أخبار وتقارير

الجانب المظلم للتعليم العربي: الطلاب ذوو الإعاقة

الدوحة – بذل مؤتمر عُقد مؤخراً في العاصمة القطرية تحت عنوان “حتماً قادر” جهوداً للتأكّد من أنّ في مقدور الجميع المشاركة، من خلال سلالم مائلة تسهّل وصول الكراسي المتحرّكة إلى المنصّة، وترجمة لغة الإشارة إلى العربيّة والإنجليزيّة، إضافة إلى شاشة تعمل على تحويل الكلام مباشرة إلى كلمات مكتوبة.

حظي المؤتمر الذي استمّر ليومين بدعم المجلس الثقافي البريطاني في قطر وشركة ساسول، للطاقة وكيمياويات، من أجل توفير منبر لإيصال صوت ذوي الإحتياجات الخاصّة في المجتمع القطري، مع التركيز على المساواة في الحصول على فرص التعليم للأشخاص من ذوي الإعاقة.

على الرغم من أنّ الإطار العام للمؤتمر لم يكن إعتياديّاً، إلاّ إنّه شكّل وسيلة للتذكير بأنّ تغيّيرات قليلة من شأنها أن تخلق إختلافاً حقيقيّاً في مجال وصول المعاقين للفعّاليّات العامّة.

من بين 1.699.435 نسمة هم مجموع سكّان قطر، هنالك 7.643 شخص من ذوي الإحتياجات الخاصة، وفقاً للإحصاءات الرسميّة. كما وجد مسؤولو الإحصاءات في قطر عام 2010، بأنّ 33 في المئة  من الأشخاص المعاقين أكبر من سن 10 سنوات في قطر هم من الأميّين، بينما لا يمتلك سوى 12 في المئة منهم شهادة جامعيّة أو أعلى.

عوضاً عن التفاخر بالإنجازات، ركّز المؤتمر على الأمور التي لا تزال هنالك حاجة للقيام بها من أجل تحسين فرص تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة. ذكرت ليلى درويش، رئيس قسم الإحتياجات الخاصّة في المجلس الأعلى للتعليم في دولة قطر، التحدّيات الأربع الرئيسيّة التي تواجه دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في النظام التعليمي “البيئة المدرسيّة بحاجة لأن تتغيّر، الحاجة لمدرّسين متخصّصين، مساعدي المدرّسين لا يفهمون دائماً أولئك الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصّة، كما أنّ المناهج لم تتأقلم لتلبّي حاجات ذوي الإعاقة.”

بينما قطعت قطر شوطاً كبيراً في تكيّيف بيئة التعليم المدرسيّة بما يلائم إحتياجات الطلاب  ذوي الإحتياجات الخاصة، إلاّ إنّه لا يزال أمام البلد الخليجي الصغير طريق طويل فيما يخصّ التحدّيات الثلاث الأخرى.

تبنّى مجلس التعليم في البلاد تصميماً موحّدا لكلّ المباني المدرسيّة الجديدة. يضمن التصميم الجديد وصول الطلاب لجميع المدارس الحكوميّة المجهّزة بسلالم ملائمة للكراسي المتحرّكة ومصاعد. كما أنّ الحمّامات والمغاسل مكيّفة لإستعمال الطلاب. ويجري تحديث المباني المدرسيّة القديمة لتستجيب لمواصفات التصميم الجديد.

قالت منال عطيّة، منسّق إحتياجات الدعم التعليمي الإضافي في مدرسة البيان الثانويّة للبنات، إنّ المدرسة تضمّ ثمانية طالبات ضريرات ممّن يحضرن الدروس مع الطالبات الأخريات، ما عدا حصص العلوم. “الطالبات الضريرات يحضرن الفصول الدراسيّة مع زميلاتهنّ الأخريات. يساعد هذا الطالبات الأخريات على التعودّ على رؤية أشخاص من ذوي الإعاقة كجزء من المجتمع. كما إنّنا نعلّم الطالبات أساليب التعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة البصريّة.”

تحضر الطالبات الثمان حصص العلوم في فصل مجهّز بوسائل لتحويل المواد المكتوبة إلى طريقة بريل، بالإضافة إلى أجهزة لتسجيل الدروس، والتي يمكن للطالبات فيما بعد طباعتها بطريقة بريل ودراستها.

وتوفّر المدارس الحكوميّة ترتيبات خاصّة للطلاب أثناء الإمتحانات. يتضمّن الدعم منحهم وقتاً إضافيّاً في الإختبارات، وتوفير شخص لقراءة الأسئلة (للطلبة الذين يعانون من عسر القراءة)، أو توفير قاريء وكاتب لمساعدة فاقدي البصر.

قالت سامية حامد، منسّق إحتياجات الدعم التعليمي الإضافي في مدرسة السيليّة الثانويّة للبنين، إنّ المدارس الحكوميّة القطريّة تستجيب بشكل جيّد لإحتياجات الأطفال المعاقين أو أولئك الذين يعانون من صعوبات خاصّة في التعلّم. “لديّ حالة يحتاج فيها الطالب لكرسي جلوس من نوعٍ خاص في الفصل. قمت بإشعار مجلس التعليم فتمّ جلب كرسي مصمّم خصّيصاً من الولايات المتّحدة الأميركيّة للطالب.”

وأضافت حامد بأنّ البنية التحتية في المدارس الحكوميّة في قطر متكيّفة بشكل مثالي لتلائم حاجة الطلاب من ذوي الإحتياجات الخاصّة. “ما ينقصنا هو تغيّيرات في المناهج لتستجيب لقدرات أولئك الأطفال.”

يتّفق أنور السعيد، إخصّائي التعليم في مكتب اليونسكو في الدوحة مع ذلك. “هنالك الكثير لنقوم به في مجال التعليم أكثر من بناء منحدرات للكراسي المتحرّكة أو تجهيز المدارس العامّة بالمصاعد الكهربائيّة.”

وأضاف السعيد بأنّ أنظمة التعليم في العالم العربي غير مهيّأة للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء على صعيد الممارسة أو حتّى التنظيم.

وسأل السعيد “نعم، نحن نفتح مدارس لذوي الإحتياجات الخاصّة، ولكن هل نمتلك مدرّسين ومعلّمين قادرين على التعامل مع هؤلاء الأطفال؟ وهل هؤلاء المربّين مؤهّلين لتعليم أولئك الأطفال؟”

موضحاً أنّ كليّات التربية في العالم العربي تخرّج مدرّسين للتعامل مع الطلاب من ذوي الذكاء المتوسّط  فقط ولا تتضمّن إعداد مدرّسين للتعليم الخاص.

وإعترافا بالفجوة، أطلقت جامعة قطر شهادة ماجستير في التعليم الخاص قبل سبع سنوات. كما سيتم استحداث برنامج جامعي “بكالوريوس” في الموضوع العام الأكاديمي القادم. كما تقدم الجامعة  دبلوم مصمم خصيصاً للمعلمين الذين لديهم بالفعل درجة البكالوريوس ولكن يرغبون بتدريب إضافي في التعليم الخاص، وجميع هذه البرامج متاحة لكل من المواطنين القطريين والمقيمين.

تبدو الصورة أكثر حلكة في بلدان عربيّة أخرى ليست في ثراء قطر، التي تمتلك واحداً من أعلى المداخيل للأفراد في العالم.

يفهم جورج تامر، أستاذ الدراسات الإسلاميّة في جامعة فريدريك-ألكساندر في برلين، بشكل جيّد ما تتطلّبه مواصلة التعليم بصفته من ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم العربي. فبعد أن أصيب بشلل الأطفال في طفولته، لم يتمكّن تامر من الذهاب إلى المدرسة في وطنه الأم، لبنان، لأنّ المدارس لم تكن مهيّأة. وفوق ذلك، لم تكن وسائط النقل مكيّفة للأشخاص المعاقين. فكان واجباً على تامر أن يدرس في المنزل. ولهذا لم تكن دراسته منتظمة، ولم ينهي دراسته الثانوية حتّى سن الخامسة والعشرين من العمر.

وقال تامر خلال المؤتمر”لم أستطع مواصلة تعليمي العالي في لبنان للأسباب ذاتها: فلم تكن مؤسّسات التعليم العالي مناسبة للطلبة من ذوي الإعاقة. كان ذلك في منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، اليوم الأوضاع تقريباً كما هي.”

يمتلك أحمد حبيب، مدير قسم التواصل والتوعية في مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة (مدى)، منظّمة غير ربحية تساعد الأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصّة على إستعمال أجهزة الحاسب الآلي وغيرها من تقنيات، تجربة مماثلة في الإمارات العربيّة المتّحدة. فبسبب معاناته من إعاقة حركيّة شديدة، لم يتمّ قبول حبيب في أي مدرسة إبتدائيّة في أبوظبي حيث كان يعيش مع والديه.

قال “توجّب عليّ الدوام في مدرسة أميركيّة لأنّ المدارس الأخرى لم تقبل استقبال طفل مع إعاقة حركيّة في ذلك الوقت. كانت تكاليف المدرسة باهظة جدّاً، ولكن ولحسن الحظ كانت أسرتي قادرة على توفيرها.”

أكمل حبيب تعليمه في كندا. وبعد 30 عاماً عاد إلى المنطقة العربيّة، ليصاب بالإحباط لرؤيته بأنّ الوضع لم يتغيّر كثيراً منذ ذلك الحين.

قال “هنالك جهود وبمراحل مختلفة في الأقطار المختلفة، ولكن وعلى العموم لا يزال الطلبة المعاقين بدون أي فرصة حقيقيّة لدمجهم في المؤسّسات التعليميّة العامّة في المنطقة.”

وبحسب تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي للإمم المتّحدة لغرب آسيا ESCWA  عام 2014 حول الإعاقة في المنطقة العربيّة فإنّ إنتشار الإعاقة يتراوح ما بين 0.4 في المئة في قطر و حتّى 9.4 في المئة في السودان. مع ذلك، يدعو التقرير بأنّ إحصاءات مثل هذه يجب أن تؤخذ بحذر، بسبب شيوع إستعمال إحصاءات سكّانيّة غير دقيقة في تقدير نسب الإعاقة في العالم العربي، هذا بالإضافة لعوامل أخرى مثل الوصمة الإجتماعيّة، والتي قد تسهم في ثني الأشخاص عن الإبلاغ عن الإعاقات.

من التحدّيات الأخرى التي يواجهها الأطفال من ذوي الإعاقة الوصمة الإجتماعية التي ترافق حالتهم. قال حبيب ” لا نرى أطفالاً معاقين في الكتب المدرسيّة، أو الرسومات، أو المواد التعليميّة الأخرى. ولهذا فإنّ الأطفال الآخرين يتفاجأون لدى رؤيتهم زملاء معاقين.”.

أخبر حبيب المشاركين في المؤتمر عن عمل مركز مدى في تطوير تكنولوجيا مساعدة لتيسير الوصول الرقمي للقواعد التعليميّة من قبل الأشخاص المعاقين.

لكن العمل صعب. قال “إنّ النقص الحاد في الحلول والمحتوى التعليمي باللغة العربيّة مشكلة حقيقيّة في العالم العربي.”

علاوة على ذلك، فإنّ عدداً كبيراً من الأطفال ذوي الإعاقة السمعيّة ليس في إمكانهم القراءة والكتابة مما يقلّل من فرصهم للإستفادة من التكنولوجيا المساعدة المتوفّرة، بحسب حبيب.

وأضاف حبيب بأنّ المدرسة جزء واحد فقط من المشكلة. “لا يتوجّب علينا أن نتعامل مع المشكلة مجزّأة، المعاقون في المدرسة أو في المنزل أو في العمل. بل يتوجّب علينا النظر إلى الصورة كاملة. التنقّل بمفردهم في أرجاء المدينة، وزيارة المتاحف، والمشاركة في الأنشطة المتنوّعة، كلّ هذه الأمور جزء من الخبرة التعليميّة الشاملة.”

انتهت الجلسة التثقيفيّة للمؤتمر بسؤال جوهري لم يمتلك أيّ من المتحدّثين إجابة له: بعيداً عن البنية التحتية للمؤسسات التعليميّة، كيف تقيّم قطر جودة التعليم المتوفّر للطلبة المعاقين؟!

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى