أخبار وتقارير

سوريا: عندما تتحول البيوت إلى مدارس

* ملاحظة المحرر: تم استخدام الأسماء الأولى فقط في القصة لحماية الأشخاص الذين تمت مقابلتهم.   

 دمشق— في كانون الثاني/ يناير غادرت نجوى على عجل منزلها في بلدة تلبيسة، وسط سوريا. اعتقدت أن غيابها لن يزيد عن بضعة أيام، ولم تكن تعرف أن الكتب والدفاتر الجديدة التي تركتها على طاولتها ستدفن تحت رماد الحرب.

تتشابه قصة نجوى (9 سنوات) مع قصص الكثيرين من الأطفال السوريين في عمرها، الذين اضطروا مع عائلاتهم للنزوح وترك منازلهم ومزارعهم وأعمالهم ومدارسهم.

هذا العام، يبلغ الأطفال – الذين ولدوا مع انطلاقة الانتفاضة السورية في أذار/ مارس 2011 ضد الرئيس بشار الأسد – سنّ المدرسة. حتى الآن، تم إغلاق أكثر من  7000 مدرسة من أصل 22000 مدرسة في مختلف أنحاء البلاد، في الرقة وحلب ودير الزور وإدلب وريف دمشق.

وفي محاولة من الأهالي والمعلمين لتجاوز مشكلة انقطاع أبنائهم وبناتهم عن المدارس، يقوم البعض بافتتاح مدارس سرية غير رسمية. إذ يقومون بتحويل غرف من منازلهم إلى فصول دراسية لتحل محل تلك التي تم قصفها.

تقع مدينة تلبيسة إلى الشمال من مدينة حمص في سورية على الطريق الدولي الذي يخترق سورية من الشمال إلى الجنوب، وهي واحدة من أولى المدن التي ثارت ضد النظام وكانت ساحة لمعركة بين قوات النظام والمعارضين.

بعد مقتل أحد أقاربها في غارة جوية، انتقلت عائلة نجوى إلى بسيرين، على بعد 15 كيلومتراً جنوب تلبيسة.

https://www.bue.edu.eg/

في هذه القرية الصغيرة والتي لايتجاوز تعداد سكانها ألفي نسمة، حولت رنا، طالبة جامعية، غرفة في منزلها إلى فصل دراسي يجمع الأطفال القادمين من تلبيسة وغيرها من المناطق.

لا يمكن للمدارس المحلية أن تستوعب العدد كبير من الطلاب النازحين. كما تخشى الكثير من الأسر إرسال أطفالها إلى مدارس القرى المجاورة بعدما تم اختطاف بعض الأطفال وطلب فدية لإطلاق سراحهم. 

يواجه سعي رنا للحد من تسرب الأطفال المدرسي تحديات عديدة.

قالت “نضطر لجمع أطفال من أعمار مختلفة في صف واحد. في الشتاء، يعاني الطلاب من البرد الشديد بسبب عدم وجود وسائل تدفئة في القرية. في بعض الحالات، كنا نقوم بحرق الحطب للتدفئة وكثيراُ ما عانينا من الدخان في الغرفة، حتى كدنا نختنق.”

طلاب مدرسة رنا

غيرت الحرب أحلام الأطفال. ترغب نجوى، التي طالما تمنت أن تصبح رسامة، أن تصبح طبيبة اليوم. أراد زميلها أنس أن يصبح طياراً، لكنه اليوم يحلم أن يكون مهندساً لإعادة بناء منزله الذي هُدم في غارة جوية.

في الشتاء الماضي، اجتمع 25 طالب وطالبة في غرفة لا تزيد مساحتها عن 16 م وهم يرتجفون من البرد. في شباط/ فبراير، استمر انقطاع التيار الكهربائي أكثر من 12 ساعة. تجمع الطلاب باكراً حول المدفأة الكهربائية-  المصدر الوحيد للدفء- بحماس بانتظار عودتها. 

يستخدم كل ثلاثة طلاب كتاب واحد من المنهاج التعليمي الرسمي للبلاد. قبلت رنا مساعدة رجل ثري في القرية لشراء الأقلام والدفاتر. كما تستخدم لوحة بلاستيكية كسبورة. كما قسمت رنا، التي تدير المدرسة لوحدها، الطلاب إلى مجموعتين. الأولى تضم طلاباً من ست إلى تسع سنوات، والثانية تضم طلاباً من 10 إلى 12 سنة.

تحصل كل مجموعة على ثلاثة حصص دراسية في اليوم، قالت رنا “أحاول العمل وفقاً للإمكانيات المتاحة.”

كما تتعاون مع صديقتها الحاصلة على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي لتعليم الأطفال اللغة الإنجليزية.

بالطبع، كسب اهتمام الأطفال في مثل هذه الظروف القاسية ليس بالأمر السهل. لذا تحرص رنا على تقديم بعض فصول الرسم والأشغال اليدوية لتشجيع الطلاب والترويح عنهم.

قالت “كل يوم، لدينا حصة للرسم والأشغال اليديو للتسلية خاصة وأنه لايوجد لدينا ساحة للرياضة أو اللعب.”

اقترح زملاء رنا في كلية التربية في جامعة البعث في محافظة حماة إنشاء المزيد من هذه الفصول غير الرسمية، لكنهم أبدوا تخوفاً من عدم قانونية مثل هذه المبادرات التطوعية. حيث يتطلب افتتاح أي مؤسسة تعليمية موافقة السلطات الحكومية، بالإضافة إلى موافقة الأجهزة الأمنية. وبالطبع فالأمل ضعيف جداً بإمكانية الحصول على مثل هذه الموافقات.

اليوم، تستعد رنا لإجراء امتحان نهاية العام. يبدي الأطفال حماسة للانتقال لصفوف أعلى.

قال عبد الحكيم (10 سنوات) “أحلم أن أصبح مدرسا للغة الإنجليزية. والدي الذي توفي العام الماضي كان حريصاً على تعليمي مفردات باللغة الإنكليزية. أريد ان أكمل دراستي لأكون مثل والدي.”

بدورها، قالت زميلته صفاء”كنت أحلم بأن أصبح مهندسة لأساهم في بناء بلدي، لكنني غيرت رأيي وأريد أن أصبح طبيبة نسائية.”

شاهدت صفاء سيدة حامل تموت خلال ولادتها لعدم تمكن الجيران من نقلها للمستشفى بسبب الهجمات التي استهدفت منطقتهم في ذلك الوقت.

في منزل بالقرب من المدرسة، تقوم نور بإعداد وجبة أسبوعية من الدجاج والأرز للطلاب. قالت “طالب العلم حتى الملائكة تفرد له جناحيها، فمن باب أولى أن نهتم بضيوفنا من المناطق التي تعرضت لدمار كبير، وأن نضع كل إمكانياتنا في خدمتهم وخصوصاً الأطفال. وكما قال تشرشل لأن أخسر الحرب أفضل من أن يتوقف التعليم لعام واحد، فكيف الحال بنا ونحن ندخل عامنا الخامس وبعض التلاميذ أجبرتهم الظروف على الابتعاد عن مقاعد الدراسة.”

يسفر استمرار الصراع عن تزايد في حالة عدم المساواة في الفرص التعليمية. إذ انقطع كثيرون عن دراستهم واضطروا للعمل لمساعدة أسرهم. ويقدر تقرير صادر عن المركز السوري للدراسات والأبحاث، مؤسسة غير حكومية مقرها دمشق، أن هناك ثلاثة ملايين طفل سوري لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة في سوريا والدول المجاورة.

قالت رنا “يزداد التهديد بتدمير مستقبل جيل كامل من الطلاب، الذين وصفتهم اليونيسف بالجيل الضائع. إن تدهور الأوضاع الصحية والنفسية والصدمات التي تعرضوا قد تكون صعبة الشفاء.”

وبينما يبدو الحديث عن قرب انتهاء الصراع بعيد المنال، يعتقد البعض أن مبادرات كمبادرة رنا أمر شديد الأهمية.

قال ياسر، موظف سابق في قسم المناهج في وزارة التربية والتعليم، ” في الوقت الذي ينشغل به الجميع في القتال، فإن خلق مثل هذه الوحدات التعليمية الصغيرة  يمكن أن يكون أحد الحلول.”

يعتقد ياسر أن المجتمع المدني يمكن أن يلعب دوراً هاماً جداً لملء فجوة فقدان ثلث المدارس في البلاد، لكن “نحتاج إلى دعم من المنظمات الدولية لضمان استمراريتها وإمكانية تنفيذها في مناطق الصراع الأخرى.”
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميل

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى