أخبار وتقارير

جهود جديدة لحل مشكلة الفجوة بين الجنسين في الخليج

الدوحة– مع توفّر فرص الوصول لتعليم عالي عالمي، والحصول على مساعدات مالية سخية، تزداد أعداد الطلاب القطريين الساعين لإكمال تعليمهم العالي في بلادهم.

لكنّ تزايد إنخراط الطلاب لم يقلص بعد من الفجوة المزمنة بين الجنسين، بحسب مدرسين، حيث تحصل أعداد من النساء على درجات جامعية أكثر من الرجال في قطر وعموم منطقة الخليج.

تجري الآن بعض الجهود الوليدة لحل هذه المسألة في قطر ومناطق أخرى، على الرغم من أن المدرّسين يقولون إن هنالك حاجة للقيام بالمزيد من أجل التغلب على هذه المشكلة.

قال درويش العمادي، مدير معهد البحوث الإقتصادية والإجتماعية المسحيّة بجامعة قطر، “من المهم أن ندرك بأن قطر بحاجة لكل فرد.” فمع الأعداد الكبيرة من المغتربين العاملين في البلاد، لا يشكل القطريون سوى نسبة ضئيلة فقط من القوى العاملة. قال “لذلك، فإن لكل واحد منا أهميّة، وله دور ليلعبه في الإقتصاد. كلما إزدادت أعداد المتعلمين وسط الأجيال الشابة، كلما كان ذلك أفضل بالنسبة للبلاد.”

في العام الماضي، حصلت 989 طالبة على درجاتهن الجامعية من جامعة قطر الحكومية، والتي تضم أعلى تركز للطلاب القطريين، مقابل 280 طالب فقط. قال العمادي إن هذه الظاهرة ليست بجديدة وأن أعداد النساء دائماً ما تفوق أعداد الرجال في الجامعة بما يقارب نسبة 70 في المئة.

لكنّ الحكومة القطرية بدأت تلحظ ذلك مؤخراً فقط، فتم إعتبار زيادة أعداد الذكور المنخرطين في التعليم العالي على أنه الهدف الأهم في إستراتيجية التعليم في البلاد عام 2011.

قالت عزيزة السعدي، مديرة مكتب الأبحاث وتحليل سياسات التعليم، “لقد حددنا بدقة مشكلة التفاوت بين الجنسين.” وبينما لم تجد المبادرات طريقها إلى أرض الواقع بعد، “فإننا الآن في مرحلة تشكيل منهج مفصل لحل المشكلة.”

تعتمد إحدى الإستراتيجيات المشخصة ضمن المنهج على تعزيز التعليم التقني والمهني في المرحلة الجامعية. كما تحدد توجيهاً مهنياً في كافة المراحل الدراسية كإحدى وسائل حل مشكلة الفجوة بين الجنسين، بحسب السعدي.

اليوم، لا تستهدف أغلب برامج التوجيه المهني في المدارس القطريّة الذكور بشكل خاص. كما إنه لا يبدو بأن هنالك ثمة برامج أو جهود توعية تبذلها الجامعات القطرية تهدف بالتحديد لجذب الطلبة الذكور.

قال داميان دورادو، مدير برامج ما قبل الكليّة في جامعة كارنيجي ميلون في قطر، “نحن لا نمتلك أي شيء موجّه خصيصاً للطلاب الذكور من القطريين، لكنني أنتبه بشدة على الدوام، ومن خلال إستمارات التقديم والبرامج التي أقوم بها، لعدد الطلاب الملتحقين لدي ونسبة كلا الجنسين لأتأكد من أننا سنضمن تواجد عدد كاف من الذكور.”

حضر محمد الحر، طالب إدارة أعمال في جامعة كارنيجي ميلون، برنامج ما قبل الكليّة لدى الجامعة قبل عامين. الآن يقوم بتوجيه طلاب الثانويات القطرية ممن يرغبون في الإلتحاق.

قال “دائما ما يسألون عن طبيعة وحجم العمل. هم يسألونني عما إذا كان ذلك سيوجب عليهم قطع أنشطتهم الإجتماعية في حال إلتحاقهم بالكلية أو إذا ما كان أولئك الذين درسوا مناهجاً باللغة العربية سيواجهون مشاكل لدى إلتحاقهم بكلية تكون الإنجليزية فيها لغة التدريس والتوجيه الوحيدة.”

تساهم المخاوف حيال فقدان الحياة الإجتماعية لوحدها، بحسب مدرسين وآخرين، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى في إنخفاض نسب إلتحاق الذكور عن الإناث بالجامعات القطرية. إحدى تلك العوامل يتمثل في إمتلاك الذكور فرص أكثر للدراسة في الخارج مقارنة بفرص النساء بسبب التقاليد الإجتماعية المحافظة والتي تقيد النساء أحياناً من السفر إلى الخارج بمفردهن.

قال خالد المهنّدي، إخصائي الإستشارات الإجتماعية، إنّ قلّة الإلتزام يشكل سبباً آخر. لا يؤمن العديد من الشباب القطريين الذكور بأهميّة التعليم العالي ما دام في إمكانهم دخول سوق العمل بدون مؤهلات عليا (ما بعد الثانوية). فضلاً عن ذلك، فإن نظام التعليم الحالي لا يحث على التفكير الحر، بحسب المهندي، ولا يتعلم الطلاب في المراحل الإبتدائية والثانويّة بطريقة تحفز على الإنجاز.

قال “إنهم لا يمتلكون أي طموح أو حافز لمتابعة دراستهم العليا، فبإستطاعتهم وبسهولة تأمين وظيفة حكومية ذات دخل جيد أو الإلتحاق بالجيش عقب إنهاء الدراسة الثانوية.”

في الواقع، يعمل قرابة 77 في المئة من جميع الموظفين القطريين في القطاع الحكومي، وهي بديل أكثر جاذبية للرجال عن الدراسة الجامعية خصوصاً مع الإرتفاع الأخير في المرتبات. ففي عام 2011، قامت قطر برفع رواتب جميع المواطنين العاملين في القطاع الحكومي بنسبة 60 في المئة. بينما شهدت مرتبات أفراد الجيش إرتفاعاً نسبته 120 في المئة.

في الإمارات العربية المتحدة، من الشائع أيضاً إلتحاق الشباب بالجيش وسلك الشرطة في سن مبكرة، أو دخول قطاعات أخرى مثل صناعة النفط، بحسب محمّد الشامسي، عميد كليّات التقنيّة العليا، أكبر جامعة إتحادية في البلاد. وكنتيجة لذلك، فإنّ الفجوة بين الجنسين في التعليم العالي أمر طبيعي، على حد قوله.

وأضاف الشامسي بأن نسبة النساء في الجامعة التي يشرف عليها تشكل نسبة تتراوح ما بين 65 و 70 في المئة من مجموع 22.000 طالب وطالبة في المؤسسة، الموزّعين على مقرات الجامعة الـ 17 في عموم البلاد. لكنه لا يعتقد بأن الفجوة بين الجنسين مشكلة “تعمل الحكومة والمجتمع في الإمارات العربية المتحدة على تمكين المرأة لدخول سوق العمل، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، فإنّهم يعملون حيثما تكون هنالك حاجة لهم. ليست هنالك أية مشكلة.”

في عموم الإمارات العربية المتّحدة، تبلغ نسبة ترك الذكور للدراسة في المرحلة الثانوية حوالي 20 في المئة في السنة – وهي نسب أعلى بكثير من نسب ترك الدراسة للفتيات، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي، في أقصى شمال الإمارات.

تعمل المؤسسة مع مدرسين محليّين في محاولة لإبقاء الشباب الذكور في الدراسة مستهدفين المرحلة الثانويّة. ومن خلال البرنامج الجاري منذ الخريف الماضي والذي يعمل على بناء خبرات حياتية وتعزيز ثقة المراهقين بأنفسهم، فإن الهدف يتمثل في إبقاء أولئك المعرضين لخطر ترك مقاعد الدراسة الثانوية ضمن النظام التعليمي.

وعلى الرغم من أنّ البرنامج لا يزال في المرحلة التجريبية وقد بدأ مع 17 طالباً فقط، فإنّ البعض يقول إن تأثيره على الشباب المعرّضين لخطر ترك الدراسة يمكن أن يكون واضحاً.

قالت سهى شامي، الباحثة المشاركة في مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة، “عندما تتحدث معهم عما يريدون فعله في الواقع، فإنّهم يمتلكون أهدافاً خاصة بهم بالفعل تختلف عن الدخول في الجيش. أنا أعتقد بأنه سيكون من المفيد جداً أن نستثمر في ذلك على المدى الطويل أيضاً – أن نضمن منح هؤلاء الطلاب خيارات أخرى غير الجيش.”

لا تبدو الكيفية التي سيؤثر فيها هذا البرنامج على رغبات المراهقين في الإلتحاق بالتعليم العالي. كما إنه لا يبدو أيضاً جزءاً من أي حافز أكبر لحل مشكلة الفجوة بين الجنسين في الإمارات العربيّة المتحدة، وهذا يعني بأن المشكلة قد تستمر.

تظهر البيانات بأن الوضع سيبقى على ما هو عليه في قطر: حيث تخطط 72 في المئة من الفتيات القطريات – مقابل 60 في المئة من الذكور القطريين – في المدارس الحكومية للحصول على شهادة البكالوريوس أو درجات عليا عقب إنهائهن دراستهن الثانوية، بحسب دراسة أجراها معهد البحوث الإقتصادية والإجتماعية المسحية بجامعة قطر.

قال العمادي، مدير المعهد، إن تشجيع الذكور القطريين على إكمال تعليمهم العالي أو سعيهم للحصول على وظائف ترتبط بالإقتصاد المعرفي يجب أن يكون جهدا مشتركا بين الحكومة والمجتمع. “إنّه جهد إجتماعي شامل، ولا يمكن لجامعة قطر أو المؤسسات التعليميّة القيام به على إنفراد. لابد من وجود إستراتيجية واضحة يمكن من خلالها لهذه المؤسسات أن تساهم فيها.”

 * كتبت كامل من الدوحة، ولينتش من الإمارات العربيّة المتحدة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى