أخبار وتقارير

حساب تكلفة التعليم المجّاني في مصر

القاهرة – وجدت دراسة بأنّ التكاليف المرافقة للدراسة في جامعات مصر الحكوميّة “المجّانيّة” غالباً ما تجعل من التعليم العالي عبئاً ماليّاً بالنسبة لفرص البلاد الضئيلة والمحدودة في مجال حقّ المساواة في التعليم العالي.

تكلّف الكتب والدروس الخصوصيّة وأجور النقل – وسط مستنقع من المصاريف الأخرى – طلاّب الجامعات المصريّة حوالي 658- 1.054 دولاراً أميركيّاً في العام (حوالي 5.000-8.000 جنيه مصري)، بحسب دراسة أجراها مجلس السكّان الدولي، وهي منظّمة مقرّها الولايات المتّحدة الأميركيّة وتمتلك مكتباً في مصر.

إنّ التكلفة الحقيقيّة للتعليم العالي هي أحد الأسباب الرئيسيّة وراء إحجام الطلاب في عمر الدراسة الجامعيّة من ذوي الدخل المحدود عن الإلتحاق بالجامعات، بحسب مجلس السكّان الدولي، والذي تشير دراسته إلى أنّ نسبة الإلتحاق بالجامعة تتناقص وسط أبناء الطبقة الفقيرة في مصر مقارنة بالأثرياء.

قال معتز خورشيد، وزير التعليم العالي المصري السابق، “هنالك العديد من الفجوات التي تحتاج للمعالجة، نحتاج للجلوس وإيجاد طريقة أكثر فاعليّة في جعل التعليم العالي عدالة.”

أعلن مجلس السكّان الدولي نتائجه في مؤتمر عقده في القاهرة الأسبوع الماضي، مستنتجاً مشروعاً بحثيّاً بعنوان، “الإنصاف في الإلتحاق بالتعليم الجامعي في مصر”.

بحث المشروع جمع توصيات بخصوص خلق نظام تعليم جامعي حكومي أكثر إنصافا للطلاب المصريّين، الذين تلقّوا وعوداً بمجّانيّة التعليم العالي في جامعات الدولة منذ فترة رئاسة جمال عبد الناصر قبل أكثر من خمسين عاماً مضت.

ومن أجل تحديد التكلفة الحقيقيّة للإلتحاق بالجامعات المجّانية أجريت دراسة في مدينة الإسكندريّة الساحليّة المصريّة، ومدينة سوهاج الجنوبيّة، شمال الأقصر. ومن خلال حوارات مع أسر الطلاب الجامعيّين – الذين يدفعون في الغالب تلك المصاريف – ولقاءات أكثر عمقاً مع الطلاب، وجدت الدراسة بأنّ أحد أكثر الأجور ثقلاً تذهب للدروس الخصوصيّة. تتراوح أجرة الدروس الخصوصيّة التي يقوم بإعطاءها معيدون ما بين 26 دولاراً أميركيّاً (200 جنيه مصري) و197 دولارا (1.500 جنيه مصري) في الحلقة الدراسيّة الواحدة، ومن الممكن أن تكون ضروريّة بالنسبة للطلاب ليتمكّنوا من إجتياز مرحلتهم الدراسيّة، بحسب الدراسة.

تشكّل الكتب عبئاً ماليّاً إضافيّاً، حيث تكلّف ما بين 2.36 دولارا أميركيّا (20 جنيه مصري) إلى 19.76 دولاراً (150 جنيه مصري) للكتاب الواحد. ويتوجّب على الطلاب في الغالب شراء كتب ألّفها أساتذتهم بالإضافة إلى ملخصات كتبها المعيدون لتبسيط محتوىً آخر، أو عليهم المجازفة بالرسوب في تلك المادّة. في الغالب تعتبر إستعارة الكتب أو إستخدام نسخاً منها – عوضاً عن شراءها – أمراً غير مقبول.

قالت تيسير أبو النصر، الأستاذ الزائر في جامعة النيل، والتي حضرت مؤتمر الأسبوع الماضي، “إنّ هذه هي الممارسة الأكثر فساداً بكلّ وضوح، يجب أن يكون هناك فصل كامل بين الأستاذ والدرجات وبين ما إذا كان الطالب قد اشترى الكتاب أم لا.”

يشكّل النقل من وإلى الجامعة، وشراء التجهيزات كسمّاعات الطبيب بالنسبة لطلاب الطب، والملابس للحضور إلى الدراسة، والوجبات بين المحاضرات تكاليف إضافيّة يواجهها الطلبة.

بينما ترى نجوى مجاهد، الأستاذ المشارك في مدرسة التعليم العالي في الجامعة الأميركيّة في القاهرة، بأنّ التكلفة الكليّة – تصل إلى 8.000 جنيه مصري (1.054 دولار أميركي) في السنة – قد تبدو مرتفعة في البداية، إلاّ أنّها تقرّر في النهاية بأنّها معقولة بعد أخذ المصاريف المتنوّعة في الإعتبار قالت “إنّ ذلك منطقيّ جداً.”

أصبحت هذه المصاريف جزءاً من أسلوب حياة عائلات الطبقة الوسطى والطبقة المتوسّطة العليا، لكنّها قد تشكّل عائقاً أمام تعليم أبناء الأسر الفقيرة وتلك المنتمية للطبقة المتوسّطة الدنيا، بحسب مجاهد.

في الحقيقة، يمتلك الطالب الذي ينشأ في كنف أسرة مصريّة ثريّة فرصة للحصول على تعليم جامعي أفضل بسبع مرّات من الطفل الذي ينشأ في كنف أسرة فقيرة، وفقاً لبيانات جُمعت من قبل مجلس السكّان الدولي في مسح الناشئين والشباب في مصر عام 2009.

أمّا إلتحاق المرأة بالتعليم فهو مرتبط بشكل خاص بالثروة. حيث تتلقّى النساء ضمن العشرين في المئة الأكثر ثراءاً في مصر تعليماً أكثر من نظرائهنّ الذكور – 13.7 سنة من التعليم في المتوسّط مقارنة بـ 13.4 سنة للذكور، وفقاً لمسح عام 2009. في الوقت الذي تتلقّى فيه النساء ضمن العشرين في المئة الأفقر في مصر ما معدّله 5.5 سنوات، وهي نسبة أقل بكثير من الـ 8.2 سنوات من التعليم التي يتلقّاها الرجال في المتوسّط ضمن نفس الخُمس.

لكنّ إمكانيّة التعليم لا ترتبط بالجانب المالي فقط، حيث أنّ التصوّرات الثقافيّة حول دور ومسؤوليّات كلا الجنسين لها وبشكل خاص دور في الحد من قدرة المرأة التي تعيش في المناطق الفقيرة في مصر على تلقّي التعليم، بحسب مجاهد. فبعد التكلفة، يأتي الزواج كسبب رئيسي في عدم إلتحاق النساء بالجامعة، كما قالت مجاهد، نقلاً عن بيانات جمعها المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة).

سواء كان الطلبة ذكوراً أو إناثاً، فإنّ مناطق إقامتهم تلعب دوراً أيضاً. فأولئك المقيمين في مناطق حضريّة يمتلكون حظوظاً أكثر في الحصول على تعليم من أولئك الذين يعيشون في مناطق مصر الريفيّة، وفقاً لمسح عام 2009.

وبينما نأخذ في الإعتبار العوامل المختلفة التي يمكن لها أن تحدّ من إمكانيّة الحصول على تعليم عالٍ، قالت أبو النصر بأنّ التركيز لا يجب أن يكون على إمكانيّة الوصول فحسب، بل على إمكانيّة الحصول على تعليم جيّد. فجامعات مصر الحكوميّة مكتظّة وينقصها التمويل. وغالباً ما تفتقر إلى التدريس الصحيح والمرافق الكافية.

قالت أبو النصر، “هنالك افتراض بأنّ الذهاب إلى الجامعة يعني المضيّ في تحقيق العدالة الإجتماعيّة. لا، هذا لا يحدث، فنحن نهاجم نظام الكليّة حول العالم، أعطني نظام كليّة، ولكن أعطني نظاماً جيّداً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى