأضافت س. م. ” ركبنا سيارة ومشينا في طرق جبلية غير ممهدة ومليئة بالحفر. أوقفنا مقاتلو الدولة الإسلامية في أكثر من 15 نقطة تفتيش لسؤالنا عن وجهتنا ومن أين أتينا. وبعدما وصلنا إلى كركوك، خلعت الحجاب فقد كدت أن أختنق. واستأنفنا بعد ذلك طريقنا إلى بغداد.”

كما يتعرض الطلاب الذين يفضلون المرور عبر الطرق السريعة أيضًا إلى معابر حدودية خطيرة. ففي مكتب خالد، وهي نقطة تفتيش كردية، واجه الطلاب مجموعة من الجنود الذين يشكون في أي شخص يحاول مغادرة المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية.

وقال طالب في قسم الآداب بجامعة الموصل، طلب عدم ذكر اسمه، مشيرًا إلى نقطة تفتيش مكتب خالد “كان هناك صف طويل يضم أكثر من 500 طالب من الموصل، وصلاح الدين، والأنبار. انتظرنا لأكثر من ست ساعات.”

وأشار طالب الآداب إلى حادثة توضح مدى التوتر الذي تشهده المنطقة، إذ قال أإنه في إحدى نقاط التفتيش الحدودية، سأل أحد جنود قوات البشمركة الكردية رجلاً كبيرًا في السن عن سبب مغادرته لمنطقة الموصل. وحينها أخرج الرجل جواز سفره وقال أنه سيسافر إلى الخارج. ولكن الجندي أشار للرجل بفوهة بندقيته وقال إنه غير مسموح له بالمغادرة. بينما سمح للطلاب الحاملين لبطاقات الهوية والتصاريح الكتابية بالمرور.

كما يواجه الطلاب الذين يصلون إلى المدن العراقية التي تسيطر عليها الحكومة أيضًا صعوبات هناك.

ففي جامعة كركوك، تزدحم قاعات الامتحانات وعادة ما تُلغى الامتحانات قبل موعدها بوقت قصير. حيث يحاول الإداريون الوفاء باحتياجات الطلاب في الكثير من الجامعات. فقد لا يتمكن بعض الطلاب من إحضار كتبهم أو أوراقهم الدراسية أو يفقدونها أثناء الرحلة.

وقالت أستاذة طب في جامعة الموصل خافت من ذكر اسمها “كان على صديقة ابنتي أن تجري ثلاثة امتحانات لتتخرج من كلية الحاسب الآلي في الموصل. ولقد أجرت امتحانين وتم تأجيل الثالث لأجل غير مسمى واتصلت بنا من كركوك وهي تبكي. فالوضع جد مأساوي.”

وتواجه كركوك أيضًا مشكلة إيجاد أماكن لاستيعاب الأعداد المتدفقة من الطلاب. واشتكى الطلاب أيضًا من أصحاب  المنازل والفنادق الذين يطالبونهم بإيجارات مبالغ فيها في خضم هذه الفوضى. ومن ثم اختار الكثير من الطلاب النوم في الشوارع عوضاً عن دفع أجرة باهظة لاستئجار غرفة.

وقالت إسلام من جامعة الموصل والتي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها “ينام الطلاب في الممرات في السكن الجامعي.”

بدوره،نام طالب الآداب بجامعة الموصل ومعه 19 طالبًا آخرين على الأرض في قبو أحد الفنادق بتكلفة 200,000 دينار عراقي أو حوالي 170 دولارًا أمريكيًا في الليلة الواحدة، وهو مبلغ باهظ للغاية. بل والأكثر من ذلك، طلب صاحب الفندق منهم دفع أجرة سبعة أيام مقدمًا فقط مقابل سقف يظلهم، حيث ناموا على أغطية مفروشة على الأرض، على حد قوله.

وحققت السلطات الكردية أيضًا مع الطلاب في محاولة للبحث عن المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية والذين يتم غالبًا القبض عليهم في الجامعة والمدينة. وفي سياق متصل، قال طالب الآداب ” فوجئنا بزائرين في زي مدني قالوا إنهم من المخابرات. وبعد الهجوم على قبو الفندق، سألوا عن وضعنا.”

توجه طالب الآداب وزملاؤه إلى الجامعة لإجراء الامتحانات، ولكن كان هناك مظاهرة وبدأ أفراد الأمن في مراجعة هويات الطلاب ليتأكدوا أنهم ليسوا من ضمن الداعين للمظاهرة.وأضاف “قضينا اليوم في خوف وتوتر. كيف لنا أن نجري الامتحانات في هذا الوضع. لم نتمكن من النوم أو الاستحمام. كنا نخشى الاعتقال.”

وقرروا مغادرة كركوك دون إجراء الامتحانات والعودة إلى الموصل.

وقال “جمعنا أغراضنا وعدنا من حيث أتينا منكسرين ومهزومين. استغرقت الرحلة أربع ساعات ولكنها بدت كالدهر. فكرنا في آبائنا وكيف عانوا حتى نحصل على درجاتنا الجامعية. فهل هذه هي نهاية دراستنا الجامعية؟ هل من العدل أن نذل في أوطاننا؟ نحن أبناء هذا الوطن ونمثل مستقبله.”

حتى لو نجح الطلاب في إجراء الامتحانات، لم يتضح بعد ما إذا كان الإداريون في الجامعة والذين يعملون حاليًا في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية – غالبًا بالإكراه وفي ظل ظروف قاسية – سيقبلون نتائج هذه الاختبارات والتي أجريت في المؤسسات التابعة للحكومة العراقية ويمنحونهم شهادتهم.

وقالت إسلام، طالبة الهندسة في جامعة الموصل والتي رفضت الإفصاح عن لقبها “أنا في كركوك الآن وقد أنهيت امتحاناتي ولا أدري ما إذا كانت ستُعتمد من الدولة الإسلامية.”

وأشارت إسلام إلى أن مقاتلي الدولة الإسلامية غالبًا ما يكفرون الطلاب الذين يغادرون المناطق التي يسيطرون عليها كما لو كانوا يرفضون الإسلام في حد ذاته. قالت “يصفوننا بالكفار. كما يصفون جنود الحكومة العراقية.”

لم تتمكن إسلام من الدراسة أو إجراء امتحاناتها في الموصل حتى لو حاولت ذلك. فقد أغلق عناصر تنيظم  الدولة الإسلامية جامعة الموصل وحولت حدائقها إلى مراعي للغنم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى