أخبار وتقارير

ليبيا: تعثر برنامج الإبتعاث الخارجي للطلاب

يشارف برنامج المنح الدراسيّة المدعوم من قبل الحكومة الليبيّة، والذي تضمن القيام  بإرسال عشرات الآلاف من الطلاب للدراسة في الجامعات الأجنبيّة، على نهايته وفقاً لمسؤولين ليبيّين.

شهد البرامج تعثر مستمر في تسديد المدفوعات المالية المترتبة عليه حول العالم. ففي الشهر الماضي، أطلقت الحكومة الليبيّة تمويل السنة الدراسيّة 2014-2015 – لتنهي أشهراً من المصاعب التي واجهها الطلاب في صراعهم من أجل تغطية نفقاتهم ودفع رسوم دراستهم والحصول على قرض من أجل دراستهم.

لكنّ المسؤولين الآن يقولون إنّهم غير متأكّدين في ما إذا كان في إمكانهم مواصلة دفع رسوم الطلاب المسجّلين في تلك البرامج الدراسيّة، ويشكّكون في إمكانية إستفادة طلاب جدد من البرنامج.

قال أحمد البنوني، المشرف على المنح الدراسيّة في لجنة شؤون المحاربين في ليبيا، جمعيّة تأسّست لمساعدة المقاتلين على إعادة الإندماج في الحياة المدنيّة بعد إنتهاء الحرب الأهليّة الليبيّة الأولى في عام 2011، ” توقّف الدعم المالي لبعض الوقت. نحن لا نعرف إذا ما كانت هنالك أموال تكفي للدفع من أجلهم. لكنّ المؤكّد أنّه لن يكون هنالك تمويل لأي طالب جديد بسبب سياسات التقشّف.”

بدوره، قال علي أبو صلاح، الذي يدرس الخدمات المصرفية الإسلاميّة في جامعة تون حسين أون في ماليزيا، إنّ السنة الماضية كانت صعبة للغاية. فقد كان ينتظر بشكلٍ روتيني ومن دون جدوى وصول مدفوعات منحته الدراسيّة كلّ شهر. فقط الشهر الماضي، وصلت دفعة الربع الأول من العام الحالي.

قال أبو صلاح، “نحن نعرف كم المعاناة التي يعايشها بلدنا بسبب الأوضاع الأمنيّة والإقتصاديّة السيئة، لكنّنا لا نمتلك وسيلة أخرى للتمويل. لقد تمّ طرد بعض الطلاب من بيوتهم بسبب عدم تمكّنهم من دفع رسوم الإيجار. فيما يواجه آخرون مشكلات في تلقّي العلاج الطبّي بسبب توقّف التأمين الصحّي أيضاً”

كان صلاح سعيداً بإستلام المدفوعات المتعلّقة من الحكومة الليبيّة. لكنّه لا يعرف إذا ما كان سيكون في إمكانه تلقّي الدعم المالي للخريف القادم، “ليس واضحاً إذا ما كان قد تمّ حلّ المشكلة بشكلٍ كامل أم أنّنا سنواجه ذلك النقص في التمويل مرّة أخرى.”

قال البنوني إنّ المدفوعات المتأخّرة قد أجبرت بعض الطلاب على ترك دراستهم. فليس لديهم سوى القليل من الموارد في حالة عدم تمكّنهم من إيجاد مصادر أخرى للتمويل. “نحن نعلم بأنّ العديد من الطلّاب قد عانوا، ولسوء الحظ لا نستطيع فعل أي شيء من أجل مساعدتهم.” ملقياً باللوم على الصراع السياسي الذي سبّب ذلك النقص في التمويل.

منذ إندلعت الحرب الأهليّة الليبيّة الثانية في عام 2014، إنخفض إنتاج النفط في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، وأصبح الحكم في البلاد فوضويّاً. وأصبح لزاماً على بقايا الحكومة المنتخبة بشكلٍ ديمقراطيّ مغادرة العاصمة، وبدأت أربع فصائل مسلّحة على الأقل تتنافس من أجل السيطرة على البلاد. فأصبحت حقول النفط، وموانيء التصدير، وعائدات المبيعات الحاليّة من نصيب العديد من الجماعات المتحاربة، بما في ذلك ميليشيات الدولة الإسلاميّة.

أرسل برنامج المنح الدراسيّة، الذي تديره لجنة شؤون المحاربين ووزارة التعليم العالي الليبيّة، ما يقرب من 5.700 طالب إلى الخارج سنويّاً للدراسة في الجامعات الأجنبيّة وجلب خبراتهم إلى البلاد بعد تخرّجهم. والآن يدرس ما يقرب من 20.000 طالب وطالبة حول العالم على حساب هذا البرنامج.

لكنّ علامات توقّف وشيك للبرنامج بدأت بالظهور.

ففي أواخر أيّار/مايو، أعلن المكتب الكندي للتعليم الدولي، والذي يدير برنامج المنح الدراسيّة في شمال أفريقيا، بأنّه لن يشرف على البرنامج إعتباراً من تشرين الأوّل/أكتوبر القادم. وقالت جنيفر همفريز، المتحدّثة بإسم المكتب، في رسالة وردتنا عبر البريد الإلكتروني، إنّها لا تعرف الجهة التي ستحل محلّ المنظّمة “لإدارة البرنامج”.

وقال المكتب في تصريحٍ له، “لقد تأخّر تمويل البرنامج عدّة مرات في العام الماضي، ويفتقر البرنامج حاليّاً لتغطية الإحتياجات الأساسيّة للطلاّب، بما في ذلك نفقات المعيشة، والتأمين الصحّي، والرسوم الدراسيّة.”

جاء هذا الإعلان عقب توقّف تمويل التأمين الصحّي للطلاّب الذين يدرسون في الجامعات الأميركيّة في آذار/مارس وتلاشي التمويل لتغطية النفقات في كندا في أوائل شهر أيّار/مايو، بحسب همفريز.

تكافح الجامعات من أجل مساعدة الطلاّب للبقاء في الكليّات، والحصول على التأمين الصحّي وتوفير الطعام لأسرهم. حيث يدرس العديد من المستفيدين من برامج المنح للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه وقد إصطحبوا أزواجهم وأطفالهم معهم إلى الخارج.

قال جون سنيغارد، المدير التنفيذي لمكتب الشؤون الدوليّة في جامعة كولورادو دنفر، حيث يدرس 26 من طلاّب برنامج المنح الدراسيّة الليبي، “إنّهم حقّا طلاّب من الطراز الأوّل. من المؤلم جدّا رؤية تأثير تلك الأحداث البعيدة على حياة الطلاّب وأسرهم. هذا هو الجيل القادم في ليبيا. إنّهم من سيقومون بإعادة بناء ليبيا. نحن نأخذ هذه المسؤوليّة على محمل الجد.”

مضيفاً أنّه أيّا كانت الجهة التي ستحل محل المكتب الكندي للتعليم الدولي، فإنّه سيكون عليها الكثير لتقوم به لملء الفراغ. وقال إنّ العاملين في المكتب كانوا يعملون بشكلٍ وثيق مع مؤسّسات التعليم العالي في جميع أنحاء أميركا الشمالية، وهم يوفّرون الإستقرار اللازم للطلاب والمدارس في حين تتصرّف الحكومة الليبيّة بشكلٍ لا يُمكن التنبّؤ به.

قال سنيغارد “أشعر بالقلق حيال الجهة التي ستتسلّم البرنامج،وهل ستكون لديهم نفس الحافز لدعم الطلاب والمؤسّسات؟”

أما شيريل هانسن، مديرة الخدمات الدوليّة للبرامج العالميّة في جامعة ولاية واشنطن، حيث يدرس 51 من الطلبة الليبيّين على حساب برنامج المنح، فقالت إّن العديد من الطلاّب في أميركا الشماليّة أصبحوا معتمدين على عطف الكنائس المحليّة، والمجاميع المجتمعيّة، والملاّك الذين يسمحون لهم بدفع الإيجار دفعة واحدة عندما تصلهم مصاريف معيشتهم من الحكومة. في أميركا الشماليّة، يتمّ تحويل مصاريف المعيشة إلى حسابات الطلاّب بشكلٍ متقطّع، بينما لا تزال مدفوعات الرسوم الدراسيّة قيد الإنتظار.

قالت هانسن، “لم يدرك أحد الطلاب، والذي لم يمرّ على فترة وجوده في الولايات المتّحدة سوى ما يقرب من ستّة أشهر أو نحو ذلك، بأنّ عليه أن يقتصد ويدّخر. فإختبر الطريقة الصعبة وتعلّم من الليبيّين الآخرين ممّن يتواجدون هنا لسنواتٍ عدّة بأنّ عليه أن يدّخر من أجل الأوقات العجاف لأنّ أحداً لا يعرف متى ستأتي.”

تسبّبت مشاكل التمويل أيضاً بالعديد من الإشكالات الماليّة للجامعات. إذ يدفع مكتب البرامج الدوليّة في جامعة ولاية واشنطن ما يقرب من 500.000 دولار أميركي كرسوم معيشة في بيت الطلاب الدوليّين ثم يستعيد تلك الأموال من الحكومة الليبيّة، بحسب هانسن. وقد يعلق المكتب في مشاكل إذا لم تدفع الحكومة تلك الأموال.

وقد قام الأساتذة بالاتصال بهانسن معربين عن قلقهم بشأن مغادرة الطلاب الليبيّين من دون الإنتهاء من عملهم.

قالت هانسن، “إذا ما كان الطالب سينسحب، فكيف يمكن أن يؤثّر ذلك على القسم؟ لقد تلقّينا بعض الإتصالات من الأقسام التي أعربت قلقها حيال الطلاب المنخرطين في منح ومشاريع بحثيّة.”

يعتبر علي الريّس، 22 عاماً، والطالب في قسم هندسة الكهرباء في جامعة ولاية ميشيغان، نفسه محظوظاً. فما عليه سوى أن يكمل بعض الوحدات الدراسيّة القليلة ليتخرّج في السنة الدراسيّة القادمة. وفي صيف هذا العام، بدأ العمل كمتدرّب بأجر لدى شركة هندسيّة محليّة، لذا فإنّه يتوقّع بأنّه ستكون لديه الأموال الكافية نقداً لدفع أجور الدروس الضروريّة والتخرّج لينال شهادة البكالوريوس.

يأمل الريّس في أن يتمكّن الطلاّب الحاليّين ممّن لا تزال أمامهم سنوات دراسيّة عديدة من تلقّي التمويل الكافي لإنهاء دراستهم. كما يشعُر بالأسى حيال الليبيّين الآخرين ممّن لن يتمكّنوا من الدراسة في الخارج في العام القادم. لكنّه لم يتفاجأ من كون برنامج المنح الدراسيّة ينهار. إنّها مؤسّسة ليبيّة أخرى تنهار وسط الحرب الأهليّة، بحسب الريّس.

قال “المشكلة لا تكمن في البرنامج فحسب. المشكلة هي في تحديد هويّة من يدير البلاد؟ لا يمكنك معرفة من الذي يقوم بإدارة البلاد الآن. إنّ المشكلة في البرنامج هي ذات المشكلة مع ليبيا. طالما تتواجد الآن عمليّا حكومتان  تتحاربان من أجل السلطة، وليس هنالك سيولة في الأموال، فإنّ الإقتصاد مشلول ولا يمكن للحكومة أن تدفع.”

* ساهمت رشا فائق ورضا فحيل البوم أيضا في كتابة هذه القصّة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى