أخبار وتقارير

غياب الثقافة الجنسية يورط الطلاب في المغرب

في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم ربيعي في إحدى المستشفيات الواقعة بين مدينتي إفران وفاس، يتفاوض رجل ببطن منتفخ في الخمسينيات من عمره برفقة إمرأة شابة حول دفع أجور عملية غير قانونية. يعانق الرجل الشابة، ويطلب منها أن تقوم بخلع ملابسها، فتبدأ الفتاة بالإرتجاف. تتساءل مريم، الخريجة الجامعية، إذا ما كان ذلك مجرد كابوس.

تتجمد أطراف الشابة ما أن يقوم رجل، قدم نفسه بوصفه مدير المستشفى، بإدخال حبة إلى الرحم بواسطة أداة مخروطية الشكل. أصيبت مريم بالدوار، وبدأت تبصر النجوم.

قام الرجل بحقنها مرتين بسائل غير معروف، قبل أن تعود إلى المنزل. عانت مريم من تشنجات عنيفة، وتأملت أن تنجح العملية هذه المرة.

لكنها لم تفلح.

حاولت مريم إجهاض الجنين بواسطة الحبوب. وجربت الحقن أيضاً. وقامت بزيارة أحد الأطباء في مكناس، والذي حاول إدخال إصبعه في فتحة شرجها قبل أن يتم طردها من العيادة عندما طلبت منه إحضار صديقة إلى غرفة العمليات.

وأخيراً، وفي إحدى عيادات الرباط، عثرت مريم على أحد الأطباء لينهي حملها. وعلى الرغم من أنها لم تلحق بنفسها أذى جسدياً دائماً، إلا أن التكاليف المالية والنفسية كانت كبيرة كما قالت.

خلال رحلتها في البحث عن وسيلة للإجهاض، وهو إجراء غير قانوني في المغرب إلا في ظروف محدودة للغاية، كانت مريم وحيدة تماماً. شرع المغرب إستعمال وسائل منع الحمل في ستينيات القرن الماضي. ويتوفر الواقي الذكري مجاناً في المستشفيات العامة ويتم بيع وسائل منع الحمل في حالات الطواريء في الصيدليات. تعتبر عمليات الإجهاض قانونية فقط إذا كان الحمل يشكل تهديدا لصحة الأم، أو في حالات الإغتصاب، أو العيوب الخلقية الشديدة.

لكن التثقيف حول وسائل منع الحمل في شمال أفريقيا يركز على المتزوجين فقط. وتعتبر العلاقات الجنسية قبل الزواج غير قانونية ومصدر وصمة إجتماعية كبيرة، بحسب مسح أجرته فرنسا في عام 2006 حول منع الحمل في حالات الطوارئ في أفريقيا.

لكن الكيل التقليدي بمكيالين منتشر في المجتمع المغربي. حيث يبدو وكأن الثقافة تعتبر ممارسة الجنس قبل الزواج أمراً ضرورياً لإثبات الرجولة، لكن 90 في المئة من النساء اللاتي شملهن الإستطلاع قلن إن الحفاظ على عذريتهن قبل الزواج يعتبر “واجباً إجتماعياً”. وقال معظم الرجال إنهم يرفضون الزواج من إمرأة ليست عذراء، وأجاب أحدهم مشبهاً السلوك الجنسي للنساء قبل الزواج بممارسة البغاء.

مع ذلك، تبدأ العديد من النساء الدخول في علاقات جنسية قبل الزواج، ففي دراسة نشرتها صحيفة الإيكونومست L’Economiste عام 2006، ذكرت 34 في المئة من النساء إنهن دخلن في علاقة جنسية قبل الزواج.

لكن إكتشاف أمر العلاقات الجنسية للنساء غير المتزوجات يعتبر أمراً شائناً، وإذا ما كانت حاملاً، فيمكن أن تواجه المرأة النبذ التام وسوء المعاملة. ونتيجة لذلك على ما يبدو، تكون مستويات الإجهاض غير القانوني مرتفعة: ما بين 130.000 و150.000 عملية يتم إجراءها سنوياً، بحسب دراسة نشرتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID في عام 2003.

إذا ما كانت وسائل منع الحمل في متناول الجميع، لماذا إذن تتواجد الكثير من حالات الإجهاض غير القانوني؟

يشكل الجهل حول موضوع الجنس سلوك عدم الوقاية. فقد وجدت الدراسة المسحية الفرنسية بأن النساء غير المتزوجات غالبن ما يبدأن النشاط الجنسي من دون وسائل منع حمل، حيث تتم مناقشة موضوع التكاثر بشكل موجز في المدارس ويتم التغاضي عنه في المنزل.

في المدارس، يرفض العديد من المعلمين والمعلمات تدريس الموضوعات المرتبطة بالجنس للتلاميذ الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وهو العمر الذي يتأخر كثيراً عن وقوع معظمهم في ورطة. وترفض بعض السلطات الإسلامية موضوع الثقافة الجنسية قبل الزواج لغير المتزوجين، حيث يعتقد رجال الدين بأنها تشجع على الإختلاط.

على الرغم من توقيع وزارة التربية الوطنية المغربية مؤخراً على مشروع لتعزيز الثقافة الإنجابية في المدارس العامة، فإنه من غير الواضح إذا ما كان هذا الإجراء سيغطي موضوع ممارسة الجنس قبل الزواج.

كما إنه يفشل بسبب كون المتخرجين حديثاً من المدارس الثانوية سيدخلون إلى الجامعة غير مستعدين للثقافة الجنسية.

بإمكان طلاب بعض الجامعات تجنب الحمل والأمراض التي تنتقل عن طريق الإتصال الجنسي من خلال الحصول على وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ في الحرم الجامعي أو شراء الواقي الذكري من المدن القريبة.

وكبقية الشباب المغربي، يحصل طلاب الجامعات على ثقافة جنسية محدودة. حيث تتم مناقشة نموذج الطب الحيوي الأمراض، وعلاجها، والوقاية منها، لكنها تتجاهل إلى حد كبير مناقشة الجوانب النفسية والإجتماعية للسلوك الجنسي، مثل الإحترام، والذي يمتلك تأثيراً قوياً على قدرة الطالب على إتخاذ القرار.

يعتقد الدكتور جلال توفيق، الطبيب النفسي ومدير مستشفى الرازي في سلا، بأن جهل الطلاب يتأتى أيضاً من ثقافة الصمت.

قال توفيق، “إنه مجتمع محافظ، والطلاب لم يتعلموا الحديث عن حياتهم الجنسية بسهولة.”

يقول محمد، وهو طالب سابق، بأن الطلاب الجدد من الذكور يتوقعون أن تكون الحياة الجامعية إنعكاسا لفيلم الفطيرة الأميركية American Pie، وهي سلسلة أفلام كوميدية أميركية عن الجنس في سن المراهقة تتكلم عن أولاد يحاولون فض عذريتهم. ويسعى العديد من الشباب المغاربة للحصول على العديد من اللقاءات بطريقة قسرية، بحسب محمد، وغالباً ما يتغافلون عن الممارسات الجنسية الآمنة.

قال محمد واصفاً الطريقة التي يفكر بها الرجال حسب إعتقاده “سأبقى مصراً حتى تسقط وتقوم بأي شيء.”

بدورها قالت ليلى، الطالبة الجامعية، إن الكيل بمكيالين في موضوع الجنس يتضح من خلال اللهجة العربية المحلية.

وتضيف بأنه في اللهجة المغربية، يُنظر إلى الجنس على أنه أمر يفعله الرجال بالنساء، وليس أمراً متبادلاً، كممارسة الحب بين شخصين بالغين برضاهما. وتقول إن معظم الطالبات يحاولن الإحتفاظ بما يُعتبر دليلاً مادياً على عذريتهن قبل الزواج، حتى إذا كن  يقمن بعلاقاتٍ جنسية.

وعند السؤال عن العواقب التي ستواجهها الطالبة العزباء الحامل، ذكر محمد الأعباء النفسية الناجمة عن الدين.

قال “عندما نتحدث من الناحية الدينية، فإن ممارسة الجنس قبل الزواج محرم. يُنظر إلى الأمر على أنه شيء شرير، كما لو أنها إرتكبت أسوأ جريمة في تاريخ الإنسانية.”

وقال سيمو، الطالب الجامعي، إن معظم أصدقاءه تسببوا في حمل نساء، وإن النساء في كثيرٍ من الأحيان قمن بإجهاض أنفسهن بسبب الخوف والعار بخصوص تفكير ذويهم في الأمر. “المجتمع المغربي محافظ جداً. الناس كالديدان…والطريقة التي سيعاملونها بها.”

بالإضافة إلى الحمل وإنتقال الأمراض الجنسية، يمكن أن يؤدي الجهل لحدوث حالات  خطرة. يتذكر محمّد رحلة ليلية مع مجموعة طلابية مختلطة. فعلى الرغم من كون ترتيبات النوم كانت تفصل على أساس الجنس، واصل أحد الرجال محاولته إجبار إحدى النساء على ممارسة الجنس. عاد محمد مع المرأة إلى الحرم الجامعي لمساعدة المرأة التي تعرضت للإكراه في التخلص من الجاني المزعوم.

وبحسب غلوريانا بيوناتي، الأستاذة والمستشار في إحدى المدارس، أفاد الطلاب بأن إستعمال عقار الروهيبنول أصبح شائعاً، وهو عقار يستعمل في حوادث الإغتصاب يمكن أن يوضع خفية في مشروب النساء. وأضافت بأن الطالبات الشابات معرضات بشكل خاص للعنف الجنسي لأنهن غير مستعدات ولا يتوقعن حصول ذلك.

يعتقد سيمو بأن التثقيف الجنسي على مستوى طلاب الجامعة الجدد يمكن أن يقلل من نسب المخاطرة ويساعد الشباب في أن يتعلموا ضرورة حصولهم على موافقة واضحة وصريحة من الشريك قبل الشروع في أي نشاط جنسي.

في الولايات المتحدة الأميركية، وجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأنه ومن أجل إيجاد دورة تثقيف جنسي فعالة، يتوجب على المعلمين التركيز على الحد من السلوكيات التي يمكن أن تتسبب في الحمل غير المرغوب فيه والإصابة بالأمراض الجنسية، وإتخاذ موقف واضحة من الممارسة الجنسية غير الآمنة، وتكييف المواد الدراسية بما يتواءم وثقافات الطلاب. وتستغرق البرامج الفعالة بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، 14 ساعة أو أكثر، ويمكن أن تعمل بكفاءة أفضل مع المجاميع الصغيرة.

يعتقد عبد الحميد لطفي، الإداري في إحدى المدارس قرب فاس، بأنه من الممكن للمدارس والجامعات إيجاد دورات فعالة للتثقيف الجنسي. ويؤكد على أن من شأن دورة مصممة تصميماً جيداً أن تقود الطلاب لفهم ومناقشة السلوك الإجتماعي وحقوق الإنسان العالمية.

قال لطفي “يجب على التربية الجنسية أن تسير جنباً إلى جنب مع ما يحدث في البيئة الإجتماعية.”

في عام 1994، أعلن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بأن الحصول على خدمات الرعاية الصحية والتعليم من حقوق الإنسان الأساسية. ومن أجل مساعدة الطلاب على إدراك حقوقهم، يعتقد العديد من المربين في مجال الصحة بأن على الجامعات المغربية التركيز على الثقافة الجنسية.

* طلب الطلاب عدم الكشف عن هويّتهم بسبب الوصمة الإجتماعية المرتبطة بمثل هذه الموضوعات.

* إيدا صوفي وينتر، طالبة جامعية في قسم الصحافة في جامعة ميزوري. ودرست في جامعة الأخوين في إفران، في العام الدراسي 2014-2015، كباحثة حاصلة على منحة بورين Boren.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى