مقالات رأي

عندما ينتهي النفط وتستمر المعرفة!

منذ عام 2000، تنشغل أكثر من 70 دولة – تمثل أكثر من 80 في المئة من اقتصاد العالم- بمقارنة أداء أنظمة مدارسهم التي تحضر شبابهم للحياة والعمل.

يعتبر إطار المقارنات، الذي يعرف باسم البرنامج الدولي لتقييم الطلاب PISA ، مقياساً عالمياً لمخرجات التعليم. يجري الاختبار الدولي في ظروف موحدة لقياس مدى اكتساب الطلاب البالغين من العمر 15 عاماً للمعارف والمهارات التي تعتبر أساسية وهامة للمشاركة الكاملة في المجتمعات الحديثة.

لا يقوم التقييم فقط بالتأكد من قدرة الطلاب على إعادة انتاج ما تعلموه، ولكنه يختبر أيضاً قدرتهم على استقراء ما تعلموه، وكيف يمكنهم تطبيق تلك المعرفة بشكل إبداعي في بيئات غير مألوفة. يعكس هذا النهج حقيقة أن المجتمعات الحديثة لا تكافئ الأفراد على ما يعرفونه فقط، ولكنها أيضاً تكافئهم على ما يمكنهم عمله بتلك المعرفة.

بطبيعة الحال فإن المقارنات الدولية ليست سهلة على الإطلاق وليست مثالية. ولكن اختبار PISA يظهر ما هو ممكن في التعليم ويساعد البلدان علي أن ترى نفسها كمرآة لنتائج التعليم والفرص التعليمية التي يوفرها قادة التعليم في العالم.

أولاً، تكشف نتائج اختبار PISA أن معارف ومهارات أي دولة هي مؤشر قوي للثروة والعوائد الاجتماعية التي ستجنيها البلاد على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، قد يكون رفع متوسط درجات طلاب في التقييم الدولي بنسبة 25 نقطة هدفاً متواضعاً وأقل مما حققته بولندا، أكثر نظام تعليمي متقدم مشارك في التقييم، بين عامي 2000 و2006 فقط. مع ذلك، قد يعني هذا التقدم زيادة كلية في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 100 ترليون دولار خلال فترة حياة هؤلاء الطلاب.

باختصار، أصبحت المهارات هي المفتاح للوظائف الأفضل، والحياة الأفضل. وأصبحت المكاسب من تحسين التعليم أكبر بكثير من أي تكلفة محتملة لإصلاح التعليم.

هذه أيضاً رسالة هامة للدول العربية. فالثروة الكامنة في شكل المهارات غير المطورة لسكان تلك الدول أكبر بكثير من الفائدة التي يجنونها الآن من استخراج ثروات مواردهم الوطنية.

إضافة إلى ذلك، يظهر اختبار PISA وجود علاقة سلبية بين النقود التي تستخرجها البلاد من الموارد الوطنية، وبين المعرفة والمهارات التي يمتلكها مواطنيها في المدارس. يستثنى من ذلك كندا، وأستراليا، والنرويج، التي تعد دولاً غنية بالموارد الطبيعية، لكنها تبلي بلاء حسناً في اختبار PISA ولديها جميعاً سياسات متعمدة في ادخار المال المكتسب من تلك الموارد الطبيعية، وليس مجرد استهلاكه.

أحد التفسيرات لذلك هو أن البلدان التي لا تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية – مثل فينلندا، وسنغافورة، واليابان تتمتع بنتائج تعليم قوية وذات مكانة عالية على الأقل جزئياً نظراً لأن أغلب الشعب يعي أن الدولة يجب أن تعيش من معرفتها ومهاراتها.

لذلك تبدو القيمة التي تضفيها البلاد على التعليم معتمدة جزئياً على وجهة نظر البلد لكيفية انسجام المعرفة والمهارات مع طريقة البلد في كسب قوتها. ربما يكون منح التعليم  قيمة عالية شرطاً أساسياً لبناء نظام تعليمي من الطراز العالمي على المدى القصير، واقتصاد من الطراز العالمي على المدى الطويل.

باختصار، لقد أصبحت المعرفة والمهارات العملة العالمية لاقتصادات القرن الحادي والعشرين. لكن ليس هناك بنكاً مركزياً يطبع هذه العملة. كما لايمكنك وراثة هذه العملة او الحصول عليها من  خلال المضاربة. يمكنك فقط تطويرها من خلال الجهد المتواصل والاستثمار عن طريق الشعب ومن أجل الشعب. إضافة لذلك، تنخفض قيمة هذه العملة الجديدة كلما تطورت متطلبات أسواق العمل وكلما خسر الأفراد المهارات التي لا يستخدمونها.

يكشف انتشار الخريجين العاطلين عن العمل في شوارع العالم العربي، مع تأكيدات أصحاب العمل عدم قدرتهم على إيجاد موظفين يمتلكون مهارات يحتاجونها، أن إنتاج المزيد من نفس الخريجين لا يمكن أن يكون هو الحل. إن التخرج من الجامعات لا يمكن أن يُنبئ بوظائف أحسن أو بحياة أفضل، لكن نتائج PISA يمكنها القيام بذلك.

ولتنجح الدول في تحويل المعرفة والمهارات إلى الوظائف والنمو والفوائد الاجتماعية التي تتطلبها البلاد، تحتاج البلاد إلى فهم أفضل لتلك المهارات التي تقود لنتائج اقتصادية واجتماعية قوية ومستدامة.

لا يمكن لبلد القيام بهذه المهمة بشكل منفصل. كما أنه من الصعب تقوم بتطوير مالايمكنك قياسه بشكل يعتمد عليه. تقوم PISA بالمهتين عن طريق تزويد الدول بمرآة توضح أداء أنظمة مدارسهم بالقياس إلى القيادات التعليمية في العالم.

قد لا تكون تلك الصورة جميلة في البداية. إذ حلت البرازيل في المركز الأخير في أول تقييم PISA لعام 2000. لكن الصدمة الأولى تبعها تحسن كبير لاحقاً. منذ ذلك الحين، أصبح نظام البرازيل التعليمي أكثر الأنظمة سرعة في التطور.

لقد حان الوقت للعالم العربي أن ينضم لمجموعة البلدان التي تتعاون من خلال PISA من أجل رفع المعايير التعليمية. أصبح العالم غير مبال بالتقاليد والسمعات السابقة، وغير متسامح، وجاهل بالأعراف والممارسات. سيحظى بالنجاح الأفراد، والمؤسسات، والدول السريعة في التكيف، والبطيئة في الشكوى، والمنفتحة على التغيير. إن مهمة هذه الحكومات أن تساعد مواطنيها على النهوض لمواجهة هذا التحدي.

* أندرياس شلايشر مدير التعليم والمهارات، ومستشار خاص لسياسة التعليم مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى