أخبار وتقارير

مشكلة تضخم شريحة الشباب: نذكرها أحيانًا ونتجاهلها كثيرًا

يتم نشر هذه القصة كجزء من قصة أخرى حول صعوبة الحصول على بيانات في المنطقة وأهمية ذلك في إعداد خطط التنمية. تأتي القصة الثانية بعنوان “الغوص في البيانات السكانية الموحلة!”

تحاضر أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة القاهرة رندة أبو بكر في فصول دراسية يصل عدد طلابها إلى 300 طالب يجلسون في قاعة المحاضرات يلامس كتف الطالب منهم الآخر، حيث يصعب التواصل المباشر بين الأساتذة والطلاب على حد قولها. لكن مع تفاقم مشكلة الازدحام اليوم، تخشى أبو بكر من التفكير في صورة الوضع مستقبلاً.

 زاد التعداد السكاني في مصر بنسبة 74 في المئة في الفترة ما بين عامي 1980 و2010، وذلك مع ظهور طفرة في زيادة عدد الولادات في العالم العربي، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. ورغم انخفاض معدلات الولادات لكنها لا تزال مرتفعة. ومن المتوقع أن يزداد التعداد السكاني في مصر – والذي يعتبر بالفعل التعداد الأكبر في المنطقة حيث يصل إلى 80 مليون نسمة – إلى حوالي 122 مليون نسمة بحلول عام 2015، وذلك بزيادة 52 في المئة.

لا يمكن للجامعات أن تستوعب المزيد من أعداد الطلاب للأجيال المستقبلية، كما تقول أبو بكر.  “تحتاج الحكومة إلى خطة لإنشاء المزيد من الجامعات العامة. وأنا أعتقد أننا في حاجة إلى مضاعفة عدد الجامعات الموجودة لدينا الآن. ولكننا لا نري أية خطط حالية ترمي إلى ذلك.”

يتكرر المشهد في كافة أنحاء المنطقة؛ فلقد خلقت الطفرة في أعداد الولادات في العالم العربي منذ 30 عامًا تكدسًا في أعداد الشباب، والذي أصبح يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للتعليم العالي في المنطقة اليوم. ومع نقص التمويل وعدم كفاية الأماكن، يدعم الإداريون بالجامعات من المغرب العربي إلى المشرق الزيادة في معدل الالتحاق بالجامعات، على الرغم من عدم تأكدهم من القدرة على استيعاب هذه الأعداد في السنوات القليلة القادمة ناهيك عن العقد أو العقدين القادمين.

قال علي شمس الدين، رئيس جامعة بنها، وهي مؤسسة تضم 105,000 طالب على بعد 30 ميلاً شمال القاهرة “توجد الكثير من المشكلات بسبب تكدس الطلاب وأعدادهم المتزايدة. فلا توجد أماكن كافية لاستيعابهم أو أعداد كافية من الأساتذة لتعليمهم.”

ارتفاع عدد طلاب التعليم مابعد الثانوي بين عامي 2010 و2035. المصدر مركز فيتجنشتاين.

ويرى الخبراء أن تكدس الشباب له نتائج أكبر من ذلك. ففي منطقة تتزايد فيها الانقلابات السياسية والاجتماعية في أعقاب الثورات العربية والحروب المدنية أو هروب اللاجئين من العنف وانتشار الحركات الإسلامية المسلحة، قد يخفف التعليم العالي من حدة هذه الأوضاع. كما أنالأعداد القياسية من خريجي الكليات في العالم العربي في السنوات الأخيرة بدات بقيادة عملية النمو الاقتصادي وتوسيع نطاق المجتمع المدني، على الرغم من أن الكثير منهم يعاني لإيجاد وظائف في الاقتصادات المحلية التي تفتقر إلى القدرة على استيعابهم.

ويزداد التحدي مع صعوبة تحديد عدد الطلاب الراغبين في الحصول على درجات جامعية في السنوات القادمة. فالحكومات العربية لا تحتفظ دائمًا بإحصائيات سليمة ولا تنشرها. ويبدو أن عددًا قليلاً فقط من المؤسسات، إن وجدت، تجري أبحاثًا لتصل إلى توقعات دقيقة.

قال جون ووتربيري، الرئيس السابق للجامعة الأميركية في بيروت “لم أرى أية بيانات ملموسة، وبالتأكيد لم أرى أية خطط، أو استراتيجيات، أو موارد مالية يتم جمعها لأي فترة زمنية قادمة. ولا يوجد خطة تحدد العبء الطلابي المتوقع وتقترح المرافق التي يجب توفيرها. يتحدث الناس كثيرًا عن ذلك، ولكنهم لا يستثمرون الكثير من الجهد للتوصل لحل لهذه المشكلة.”

ويبدو أن أفضل البيانات هي تلك المتوفرة لدى مركز فيتجنشتاين للديموغرافيا والرأس مال البشري العالمي في فيينا. ويتوقع المركز، على سبيل المثال، زيادة عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي في مصر عن الضعف ليصل من 7 ملايين في عام 2010 إلى 18.2 مليون في عام 2035.

ويقدم البحث الدقيق لأوضاع ثلاث دول، وهي مصر، والمغرب، والأردن لمحة عن البعد الإنساني للتحديات والفرص التي يسببها تدفق أعداد جديدة من الطلاب.

في مصر، يحاول المعلمون التكيف مع هذه الأوضاع بقدر الإمكان.

 قال شمس الدين “أكثر ما يقلقني هو جودة التعليم ومستوى الخريجين. فبالنسبة للوقت المخصص لهم، والرعاية، والقدرة على تعليمهم وتدريبهم، لا يمكن توفير ذلك بنفس الكفاءة عندما يتضاعف العدد مرتين أو ثلاثة أو أكثر.”

ويصف طه فرغلي، طالب في كلية التجارة في جامعة الأزهر في القاهرة، تجربته كطالب قائلاً “تبدو فصولنا كأتوبيس نقل عام. فالجالس يجلس بصعوبة وهناك من يجلس على الأرض. والبعض يجلس بجوار مكتب المحاضر ليتمكن من سماعه؛ حيث يصل عددنا في الفصل الدراسي إلى حوالي 7000 طالب.”

بدورها، حكت سارة محمد، خريجة كلية التربية في جامعة الإسكندرية، قصة 260 طالبًا في بدروم يتسع فقط لـ 80 طالبًا. قالت “بعضنا يقف والبعض الآخر يجلس في فصل دراسي ضيق بمروحة تغمرنا بالتراب بدلاً من الهواء النقي.” وأضافت “لا يمكننا فهم كلمة مما يقال، كما لا نستطيع التركيز.”

وتواجه الجامعات المغربية نفس التكدس والزحام؛ حيث سيزداد إجمالي عدد طلاب الجامعات بمعدل ثلاثة أضعاف ليصل إلى 3.5 مليون طالب بحلول عام 2035 من 1.5 مليون في عام 2010، وفقًا لإحصائيات  مركز فيتجنشتاين.

في المقابل، انخفض معدل الولادات في المغرب في السنوات الأخيرة بفضل جهود الحكومة لتنظيم الأسرة، ومن ثم يتوقع مسؤوولو التعليم أن يقل تدفق عدد الطلاب تدريجيًا. ولكن المسؤولين لم يستثمروا في بناء المرافق التي يحتاجها نظام التعليم العالي في الدولة، ومن ثم فإن المجال لا يزال مفتوحًا للتكدس والذي قد يضر جيلاً كاملاً أو أكثر.

وقال خالد سولامي، مسؤول تعليمي سابق في مدينة الجديدة على الساحل الأطلسي “ظهرت مشكلة التكدس في الجامعات بسبب نقص الفصول الدراسية وكذلك نقص تعيين المعلمين.”

وتواجه الأردن، أقل الدول الثلاثة من حيث التعداد السكاني، زيادة في عدد خريجي الجامعات من حوالي 840,000 في عام 2012 إلى حوالي 3 ملايين في عام 2035، كما جاء عن مركز فيتجنشتاين. ولكن الأردن تعتبر أكثر استعدادًا لهذه الزيادة في الأعداد من مصر والمغرب.

تعتبر الأردن دولة مستقرة نسبيًا تجذب إليها 29000 طالب جامعي كل عام، وهو تقريبًا نصف عدد الطلاب في العقد الماضي. وقد تبنت الأردن ما يعرف باسم النظم الموازي والذي يدفع الطلاب بموجبه رسوماً أعلى للحصول على مقعد في التخصصات التي يرغبون بدراستها في الجامعات الحكومية وإن لم يحصلوا على درجات القبول اللازمة لذلك.

يعتقد المراقبون أن النظام الموازي يوفر أماكن للطلاب من الأغنياء، لكنه لا يحل مشكلة التكدس الطلابي. بينما يتعقد آخرون أن هذا التمويل على الأقل يعد مصدرًا للدخل للجامعات يسمح لها بمواجهة هذا النمو في الأعداد وإحلال الدعم الحكومي والذي انخفض بنسبة 20 في المئة منذ التسعينيات.

قال مصدر في مجلس التعليم العالي في الأردن رفض ذكر اسمه “يدعم هذا النظام الموازنات الضعيفة في الجامعات العامة؛ حيث تتمتع الجامعات العامة بمستوى جيد من الاستقلال الآن ولكنها بحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة للتمويل.”

وفي خضم المخاوف إزاء المد الطلابي القادم، تحاول المؤسسات التعليمية الخاصة تحقيق مكاسب من خلال توفير أماكن في قاعاتها الدراسية، كما قال لؤي كونستانت، باحث في سياسات التعليم في مؤسسة RAND وأستاذ في كلية باردي راند في كاليفورنيا.

قال كونستانت “إلى حد ما تم استيعاب الطلب المتزايد على التعليم العالي من خلال قطاع التعليم العالي الخاص. وإذا لم يكن هناك قواعد صارمة، سيكون من الأسهل نسبيًا بناء مؤسسات التعليم العالي الخاصة، مما يعد وسيلة لتخفيف الطلب على الجامعات العامة، مع العلم أنه لا يمكن لجميع الطلاب تحمل مصروفات هذه الجامعات الخاصة.”

ولم يتضح بعد مدى قدرة القطاع الخاص عى تغطية الطلب المتزايد على التعليم العالي. في العالم العربي، يرى الناس بصفة عامة التعليم العالي باعتباره حقًا وليس سلعة تشترى. ومن ثم لا ينتشر مبدأ الدفع للحصول على التعليم. ولا يزال ووتربيري يعتقد أن وجود الجامعات الخاصة أفضل كثيرًا من تكدس قاعات المحاضرات في الجامعات العامة.

قال ووتربيري “في النهاية، حتى الناس من ذوي الدخل المحدود مستعدين لدفع المصروفات إذا كان هذا هو الطريق الوحيد لحصول أبنائهم على الدرجات الجامعية.”

وسيواجه الخريجون مشكلة أخرى، وهي إيجاد فرص عمل؛ حيث يتوقع الاقتصاديون أن أصحاب العمل لن يتمكنوا من توظيف كل خريجي الجامعات العربية المتكدسة في العقدين القادمين.

https://www.bue.edu.eg/

وقال بيتر جليك، الخبير الاقتصادي ومدير مركز الأبحاث والسياسات الخاصة بالتنمية الدولية في مؤسسة RAND “وصلت مشكلة التكدس الطلابي في المنطقة إلى منتهاها. وستستمر تداعيات ذلك لفترة طويلة.”

شارك في كتابة التقرير  كل من عايدة العلمي  وجبين بهاتي، وجانيل دومالاون، ورشا فائق، وسارة لينتش، ولوجي سيرينلي.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى