مقالات رأي

المعلمون كمواطنون ومدرسون لمفهوم المواطنة

فيما يلي موجز حول مناقشة دارت عن موضوع المواطنة النقدية في الجامعة الأميركية في بيروت مع مها بالي من الجامعة الأميركية في القاهرة المهتمة بهذه القضية. بدأ الحوار في 17 كانون الثاني/يناير 2014؛ حيث شارك الكثيرون بأفكارهم التي حرصنا على نقلها هنا.

ماذا تعني المواطنة في دول مثل لبنان ومصر؟

يُعرف البعض المواطنة بأنها “العمل السياسي” أو فرصة ممارسة العمل السياسي. وتشمل المواطنة الولاء لإحدى الدول أو الهوية الوطنية، ولكن المواطنة أيضًا تنطوي على عمل فيه مطالبة بالحقوق ووفاء بالمسئوليات. فهل ينبغي علينا في العالم العربي أن نطور مفهومًا خاصًا يناسبنا حول المواطنة والديمقراطية بما إن المفاهيم الغربية لا تفي باحتياجاتنا؟ هل هناك مفهوم واحد حول ما تعنيه المواطنة؟ أم إنها مفاهيم متعددة؟

 ما هي التحديات المتعلقة ببناء المواطنين هنا؟

على الرغم من أن المواطنة مرتبطة لفظيًا بكلمة “وطن”، ولكنها تخضع لتصرف “الدولة”. ومن ثم يكمن التحدي الأكبر في كيفية التطبيق العملي للمواطنة في دولة عاجزة، في دولة لا توفر الحد الأساسي من الحماية والخدمات التي يجب أن توفرها لمواطنيها. كما يطالب المواطنون بحقوقهم في الوقت الذي تعجز فيه الدولة عن توفير حتى الخدمات الأساسية. في الوقت الذي يخون فيه القادة السياسيون شعوبهم؟ ويتسم نظام الدولة بالضعف وتتدخل مجموعات أخرى لتقديم الحماية والخدمات الأساسية للناس؛ حيث يتعارض الولاء لهذه الجماعات – سواءً أكانت أحزاب أو طوائف أو قبائل أو أسر- مع مبدأ المواطنة. فهل يجوز أن نخلق نظمًا موازية من خلال منظمات المجتمع المدني أم أن الوظيفة الأساسية للمواطنين هي إعادة بناء نظم الدولة؟

يعتقد الكثيرون أن أساس بناء المواطنين هو فهم وجهات نظر الآخرين. ولكن الأبحاث الأخيرة تقول أن فهم الآخر أقل أهمية من احترام الاختلافات معه. (واحترام الاختلاف يعد أكثر إيجابية من مجرد تقبل الاختلاف). والسؤال هو مدى أهمية التعاطف مقارنةً بمبدأ احترام الاختلاف وكيف نبدأ في خلق احترام للاختلاف أو التعاطف مع من يختلفون معنا؟

ولكن هل هناك حدود لاحترام الاختلاف؟ على سبيل المثال، إذا كان هذا الاحترام قد يعني قبول العدالة وعدم معاداتها مثل العنف المنزلي أو انتهاكات حقوق الانسان؟ هل يحترم معظم مواطني الدول المختلفة ويتقبلون كل المعتقدات والممارسات الدينية لغيرهم من المواطنين؟ قد يجيب البعض بنعم طالما لا يخرق ذلك القوانين، ولكننا يجب أيضًا أن نعي أن هذه القوانين وضعتها المجموعات القوية في الدولة، وليست كلها بالضرورة قوانين عادلة. هل يحق لمجموعة من المواطنين أن يعارضوا ما يرونه قوانين غير عادلة تناسب فقط معتقدات إحدى الطوائف (على سبيل المثال، قوانين المسلمين الخاصة بالزواج والتي تستند إلى أحكام الشريعة؟) وماذا إذا كانت معتقدات إحدى الطوائف لا تشجع على احترام المعتقدات الأخرى، مثلاً من خلال تجريم بعض الممارسات الدينية؟

باعتبارنا أكاديميين نعمل في مؤسسات التعليم العالي، ما هي الأدوار التي يجب أن نضطلع بها لتطبيق مفهوم المواطنة؟

أولاً، دعونا نتفق أن المعلمين هم في النهاية مواطنون. فباعتبارنا معلمين نحن نستفيد من كوننا مواطنين في أبحاثنا وطرق تدريسنا. فالعمل المدني يمكن أن يحدث تحولاً فينا كأعضاء هيئة تدريس وليس في طلابنا فحسب. فهل يمكننا أن نفكر في المواطنة كأسلوب حياة، بدلاً من مجرد كونها جانبًا من جوانب هويتنا والتي تنفصل عن حياتنا الأكاديمية من تدريس وأبحاث.

ينبغي أن نحاول أن نكون واضحين بشأن ما نريد تدريسه لطلابنا من خلال التدريبات في التعليم الخدمي والمسئولية الاجتماعية والعمل المدني. وهل يرتبط ذلك بتشكيل الشخصيات والذكاء العاطفي؟ هل نُدرس القيم العالمية أم نعلم الطلاب قيمًا مختلفة ذات مغزى على المستوى المحلي؟ هل نحن ببساطة نسد خانات ولا نحدث بالضرورة تأثيرًا حقيقيًا في العمل المدني للطلاب خارج أسوار الجامعة؟ هل نعي أن هدفنا هو هدف تربوي وليس تلقيني؟

ثالثًا، من الضروري ألا نهتم بالنظريات على حساب الممارسات. وإلا لن يمكننا شرح الممارسات التي لا تتماشى مع النظريات، أو سنشرحها بشكل خاطئ في محاولة لوضعها في إطار نظرية موجودة من قبل.

مهما اختلفنا، ينبغي أن نكون واقعيين حول حدود ما يمكن أن يساهم به التعليم العالي في بناء المواطنين. فينبغي أن تغرس قيم المواطنة في نفوس الطلاب منذ المراحل الأولية للتعليم، فلا يمكن أن نبدأ ذلك عندما يصلون إلى مرحلة التعليم الجامعي. كما يجب أن يمتد ذلك إلى ما وراء التعليم الرسمي. في حين لا ينبغي أن نستهين بقدرات مواطن واحد يتمتع بالولاء والإخلاص، ولكن دورنا كمعلمين هو بناء جمهور من المواطنين الذين يجيدون التفكير النقدي، وسيتطلب ذلك وقتًا طويلاً.

فبالإضافة إلى بناء جمهور من المواطنين من طلابنا وزملائنا، بصفتنا معلمين نحن أيضًا نخلق عوامل التغيير، وذلك من خلال تعزيز التضامن بواسطة التعاون المستمر ببين الجامعة والمجتمع. وقد يتجه هذا التعاون نحو تأييد إحدى السياسات أو التأثير فيها أو غير ذلك من الأنماط المبتكرة لحل المشكلات.

وهذا هو السياق المناسب لتطوير مفهوم المواطنة النقدية، والتي تتلخص في التفكير النقدي الذي نشجعه كأساتذة بالإضافة إلى التطبيق العملي، وهو العمل التأملي الذي يستند إلى معرفة. ففي واقع الأمر،  التفكير النقدي يدرك أهمية الممارسة في إصدار أحكام نظرية حول المواطنين والمواطنة. ولدينا الكثير لنتعلمه من “الأساس”؛ حيث ستمكنا الممارسات المختلفة من تعديل النظريات بدلاً من محاولة إيجاد تفسير لهذه الممارسات بحيث يتماشى مع النظريات السابقة والتي وجدت في سياقات وأوقات مختلفة.

فدعونا لا نحد من توقعاتنا بشأن ما يمكن أن نحققه “كمواطنين ومعلمين في آن واحد”. ونختم حديثنا بالتحدي الذي أطلقته مها بالي في ورقتها الأصلية؛ حيث كتبت “يتخلص دور التعليم العالي في مساعدة المجتمع على التفكير في ما وراء الفعالية السياسية والمقاومة، مهما كانت أهميتهما. فهناك حاجة إلى خلق مواطنين يتمتعون بتفكير نقدي قادرين على التفاوض حول المصالح المتضاربة المختلفة بطريقة تساهم في بناء مستقبل أفضل.” فهكذا تبنى الدولة ومواطنوها.

*قدمت الدكتورة دينا كيوان، خبيرة في المواطنة، في الصيف الماضي دورة حول هذا الموضوع من خلال موقع إدراك والذي صدر حديثًا على الرابط التالي https://www.edraak.org/courses/AUB/CZN100/2014/about

شارك في المناقشة كل من:

دينيس أساف، مساعد باحث أول ومنسق في مبادرة الجوار التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

مها دماج، أستاذ مساعد في ممارسات الصحة العامة، ومنسق للتخصصات العالمية في مجالي الصحة والتنمية المستدامة بكلية العلوم الصحية التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

ألين جيراني، مدرس ومنسق في وحدة التواصل الخارجي والممارسات بكلية العلوم الصحية التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

تانيا حداد، أستاذ مساعد في الدراسات السياسية والإدارة العامة بكلية الفنون والعلوم التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

ديما جمالي، أستاذ ومدير مبادرة المسئولية الاجتماعية للشركات وعميد مشارك لمدرسة سليمان العليان للأعمال التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

دينا كيوان، أستاذ مشارك في علم الاجتماع في كلية الفنون والعلوم التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

منير مبسوط، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في كلية الهندسة والعمارة التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

سنثيا مينتي، أستاذ ممارسات الصحة العامة ومدير مشروع في مبادرة الجوار التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت.

*مها بالي، أستاذ مشارك، ومطور لأعضاء هيئة التدريس في مركز التعلم والتدريس التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى