أخبار وتقارير

“البدون” يصارعون للحصول على التعليم في الكويت

الكويت— لاتبعد منطقة تيماء الواقعة في مدينة الجهراء أكثر من نصف ساعة في السيارة عن مدينة الكويت، لكنها تبدو مختلفة تماماً عن العاصمة الممتلئة بناطحات السحاب. هنا يعيش البعض في بيوت مسقوفة من الصفيح وترتدي معظم النساء النقاب. في هذه المنطقة، يقطن أيضاً غالبية “البدون” الذين لايحملون أي جنسية.

في صباح أحد الأيام الخريفية، تعالت أصوات الأطفال المتحمسين لترديد الحروف الأبجدية. وقالت إحدى الطالبات ذات السنوات الست إنها تأمل بأن تصبح معلمة في المستقبل. حالياً، تعتبر هذه الطالبة محظوظة لكونها وجدت مقعداً في مدرسة مؤقتة.

مع مطلع العام الدراسي، وجهت السلطات الرسمية تعليمات تقضي برفض تسجيل الأطفال “المقيمين بصورة غير شرعية” والذين لايمتلكون شهادات ميلاد في مدارس الكويت وذلك من دون تقديم تفسير واضح للقرار. نتيجة لذلك، لم يتمكن 50 طفلاً من أطفال “البدون” من الالتحاق بالمدارس بسبب عدم امتلاكهم للأوراق الثبوتية المطلوبة والتحقوا بمدرسة مؤقتة يديرها متطوعين. لكن مئات أخرين من الطلاب مازالوا ينتظرون فرصة للالتحاق بالمدرسة.

يشير مصطلح “البدون” إلى الأشخاص الذي لايحملون جنسية، والذين يقدر عددهم بأكثر من مئة ألف من السكان ومعظمهم من أحفاد البدو الرحل.

وتعتبر قضية “البدون” من القضايا الحساسة في الكويت منذ عقود طويلة، حيث يعاني “البدون” من التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لكن القرار الأخير لحرمان أطفال “البدون” من التعليم أثار نقاشاً حاداً بين صفوف منظمات المجتمع المدني والأكاديميين. في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، أصدرت وزارة التعليم بيانا أكدت فيه دعمها لحق جميع المقيمين على أراضيها في التعليم. وقال البيان إن العمل جار “على حل مشكلة المقيمين بصورة غير قانونية.”

ومع ذلك، لم يتم التوصل لحل نهائي لقضية تعليم أطفال “البدون”.

قالت ابتهال الخطيب، أستاذة جامعية في جامعة الكويت بكلية الأداب قسم اللغة الإنجليزية، “التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان لا يرتبط بأي أسباب سياسية، أو تنظيمية أو حتى ورقية.” وأضافت الخطيب، التي تعد ناشطة في مجال حقوق “البدون” وتقود حالياً حملة جمع تواقيع لدعم حقهم في التعليم والتي تحمل اسم أكاديميون من أجل التعليم، “هذه رسالة الأكاديميين تجاه هذه القضية، يجب أن يلتحق كل طفل في الكويت بالمدرسة بدون أي شروط.”

تقدر المنظمات الدولية عدد “البدون” في الكويت بما يقارب من 110 ألف شخص، لاتعتبرهم الكويت مواطنين ولا أجانب. فهم محرومون من حقوق المواطنين، بما في ذلك التعليم العام، والرعاية الصحية المجانية، ووظائف القطاع العام والقدرة على الحصول على الوثائق الرسمية مثل جوازات السفر ورخص الزواج، وشهادات الميلاد والوفاة.

نتيجة لذلك، يلتحق أطفال “البدون” عادة بالمدارس الخاصة. حيث يتوجب على الأهالي تسديد 30 في المئة من قيمة المصاريف فيما تغطي باقي النفقات جهة حكومية خيرية مخصصة لرعاية مصالح “البدون”. لكن هذا العام، تم رفض تسجيل الأطفال حتى في المدارس الخاصة من دون تقديم شهادات ميلاد لا تمتلكها عادة عائلات “البدون”.

قال عادل كريم الغنيم، أب من “البدون”، “لم يتمكن ابني ذو الست سنوات من الالتحاق بالمدرسة هذا العام لأنه لايمتلك شهادة ميلاد. وضعت السطات قيداً أمنياً على والدي بعد غزو العراق للكويت، وقد ورثت عنه القيد الأمني وورثته لابني الذي بدوره قد يورثه لأولاده مالم يتم حل مشكلتنا.”

تعرض والد غنيم لمسألة قانونية حول خروجه من الكويت خلال غزو العراق، لكن تمت تبرئته. عادة، يمكن فرض “القيود الأمنية” على أي فرد، سواء أدين بارتكاب جريمة أم لا وتتوارث الأسرة هذه القيود.

احتجاجاً على القرار الجديد، احتضنت نقابة المعلمين في الكويت مبادرة “كتاتيب البدون” مطلع الشهر الماضي. ودعت النقابة المعلمين للتطوع لتعليم أطفال “البدون” في مقر النقابة في منطقة تيماء.

وقال عواد العونان، أحد المشرفين على الحملة إنها “رسالة احتجاج ووسيلة لتسليط الضوء على مشكلتنا.” فبحسب العونان، يوجد أكثر من 600 طفل تأثروا سلباً بالقرار الأخير. كما يمكن أي يطال التأثير نحو ثلاثة ألاف أخرين في حال تم تطبيق القرار على كافة المراحل الدراسية .

اليوم، تضم كتاتيب البدون صفين دراسيين فقط يتسعان لنحو 50 طالب وطالبة. لاتهدف المبادرة إلى حل مشكلة البدون تماماً ولكن إلى تسليط الضوء عليها. حصلت الحملة على بعض الدعم على وسائل التواصل الإجتماعي، لكن تم تجاهلها في معظم وسائل الإعلام الرسمية.

وبحسب موقع حقوق البدون، موقع الكتروني يوثق واقع حقوق الإنسان للبدون في الكويت، فإن جامعة الكويت لا ترحب كثيراً بالطلاب البدون. إذ يتوجب عليهم الحصول على درجات مرتفعة جداً ليتم قبولهم في الجامعة بعد ضغط كبير.

في كتاتيب البدون، يتم تعليم الطلاب اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والدين الإسلامي من قبل أساتذة متطوعين معظمهم من البدون أيضا.

قالت تهاني، معلمة لغة عربية متطوعة من البدون، “أنا أتفهم حالة هؤلاء الأطفال، فقد عشت تجربة مماثلة. حياتنا صعبة جداً. درست بصعوبة ولم أعثر على وظيفة. أريد فقط مساعدة هؤلاء الأطفال للحصول على حقوقهم الأساسية في القراءة والكتابة.”

مع ذلك، لا يمكن لكتاتيب البدون أن تتوسع أكثر. قال العونان “لا يمكننا منح شهادات معتمدة. نحن نقدم تعليم مبدئي في مكان منعزل عن أقرانهم.” ويبدي العونان مخاوف من أن يكون قرار الحكومة مجرد خطة أولى “إذا مر القرار بدون احتجاج من جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الأهلية فقد يمتد ويشمل حتى الطلاب الذين لديهم شهادات ميلاد.”

ولد بعض “البدون”، مثل غنيم وابنه، في الكويت أو عاشوا فيها لعقود طويلة لكنهم غير قادرين على إثبات جنسيتهم. في السنوات الأخيرة، نظم لبدون احتجاجات للمطالبة بالجنسية الكويتية. تم تفريق معظمها بالقوة مع حدوث اعتقالات.

تقول الحكومة الكويتية إن “البدون” أجانب تخلصوا من أوراقهم الثبوتية للاستفادة من الامتيازات التي تقدمها الدولة لمواطنيها. وغالباً ما يتهمون بعدم الولاء السياسي ويوصفون بالتخريبيين. هذا العام، دعت الحكومة الكويتية “البدون” إلى تقديم طلبات للحصول على جنسية جزر القمر والتي تبيع الجنسية لكل من لايحمل جنسية في جميع أنحاء العالم. ووعدت الحكومة الكويتية في حال تم ذلك بتقديم مزايا تشمل تصاريح إقامة في الكويت، والتعليم المجاني والرعاية الصحية، والحق في العمل. ولكن كحال المقيمين الأجانب، فإن “البدون” قد يتعرضون للطرد بسهولة أكثر. وذكرت تقارير صحفية أن العرض قوبل “بالغضب والرفض” من قبل “البدون”.

قال شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، والرئيس السابق والمؤسس للجامعة الأميركية في الكويت إن “حرمان أطفال البدون من التعليم يشكل خطراً على المجتمع ككل.” واعتبر الغبرا قرار الحكومة الأخير نوعاً من انتهاك حقوق الإنسان في التعليم ومحو الأمية. وقال “عندما تحرم الأطفال من التعليم فأنت تصادر مستقبلهم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى