مقالات رأي

وداعاً يا جامعتي!

حان الوقت الوداع وأخذ كل الذكريات التي تشاركناها في الجامعة معنا والمغادرة.

وعلى الرغم من أن كلماتنا اليوم يجب أن تكون سعيدة وتعكس صدى فرحتنا، إلا أن سعادتنا تتناقص بسبب الحقائق الصعبة التي يمر بها العالم الذي نحن على وشك الخروج إليه. هذا العالم الذي مازال لديه الكثير ليعلمنا.

ولأن كلٌ منا سيشرع اليوم في رحلة غير معروفة، أعتقد أنه يتوجب علينا التفكير فيما تعلمناه في صفوفنا داخل  الجامعة الأميركية في بيروت وأيضا -وربما الأهم- ما تعلمناه في الحرم الجامعي الذي حافظ على بيئة فريدة من نوعها من الانفتاح والتفكير النقدي والالتزام بالتنوع الديني والوطني، في الوقت الذي تختفي فيه هذه القيم بسرعة في منطقتنا.

تخصصت في التصميم والتخطيط العمراني، وهو المجال الذي يتطلب منا التعامل مع المدن والتعرف على تعقيدها وهشاشتها أيضاً. نحن نتعلم منها بقدر ما نتعرف عليها. بينما كنا نحاول فهم القوى التي تشكل مدننا، كنا نواجه بحزن نماذج عالمية من التدهور البيئي المتزايد. في لبنان، تصارع المدن لمكافحة ندوب الحروب التي علينا تجاوزها الآن. كما نواجه تحديات عديدة لتوفير المأوى والمياه والتعليم لعدد لا يحصى من السكان الفقراء، الذين تهجر الكثير منهم بسبب الفقر والعنف. إنهم يكافحون في كل لحظة من أجل بعض من الأمل.

حتى الآن، أثبتت سياساتنا أنها تعزز الفصل. أصبحت بيروت يوماً بعد يوم المدينة أكثر الإقصائية. نحن في حاجة ماسة لإعادة أنسنة مدننا والاستثمار في المجال العام من خلال استصلاح المعاني المشتركة المفقودة من المساحات الحضرية لدينا. علينا أن نعترف ونحترم اختلافاتنا، ولكن أيضاً قيمة تنوعنا وزيادة المساحات المشتركة التي تجسده وتغذيه.

أود هنا أن أقتبس ما قال المخطط العمراني الأمريكي الشهير جين جاكوبس جادل ” تمتلك المدن القدرة على توفير شيء للجميع، لكن فقط عندما يتم إنشاؤها من قبل الجميع”. إن العالم الذي ينتظرنا في أزمة، لذا سيكون لدينا الارتقاء لمستوى التحديات التي نواجهها، وإيجاد العزم للعب دور إيجابي في ذلك.

كمصمم ومخطط عمراني، تعلمت أيضاً أن التغيير ممكن، في كثير من الأحيان، من خلال تدخلات صغيرة تعمل كسلسلة من ردود الفعل الإيجابية (آلاف العناصر المُمكنة الصغيرة) . لقد حولت تجربتي في الجامعة الأميركية في بيروت رحلتي التعليمية إلى انخراط أخلاقي.

https://www.bue.edu.eg/

قبل عامين، جئت إلى هنا مع الاعتقاد بأن التغيير ممكن. فتحت الجامعة الأميركية في بيروت لي أبواب للمعرفة وأيضاً قدمت لي وسيلة للرؤية والتفاعل مع العالم السماح لي لتحقيق هذا الاعتقاد. اليوم، نفس الأبواب تفتح مرة أخرى لكن لأغادر محملة بالدروس التي أتطلع أن تتحول إلى ممارسة. نحن جميعاً محظوظون للغاية بالحصول على فرصة أن نكون جزءا من الجامعة الأميركية في بيروت وتطوير معرفتنا من خلال جميع الموارد التي أتيحت لنا.

بالطبع يضع هذا مسؤولية جديدة على أكتافنا لاستجواب كل قوى الهيمنة التي تميل إلى إنتاج التفاوتات التي تعاني منها مدننا. بغض النظر عن الأقسام التي تخرجنا منها، تقع علينا مسؤولية جماعية لنشر المعرفة من أجل مستقبل أفضل. والسماح للشهادة التي نحصل عليها اليوم أن تصنع عالماً أفضل وليس أن تكون مجرد أداة للحصول على وظيفة جيدة.

مع تخرجي، أود القول أن رحلتي في الجامعة الأميركية في بيروت كانت قصيرة لكن مزدهرة. لهذه أود أن أشكر:

– عائلتنا التي دعمت طموحاتنا الجامحة.

– أساتذتنا، لتعليمنا رؤية العالم بعيون ناقدة. نحن لن ننسى أبداً توجيهاتكم.

– جميع موظفي الجامعة والسكرتارية والإداريين وعمال النظافة والحدائق، وكل من ساهم في جعل المؤسسة على ماهي عليه اليوم.

– زملائي، تعلمنا من بعضنا البعض بقدر ما تعلمنا معاً طوال الدورات.

لقد وصلنا جميعاً لهذه اللحظة بفضل دعمكم وتوجيهكم. نحن نعدكم أن لا نكون مجرد جيل من الخريجين، بل أن نرتقي إلى مستوى توقعات مؤسسي الجامعة الأميركية في بيروت وإرث الأجيال التي سبقتنا وزرعت بذور التقدم في لبنان. دعونا نكون فخورين ومبدعين، ولكن أيضاً معطائين وعطوفين.

دفعة 2015، آمل أن تحافظوا دائماً على تعاطفكم وأخلاقيات التعامل مع تحديات الحياة. ليكن كل خريج منكم واحد من “آلاف العناصر المُمكنة الصغيرة”. أتمنى لكم جميعا حياة متميزة. تهانينا!

* بترا سماحه، حاصلة على درجة الماجستير في التصميم العمراني من الجامعة الأميركية في بيروت

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى