أخبار وتقارير

إلغاء مجانية التعليم يهدد مستقبل الآلاف من طلاب الجامعات المصرية

* تنشر هذه القصة بالتعاون مع مدى مصر.

لم تتمن طالبة الحقوق آية مرسي يوماً أن تدرس الحقوق، لكن مجموع درجاتها النهائي بامتحانات الثانوية العامة جعل من كلية الحقوق خيارها الوحيد. الالتحاق بكلية لم تحبها يوماً، بالإضافة إلى عملها في قسم الموارد البشرية في شركة خاصة للحصول على دخل إضافي جعل رسوبها في سنة دراستها الثانية أمراً حتمياً أيضاً.

في الظروف العادية، لا يجب أن يكون رسوب مرسي مهدداً لاستمرارها في التعليم المجاني الذي تتلقاه، لكن اتجاهات جديدة من الحكومة المصرية بربط مجانية التعليم الجامعي بمستوى الآداء الأكاديمي قد يضع مرسي، ومئات الآلاف غيرها من الطلبة، في موقف صعب جداً.

قالت مرسي “أُجبرت على دخول جامعة ثم كلية لا أرغب فيها، ُأجبرت على دراسة شيء لا أحبه، ثم ُأجبرت على أن أكون جزءاً من نظام تعليمي يشجع على الحفظ بدون أي عملية تعلم حقيقية، ثم ُيراد لي أن أجبر أن أدفع مالاً مقابل هذا الهراء؟ هذا ظلم.”

يعتبر مستوى درجات الثانوية العامة المعيار الوحيد لدخول الجامعات الحكومية المصرية، حيث يقوم مكتب التنسيق التابع لوزارة التعليم العالي بإرسال الطلاب للكليات والجامعات المناسبة لمجموع درجاتهم وتوزيعهم الجغرافي. كلما ارتفعت درجات الطلاب، كلما ازدادت فرصهم للالتحاق بما تعارف على تسميته “كليات القمة” كالطب والصيدلة والهندسة والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية. كما يضمن العيش في القاهرة والمدن القريبة منها أيضا الانضمام لكبرى الجامعات المصرية العريقة المتركزة في القاهرة بشكل كبير كجامعتي القاهرة وعين شمس. حالياً، يدفع طلاب الجامعات المصرية فقط مبلغاً زهيداً من المال نظير اصدار بطاقاتهم الجامعية.

أصدر المجلس الاستشاري لشؤون التعليم والبحث العلمي، الذي كونه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيلول/ سبتمبر الماضي، حزمة من مقترحات لسياسات لتطوير التعليم. كان أبرز هذه السياسات وأكثرها إثارة للجدل سياسة خاصة بتقليل الإنفاق الحكومي على دعم التعليم الجامعي من خلال ربطه بالدرجات التي يحصل عليها الطالب. النظام الجديد حال تطبيقه يشكل تهديداً حقيقياً لحق التعليم الجامعي المجاني الذي اكتسبه المصريون في ستينات القرن الماضي.

طبقا للدكتور طارق شوقي رئيس المجلس، فإن النظام الجديد سيكون نظاماً جديداً لدفع المصاريف الدراسية، حيث يتم التكفل بدفعها بشكل كامل للطلاب الحاصلين على 70 في المئة على الأقل من مجموع درجاتهم في شكل منح دراسية، بينما يتم إجبار الطلاب الحاصلين على أقل من هذه النسبة على دفع جزء من المصاريف الدراسية. أما الطلاب الراسبين  في كافة المواد، كما الحال مع مرسي، فيسدفعون مصاريف الدراسة بشكل كامل.

قال شوقي في تصريحات صحفية إن السياسة الجديدة تهدف إلى تغيير عقلية المصريين فيما يخص مجانية التعليم، وأن التعليم المجاني كحق مكتسب آن له أن ينتهي.

 إلا أنه لم يتضح بعد كيف سيتم تحديد طريقة دفع المصاريف الجامعية في السنة الأولى، وهل إذا ما كان مجموع درجات الطالب بالثانوية العامة هو المحدد لحصوله على منحة دراسية من عدمه. رفضت مصادر في المجلس الاستشاري التعليق مؤكدة أن المجلس في طور الانتهاء من إعداد الشكل النهائي لهذه السياسة بالإضافة لسياسات أخرى مختلفة.

طبقاً لشوقي، يتكلف الطالب سنوياً مصاريف دراسية تتراوح ما بين السبعة آلاف لعشرة آلاف من الجنيهات سنوياً ( نحو 900 إلى 1300 دولار أميركي) طبقاً لنوع الدراسة التي يدرسها والجامعة المقيد فيها كل طالب.

ستكون مرسي من ضمن هؤلاء الذين سيتأثرون بالسياسة الجديدة حال تطبيقها. فضلت مرسي أن تعمل بمجال تحبه على أن تهتم بدراسة الحقوق، مما يجعلها تذهب إلى الجامعة لمدة شهر واحد فقط في السنة خلال فترة الامتحانات حيث تحصل على إجازة بدون مرتب من عملها. قالت “الحضور ليس إلزاميا في كليتي، كل ما علي فعله هو شراء مذكرات لحفظ ما بها من معلومات قبل الامتحان. يحدث هذا في كل الكليات النظرية. أستطيع القول أن تسعون بالمئة من الطلاب في كليتي يحضرون إلى الجامعة هذا الشهر فقط للحصول على درجة علمية لن يستفيدوا منها في المستقبل.”

إذا تم تطبيق السياسات الجديدة، قد تضطر مرسي لدفع ما يوازي ما تدفعه هي في الأصل للإنفاق على حياتها كطالبة جامعية. كطالبة وموظفة، تدفع مرسي قرابة الخمسة آلاف جنيه سنوياً لشراء ملابس، ألف وخمسمائة جنيه للمواصلات، ألف جنيه للدروس الخصوصية، ومائتي جنيه للملازم الدراسية. قالت “الآن سأضطر لدفع سبعة آلاف جنيه إضافية على الأقل مقابل هذا التعليم الهزيل.”

إلا أن شوقي يؤكد أن الأموال التي ستوفرها الدولة من خلال السياسة الجديدة سيتم استخدامها في تطوير العملية التعليمية.

بدوره، قال رئيس المركز المصري للحق في التعليم عبد الحفيظ طايل إنه من الصعب القول أن التعليم الجامعي في مصر مجاني في المقام الأول، مشيراً إلى المصاريف الإضافية التي تتحملها الأسرة المصرية للصرف على تعليم أبنائهم كالكتب الدراسية والأدوات والدروس الخصوصية. كما يدفع المصريون الضرائب التي تستخدم في توفير الخدمات الأساسية كالتعليم، وبالتالي يدفع المصريون للتعليم “أكثر من مرة” على حد قوله.

تقول مرسي إنها رسبت في ستة مواد دراسية لأنها كانت على بعد درجة واحدة من النجاح في كل مادة، “الرسوب ليس دليلاً على الاستهتار، الكثير ممن يرسبون يعانون من نظام تقييم غير عادل، هناك من يعمل بسبب ظروفه الاقتصادية صعبة، آخرون لا يحبون دراستهم، إضافة إلى الفتيات اللاتي يرسبن بسبب رفضهن بعض محاولات التحرش الجنسي من قبل أساتذتهم.”

السياسة الجديدة غير معزولة عن السياسة كما يرى طايل، فهي استمرار للرغبة في تطبيق توصيات البنك الدولي بضرورة تقليص الانفاق على التعليم العالي.  فقد أوصى البنك الدولي بضرورة زيادة الانفاق على التعليم الفني وما قبل الجامعي. قال طايل “لم تفلح توصيات البنك الدولي في تحسين أي من التعليم الفني أو ما قبل الجامعي، فتقليل الإنفاق على التعليم الجامعي يعني إنهاء الدافع الوحيد للمصريين للاتجاه للتعليم من الأساس.”

أما كمال مغيث، الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية فيعتقد أن الدولة تنظر للتعليم كخدمة وليس كحق، ” ليس مسؤولية الطلاب أن يدفعوا ثمن عملية تعليمية فاشلة،” موضحاً أن الدولة عملت على جعل التعليم فرصة للاستثمار عوضاً عن جعله فرصة للابداع والتثقيف.

يأتي التوجه الجديد مع تطبيق سياسات يرى مراقبون أنها مثلت تراجعاً ملحوظاً من الدولة عن دورها في دعم التعليم الجامعي منذ التسعينيات، حينما تم اصدار القانون رقم 101 لسنة 1992 الذي يسمح بانشاء الجامعات الخاصة. في 2002 تم اصدار قانون للسماح بانشاء جامعات هادفة للربح.

إضافة إلى ذلك، أنشئت الحكومة أقساماً خاصة في الجامعات الحكومية يتم تدريس المناهج بها بجودة أكبر من خلال تدريسها باللغات الإنجليزية أو الفرنسية مقابل دفع الطلاب ما يقارب العشرة آلاف جنيه كل فصل دراسي. هذا النظام المزدوج أتاح الفرصة للطلاب الأغنياء أن يكون لهم فرصاً أفضل من الطلاب الأكثر فقراً.

بالنسبة لطايل، مجانية التعليم الجامعي لا يمكن ربطها بالآداء الأكاديمي نظرا للتمييز الذي يواجهه الطلاب المصريون منذ اللحظة التي يلتحقون بها بالجامعة، قال “لدينا تمييز على أساس الطبقة الاجتماعية، الموقع الجغرافي وحتى النوع الاجتماعي”. وطبقا لدراسة أجراها مجلس السكان الدولي في 2012، فإن الفتيات المقيمات في ريف الوجه القبلي هن الأقل التحاقاً بالتعليم الجامعي لأسباب لها علاقة بقلة الإمكانيات المادية والموروثات المجتمعية.

بالنسبة لمرسي، التي كانت يوماً ما عضو مؤسس بحركة مصر القوية الطلابية التابعة لحزب مصر القوية لكنها تركت العمل الطلابي مع قمع الحركة الطلابية إبان عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، فإن التمرد هو الحل حال تطبيق السياسة الجديدة. قالت بتصميم “لن أترك الجامعة، ولن أدفع المصروفات، وسيكون هناك حراك طلابي قوي ضد ذلك.”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميلShare to WhatsApp

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى