مقالات رأي

عندما يتحول “الحل” إلى مشكلة

قرر المجلس الأعلي للجامعات فى مصر تطبيق التوزيع الإقليمي على الطلاب الراغبين في الالتحاق بكليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، بحيث سيتم حصر الالتحاق بهما على طلاب القاهرة الكبرى وإقليم القناة (الإسماعيلية- السويس- بورسعيد) وسيناء، مما يعد استثناء واضحاً وصريحاً لطلاب باقي المحافظات المصرية والتي لا توجد بها كليات على نفس الدرجة من الجودة التعليمية.

بحسب القرار الجديد، لم يعد ممكناً لطالب الصعيد فى مصر أن يدرس فى كلية الاعلام بجامعة القاهرة أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بنفس الجامعة حتى وإن كان متفوقاً وحاصلاً على معدل مناسب في الثانوية العامة فقط لكونه من صعيد مصر ومحل سكنه مسجل بها.

يبرر مؤيدو القرار أنه جاء بهدف تخفيف الضغط على جامعات العاصمة والتقليل من اغتراب الطلاب عن مدنهم، من خلال تحديد الحيز الجغرافي للإدارة التعليمية التى كان الطالب تابعاً لها فى الثانوية العامة وحصر الخيارات الجامعية المتاحة أمامه بالكليات الواقعة في منطقته الجغرافية فقط. كما يقول البعض إن كلية الإعلام في القاهرة لم تعد قادرة على استيعاب كل طلاب الجمهورية. ويعتقد أخرون أن القرار سيحل أزمات عديدة مثل أزمة ازدحام المدن الجامعية والسكن الطلابي وأزمة المواصلات وتكدس المدرجات.

بداية، يتنافى قرار المجلس الأعلي للجامعات تماماً مع ما جاء فى تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في التعليم بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى الدورة السابعة عشرة والذي نص على وجوب قيام الدول باعتماد “تدابير للقضاء على التمييـز وضـمان المساواة في الوصول إلى التعليم للجميع”، إذ يعتبر قراره مخالفة صريحة لمبدأ  تكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف فى إمكانية الالتحاق بالتعليم العالى.

فمن أول صور تكافؤ الفرص أن يتاح لكل طالب متقدم للدراسة الفرصة فى التسجيل فى الكلية التى يرغب بها وفقاً لمعدله في الثانوية العامة وليس وفقاً لموقعه الجغرافي، خاصة وأن جميع الطلاب في مصر يخضعون لامتحان ثانوية عامة موحد.

يسعى غالبية الطلاب الراغبين بدراسة الإعلام أو الاقتصاد إلى الالتحاق بجامعة القاهرة العريقة والمعروفة بكوادرها التدريسية القديرة في هذين التخصصين فضلاً عن التجهيزات الفنية والتدريبات العملية التي توفرها كلية الإعلام في القاهرة لطلابها. في المقابل، تفتقر أقسام وكليات الأقاليم للتجهيزات الفنية والاستديوهات والخبرات اللازمة لطلاب هذه الكلية.

كما أن حل مشكلة ارتفاع أعداد الطلاب الملتحقين بكلية الإعلام في القاهرة لا يجب أن يكون بمنع طلاب الأقاليم من دخولها، ولكن بتطوير كليات وأقسام الإعلام في كل جامعات المحافظات. أما الحديث عن حل أزمة السكن الجامعي والمواصلات فلا يجب أن يكون على حساب طلاب المحافظات بل من خلال التخطيط لبناء المزيد من الواحدات السكنية الطلابية وإعادة تخطيط الشوارع وتنظيم قطاع المواصلات.

لقد أعلن وزير التعليم العالي السابق أنه ضد فكرة التوزيع الإقليمي من الأساس، مشدداً على أن قرار تطبيق التوزيع الإقليمي، بشكل عام، وعلى كليات الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية بشكل خاص، هو قرار المجلس الأعلي للجامعات، واللجنة العليا للتنسيق. وقال الوزير في تصريح صحفي أنه لايفرض رأيه على المجلس الذي يتخذ قرارته بإجماع أعضاءه.

لذلك فإنني أدعو المجلس الأعلى للجامعات لإعادة النظر في هذا القرار ، إذ لايجوز حرمان الطالب المتفوق من الالتحاق بكلية لمجرد محل إقامته الجغرافي.

لابد أن يضع المجلس والمسؤولون عن التعليم نصب أعينهم مبدأ الإنصاف في امكانية الالتحاق بالتعليم العالي، والانتباه إلى أهمية تواصل وتفاعل طلاب العاصمة مع طلاب الأقاليم على مقاعد الدراسة وانعكاسات ذلك على المجتمع بأكمله.

كما يتوجب العمل على تطوير جامعات الأقاليم وتأمين ما يلزمها من بنى تحتية وكوادر تدريسية مؤهلة لتكون منافساً لجامعة القاهرة وتجتذب طلاب العاصمة وليس فقط طلاب إقليمها. عندها فقط يمكن إعادة النظر والتفكير بجدوى تنفيذ مثل هكذا قرار.

* إيهاب حمدي أستاذ محاضر في كلية الإعلام جامعة الإسكندرية.
AddThis Sharing ButtonsShare to FacebookShare to TwitterShare to ارسال ايميلShare to WhatsApp

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى