مقالات رأي

حوار مع زهرة بابار حول أبحاث العلوم الاجتماعية في قطر

الدوحة— تعتبر الورقة البحثية التي نُشرت في العام الماضي في مجلة الشرق الأوسط بقلم الباحثة زهرة بابار واحدة من الجهود البحثية القليلة التي اهتمت بقضية المواطنة في هذه الدولة الخليجية الصغيرة. ففي قطر، يشكل المواطنون القطريون أقلية، بحيث  تعتبر قضايا المواطنة والعمالة المهاجرة من القضايا الحساسة هنا.

تؤكد الورقة التى نُشرت بعنوان “ثمن الانتماء: بناء المواطنة في دولة قطر” أن المزايا المالية المتعلقة بحمل الجنسية القطرية أدت إلى وضع قيود على قضية المواطنة في الإمارة. حيث يشكل المغتربون 88 في المئة من إجمالي سكان قطر، بحسب  بيانات مجمعة  على موقع bqdoha.com.

تقول بابار، المدير المساعد للأبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون في قطر ومؤلفة الدراسة، إن الباحثين يواجهون تحديات عند تناول القضايا الحساسة ثقافيًا وسياسيًا في قطر. وقد تؤثر هذه التحديات على نتائج الأبحاث، على حد قولها.

لكن إجراء هذه الأبحاث ليس مستحيلاً، كما تقول بابار، والتي تأثرت اهتماماتها الأكاديمية والمهنية كثيرًا بوالدها الباكستاني والذي يعمل في السلك الدبلوماسي. فقد نشأت في تسع دول مختلفة وفهمت مدى تأثير الموارد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على التنمية الوطنية.  بدأت بابار مستقبلها المهني في مجال التنمية الحضرية والحد من الفقر في باكستان، ثم انتقلت للعمل في المنظمات الدولية  مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة العمل الدولية. في عام 2004، انتقلت إلى مجال البحث الأكاديمي في جامعة جورج تاون في قطر. وهناك في مبنى المدينة التعليمية بالجامعة، أجرت الفنار للإعلام حواراً معها.

ما نوع التحديات التي يواجهها الباحثون عند تناول القضايا الحساسة ثقافيًا وسياسيًا في  قطر؟

في مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون في قطر، لم نواجه من قبل أية مشكلة تتعلق بحساسية الأبحاث التي نجريها. ولم يسبق منعنا من البحث في أي مجال. فلقد تناولنا العديد من القضايا الحساسة على مدار سنوات، وبعضها يعتبر سياسيًا مثل الطائفية، والعمالة المهاجرة، وبعض الموضوعات الأخرى التي من المفترض ألا ترغب الحكومة القطرية أو الشعب القطري  في البحث فيها، ولكننا لم نواجه أية مشكلات حتى الآن. في أبحاثنا، لا نتبع ما يعتبر مناسبًا أو غير مناسب ولكننا نبحث في الموضوعات التي نرى أنها تحتاج إلى توضيح وفهم أعمق.

ولكن التحدي الوحيد الذي نواجهه عندما نطرق أي موضوع حساس كيفية الوصول إلى البيانات.

هل عانيت شخصيًا من مشكلة الوصول إلى البيانات أثناء عملك البحثي؟

أجريت بحثًا عن العمالة المهاجرة في قطر. في معظم الدول، تتاح للباحثين الكثير من البيانات حول المهاجرين، منها معلومات تفصيلية عن جنسياتهم، ونوعهم الاجتماعي، وغيرها من الصفات. وتعتبر هذه البيانات متاحة بشكل عام لأنها لا تعتبر معلومات حساسة في الدول الأخرى. ولكن في قطر ودول الخليج بصفة عامة، تعتبر هذه البيانات حساسة اجتماعيًا. وأنا أعتقد ان ذلك يرجع في المقام الأول إلى زيادة عدد المهاجرين عن عدد السكان الأصليين في البلاد.

وهذا لا يعني أن المعلومات غير متاحة دائمًا. ولكنها تعتبر في بعض الأحيان حساسة سياسيًا. ومن ثم، لا يجوز للباحثين الاطلاع عليها.

هل حدث من قبل أن حصلتِ على معلومات ولكنك لم تكونين واثقة من صحتها؟

بالطبع. نواجه في بعض الأحيان مشكلة دقة البيانات وطريقة جمعها. في بعض الأحيان نجد بيانات متناقضة أو أرقامًا لا تتماشى مع بعضها البعض. ويشكل ذلك معاناة مستمرة يجب أن يتفهمها الباحثون ويجدون طرقًا للتعامل معها.

فعندما كنت أطلع منذ عام مضى على بيانات السكان العرب المهاجرين إلى قطر، وحاولت أن أجد بعض البيانات التاريخية حول عدد المصريين أو الفلسطينيين الذين تواجدوا في قطر منذ 20 عامًا مقارنة بأعدادهم الآن، على سبيل المثال، كان من المستحيل أن أحصل على هذه البيانات. وكانت البيانات الوحيدة التي تمكنت من الحصول عليها من خلال منظمة العمل العربية تقول أن العرب شكلوا 40 في المئة من العمالة الأجنبية في عام 2007، وأنا على يقين من عدم صحة هذا الرقم.

كنت أرى أن هذا الرقم مبالغ فيه، لأن البيانات المتاحة في الدول الخليجية الأخرى في نفس هذا الوقت أشارت إلى مستويات أقل من المهاجرين العرب؛ حيث شكلوا حوالي 20 في المئة من العمالة.  وبالتالي لم يكن من المنطقي أن يعمل لدى قطر هذا العدد الكبير من المهاجرين العرب، في الوقت الذي رأينا فيه تحولاً على مستوى المنطقة إلى العمالة الآسيوية.

وبعد عدة محاولات، تمكنت من الوصول إلى البيانات من وزارة القوى العاملة في قطر. بالطبع الوزارة تحتفظ بهذه البيانات، ولكنها لا تشاركها مع الجمهور. وبعد ذلك، حاولت الحصول على المزيد من المعلومات في نفس الموضوع، ولكنني لم أنجح هذه المرة في الحصول عليها من خلالهم.

في ورقة بحثية أخرى حول المواطنة في الدولة، كنت أحاول معرفة عدد المغتربين الذين يحصلون على الجنسية القطرية كل عام.  ولكن لم يكن هناك سبيل للحصول على مثل هذه المعلومات. وحتى إنني لم أتمكن من الحصول على معلومات محددة تتعلق بعملية التقديم للحصول على الجنسية القطرية.

غلاف أحد كتب بابار

كيف تؤثر هذه التحديات على نتائج الأبحاث؟

عندما يعمل الباحثون في الدول الخليجية الستة، غالبًا ما تكون النتائج تصورية أكثر منها تحليلية. وغالبًا ما يكون ذلك بسبب نقص الأعداد والبيانات الكمية التي تدعم ما نقوله، وبالتالي في أغلب الأحيان يتحول البحث إلى سرد أكثر من كونه بحثًا يستند إلى بيانات.

ولكن من الناحية الإيجابية، فإن العقبات التي يواجهها الباحثون عند إجراء الأبحاث الأسهل أو الأكثر وضوحًا قد تقودهم إلى دراسة بعض الموضوعات الأكثر إثارة.  وأنا أعرف الكثير من الباحثين ممن واجهوا هذه التجربة وأنا شخصيًا واحدة منهم.

منذ عدة سنوات، طُلب مني العمل على إعداد تقرير حول “انعدام الجنسية” في الشرق الأوسط. بدأت عملي من خلال محاولة دراسة حالة الأشخاص الذين لا يحملون جنسيات في قطر، ولكنني اكتشفت قلة البيانات المتاحة حول هذا الموضوع، وكانت محاولة الوصول للمعلومات شبة مستحيلة. ونتيجة لذلك، بدأت في دراسة المواطنة في قطر على نطاق واسع، وأصبحت مهتمة بمعرفة كيفية تطور القوانين والحقوق المتعلقة بالمواطنة في البلاد. وفي النهاية، كتبت بحثًا عن المواطنة في قطر، وهو ما لم أخطط له من البداية، ولكنني سعدت به في النهاية.

كيف تجرون الأبحاث التي تتطلب إجراء حوارات مع أشخاص في موضوعات تعتبر حساسة من الناحية الاجتماعية؟

في جامعة جورج تاون، يجب أن نحصل على موافقة من مجلس المراجعة الداخلي قبل البدء في أية أبحاث بشترك فيها البشر، وخاصة إذا كان ذلك سيتضمن أسئلة خاصة حول آراء الناس أو تجاربهم أو مشاعرهم. فلا يمكنني أن أذهب وأوجه أسئلة للناس وخاصة إذا كانت حساسة قبل الحصول على موافقة مجلس المراجعة.

تعتبر هذه العملية في غاية الأهمية. فعندما نجري أبحاثًا جديدة، يكون هدفنا هو اكتساب معرفة جديدة دون تعريض الناس لأي خطر محتمل.

في منطقة الخليج العربي، قد يختلف تعريف ما يعتبر حساسًا أو خطيرًا. لدينا مشروع هنا بعنوان “الأسرة الخليجية”. (الهدف من هذا المشروع هو محاولة فهم التحديات التي تواجه الأسرة الخليجية.) في إطار هذه المنطقة، يعتبر هذا الموضوع حساسًا لأن المجتمع هنا محافظ والقيم مختلفة. وهناك خصوصية حول موضوع الأسرة ودور المرأة؛ حيث تعد الموضوعات مثل الطلاق على سبيل المثال موضوعات حساسة. ولو كنا نجري أبحاثًا على الأسرة الأميركية على سبيل المثال، لم نكن لنواجه مثل هذه المشكلات.

ولقد اكتشفنا أن التعاون مع المنظمات المحلية قد يكون مفيدًا عند البحث في هذه الموضوعات. ونقوم بذلك لأننا عندما نتناول أية قضية حساسة، نريد أن تحظى أبحاثنا بالترحيب وأن تشاركنا المؤسسات القطرية رغبتنا في القيام بمثل هذه الأبحاث.

في الدراسة المتعلقة بالأسرة الخليجية، تعاونا مع المعهد الدولي للأسرة في الدوحة. وهناك مثال آخر وهو البحث الذي أجريناه حول موضوع الهجرة. فلقد قمنا بثلاثة مشروعات حول هذا الموضوع من خلال مساعدة المنظمات المحلية، مثل وزارة العمل، واللجنة الوطنية لحقوق الانسان، ومؤسسة قطر لمكافحة الإتجار في البشر. فبالإضافة إلى مساعدتنا على دراسة القضايا الحساسة، فإن إشراك المؤسسات المحلية يخلق لديها إحساس بدورها في هذا العمل.

فبدلاً من رفض التطرق إلى المجالات التي تنطوي على الأغلب على مشكلات، نقوم بذلك بطريقة تجعل الناس أكثر ثقة فينا، فنحن لا نحاول لفت الانتباه نحو الأشياء السلبية، ولكننا نجري هذه الأبحاث لأهداف أكاديمية مشروعة.

يعتبر عدد كبير من الباحثين في قطر من غير القطريين. فكيف يؤثر ذلك على إجراء الأبحاث؟

يوجد في جميع أنحاء العالم باحثون أجانب يأتون لدراسة إحدى الموضوعات في أي دولة، ويكون لديهم  انحيازهم الشخصي، حتى لو لم يدركون ذلك. ولا يختلف الوضع بالنسبة لقطر.  قد يزيد الأمر في قطر عنه في الدول الأخرى بسبب وجود سكان من مختلف أنحاء العالم. لم يكن الباحثون يهتمون بمنطقة الخليج من قبل، ولكن هذا الأمر تغير على مدار السنوات الخمسة عشرة الماضية. فلقد جذبت قطر تحديدًا الكثير من الاهتمام الدولي مؤخرًا، ولكن هناك ميلاً أن تأخذ الأبحاث نمطًا سطحيًا في بعض الأحيان.

في بعض الأحيان، يكتب الناس مقالات عن قطر أرى أنها تفتقر إلى الفهم الكامل للمكان. ولكن من ناحية أخرى، أعتقد أن الجهود التي تدعم الأبحاث في مختلف الموضوعات في قطر، مثل جهود جامعتنا، وغيرها من الجامعات مثل جامعة قطر ومؤسسة قطر للتربية والعلة وتنمية المجتمع، ستغير ذلك.

لقد قضيت في قطر عشر سنوات، وأشعر بالإحباط إزاء الباحثين الذين يأتون من الخارج ليقضوا بضعة أسابيع لإجراء بعض الأبحاث، وخاصة حول موضوعات تتعلق بالهجرة والتي زاد الاهتمام بها مؤخرًا. وليس لديهم أدنى اهتمام بفهم مدى تعقيد هذه القضية من وجهة نظر القطريين.

كيف ترين مستقبل الأبحاث في البلاد؟

أتمنى ظهور المزيد من المنح الدراسية والأبحاث المتعلقة بالسكان الأصليين في الخليج. وأرجو أن يتأصل هنا هذا النوع من الثقافة البحثية. فقد يتردد أي باحث أجنبي عند تناول القضايا الحساسة في أبحاثه، ولكن الباحثين المحليين يمكنهم بسهولة تحدي الأنماط الفكرية السائدة في بلادهم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى