أخبار وتقارير

الجزائر: ثقل الحقائب المدرسية يهدد صحة الطلاب

الجزائر- آلام في الظهر والرقبة، تعب وإرهاق شديد، وعدم تساوي الكتفين أثناء الوقوف، أعراض تعاني منها سعاد، التلميذة في الصف الرابع ابتدائي منذ سنة.لم تستطع بسبب الآلام التي تنتابها من الذهاب إلى المدرسة عدة مرات.  لم يولي والدا سعاد أهمية في بداية الأمر إلى أن لاحظا اعوجاجاً في ظهر ابنتهما فحملاها مباشرة إلى الطبيب المختص في العظام، والذي شخص الحالة بعد اجراء الفحوصات اللازمة بأنها اعوجاج خفيف بالعمود الفقري نتيجة حمل أثقال كبيرة الوزن على الظهر لمدة طويلة.

تلخص معاناة سعادة مع حقيبتها المدرسية، مشكلة أكثر من ثمانية ملايين تلميذ وتلميذة بالجزائر معظمهم في المرحلة الابتدائية ويعانون من الجنف (تقوس العمود الفقري نتيجة حمل أوزان ثقيلة). إذ يضطر طالب في الرابع ابتدائي لحمل عشرة كتب على الأقل، وزن كل واحد منها حوالي الكيلو والنصف، مما يكشف نمط التعليم المعتمد والقائم على حفظ النصوص عوضاً عن مناقشتها.

قال علي شبيطة، أستاذ علم إجتماع التربية بجامعة سطيف، “بعض الطلاب يتناسون عمداً كتبهم في البيت للتخفيف من حملهم الثقيل. ومع الوقت يصبح التلميذ أكثر نفوراً من المدرسة والمعلم، وأكثر رغبة في ترك مقاعد الدراسة.”

يتسبب الجنف بتضييق القفص الصدري وبالتالي الضغط على الرئة مما يُصعب عملية التنفس ويتسبب بآلام الظهر والتعب والارهاق، بحسب مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي ورئيس مصلحة طب الأطفال بمستشفى الحراش.

ويلفت خياطي إلى أن ثقل الحقيبة ليس وحده سبب الاصابة بالجنف، بل إن طريقة حمل الحقيبة ونوعيتها يشكلان أيضاً سبباً للمرض. لذلك لابد من توعية أولياء الأمور بأهمية انتقاء حقائب صحية، وتعليم أولادهم الطريقة السليمة لحملها. فعلى أقل تقدير، يتوجب عدم استخدام الحقائب القماشية وحملها على كتف واحد بل حمل حقيبة الظهر على الكتفين معاً لتوزيع الحمل بالتساوي.

يقر المسؤولون على القطاع بنقص المتابعة الصحية المتخصصة في المدارس الجزائرية، والتي يمكن بوجودها تدارك الخطر في الوقت المناسب قبل وصوله إلى المراحل المتأخرة. قال شنوف رضا، مدير المدرسة الابتدائية بوعمامة بالعاصمة “إن المتابعة الصحية تتم بواسطة فرق متنقلة لا تزور المؤسسة إلا مرة في السنة أو مرتين، ويقودها طبيب عام غير متخصص، ويتم التركيز أثناء المعاينة فقط على الأمراض  المعدّية دون سواها، وهو ما يجعل اكتشاف الجنف أمرا صعب في الوسط المدرسي”.

تجتهد بعض مديريات التربية للتخفيف من وزن الحقيبة المدرسية والحد من أخطارها، والوصول إلى الوزن المسموح بحمله بين 10 و15 بالمئة من وزن التلميذ، على غرار ما قامت به مديرية التربية بالجزائر العاصمة وسط. حيث خصصت المديرية خزائن وأدراج في بعض المدارس ليحتفظ فيها التلاميذ بكتبهم دون حملها إلى البيت.

غير أن مسعود عمراوي، المكلف بالاعلام بالاتحاد الوطني لعمال التربية، يرى بأن مثل هذه المبادرات لا يمكنها أن تحل المشكلة، لأنها لا تتوافق وطبيعة البرنامج الدراسي المكثف أصلا. قال”لايمكن ترك الكتب في المدرسة نظرا لحاجة الطالب لها في المنزل لاتمام واجباته الدراسية.”

بدوره، يقدم خالد أحمد، رئيس اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ، مجموعة من الاقتراحات العملية لتخفيف عبء الحقيبة التي قد يصل وزنها لنحو 10كلغ أي نحو 34 في المئة من وزن الطالب على حد قوله “إن تلميذ السنة الرابعة ابتدائي يملك 12 كتاب وإحدى عشر دفتراً، وهو عدد كبير جدا، لذلك نطالب أيضا بتجزئة الكتب إلى أقسام خاصة بكل فصل.”

لكن مقترح أحمد يعني إعادة طباعة الكتب المدرسية وهو الأمر الذي يكبد الحكومة خسائر مالية إضافية بحسب رأي البعض، خاصة مع التصريحات الرسمية التي تؤكد وجود إحتياطي كبير من الكتب تكفي لثلاث سنوات قادمة. قال أحمد “صحة أولادنا لا تقدر بثمن، وهذه الحجة غير مبررة لأنه سنويا يتم تصحيح الأخطاء الواردة في الكتب المدرسية، وعلى الوزارة أن تعمل على تقسيم الكتب والكراريس وفق فصول السنة الدراسية.”

حتى الآن، فشلت كل الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية لتخفيف وزن حقائبهم خلال السنوات الماضية، حيث صدرت الكثير من التعليمات لمتعلقة بتخفيف الحقيبة المدرسية للسنة الأولى والثانية ابتدائي من خلال تقليص عدد الدروس، وإلغاء بعض الكتب الدراسية ودمج بعض المواد الأخرى.

إلا أن شبيطة يدعو لضرورة التأني في مراجعة المناهج التعليمة. قال “لا يجب أن يكون حل مشكلة ثقل الحقيبة المدرسية على حساب المحتوى التعليمي الذي سيصبح مشوها بعمليات الحذف والدمج بين المواد.” داعياً إلى ضرورة أخذ الوقت اللازم للمراجعة والتدقيق. قال” إن إصلاح المنظومة التربوية بحاجة إلى التفكير في جميع جوانب العملية التعليمية، ولا يمكن اختصار المشكلة بالحقيبة المدرسية التي ستبقى مشكلة ما دام حلم استعمال التكنولوجيات الحديثة بعيد المنال.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى