أخبار وتقارير

مؤرخ مستقل يوثق الحياة في ظل تنظيم “داعش”

تنشر المقالة بالتزامن مع حوار مع مؤسس مدونة “عين الموصل” التي يرد ذكرها هنا.

اليوم، تسيطر الدولة الإسلامية على إقليم بحجم المملكة المتحدة يمتد من مدن دير الزور والرقة السورية إلى الموصل ومقاطعة ديالي في العراق. ويتصدر هذا التنظيم من المتطرفين عناوين الصحف، ومع ذلك لا يزال من الصعب تكوين صورة واضحة عن طبيعة الحياة تحت حكم هذه المجموعة المتشددة.

ومن ناحية أخرى تحاول مجموعة قليلة من الصحفيين والباحثين ملء هذا الفراغ.

منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو ما يسمى بداعش على الموصل في العراق في يونيه 2014، تم تخصيص مدونة على موقع الفيسبوك “عين الموصل” باللغتين العربية والإنجليزية لملء هذا الفراغ. توثق المدونة أعمال رجم كل من يزعم أنه ارتكب الزنى، وإلقاء الرجال من أعلى المباني لاتهامهم بالشذوذ الجنسي، وغيرها من أحكام الإعدام التي تنفذ على الملأ وأعمال القتل السرية. كما تشرح المدونة تفاصيل الحياة اليومية والتي تشمل القيود المفروضة على حرية المرأة في التحرك، والدخل الذي تحصل عليه الدولة الإسلامية من خلال الضرائب التي تفرضها على المواطنين، والطريقة التي تسيطر بها على المصانع ومعامل تكرير النفط، وعواقب الهجمات الجوية الأمريكية.

كما تناقش المدونة الحالة العامة في المدينة وتكتب عن بعض الحالات النادرة للمقاومة الشجاعة من قبل سكان الموصل، والتي تشمل تصرفًا قام به صاحب المدونة حين أنار الشموع داخل الكنيسة المسيحية بمناسبة عيد القيامة ونشر صورة على مدونته تعبر عن تمنيه عودة المسيحيين إلى مدينتهم.

كما تعتبر هذه المدونة في حد ذاتها تعبيرا عن المقاومة مثلها مثل غيرها من المدونات التي يقوم عليها صحفيون مجهولون في بعض المدن التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية؛ حيث يتحملون مخاطراً كبيرة، كما يقول حسن حسن، والذي شارك في تأليف كتاب الدولة الإسلامية “داعش”: داخل جيش الإرهاب” (سيمون وستشوستر 2015)، ويعد زميلاً مشاركًا في برنامج تشاتام هاوس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لندن. في أي إقليم تسيطر عليه، ينجح تنظيم الدولة الإسلامية في اقتلاع جذور أي نوع من أنواع المعارضة. قال حسن “أنتم لا تعرفون طبيعة ما يجري في هذه المناطق.”

تعتبر داعش أي شخص يجمع المعلومات أو ينشرها خائنًا بحسب تعريفها؛ حيث يخشى هذا التنظيم من أن يتم استخدام أية معلومات استراتيجية ضده من قبل أعدائه. كما يصر التنظيم أن يكون هو الصوت الوحيد الذي يتحدث عن نفسه وبالنيابة عن الشعب الذي يحكمه؛ حيث يقدم كماً كبيراً من المادة الدعائية من أحكام الإعدام المنفذة على الملأ أو أعمال التدمير للأضرحة الصوفية والآثار القديمة إلى مقاطع الفيديو المصورة بمهارة والتي تبرز الحياة الإسلامية في أبدع صورها والتي من المفترض أن تقدمها الدولة الإسلامية في ظل حكمها للبلاد.

يلجأ الباحثون والصحفيون ممن يحاولون فهم شكل الحياة في البلدان التي تخضع للحكم الإسلامي إلى حسابات أعضاء الدولة الإسلامية، مثل التقرير بعنوان “قصص المنشقين عن الدولة الإسلامية” والذي كتبه مركز أبحاث في كينجز كولدج بلندن، وكتابات الصحفيين من وحي قصص الأشخاص الذين فروا من هذه المناطق.

ويُعرِف كاتب مدونة “عين الموصل” نفسه بالمؤرخ المستقل. وتعتبر هذه المدونة آخر محاولاته لتوثيق تاريخ بلاده الحديث والعنيف في نفس الوقت. وقد قال في حوار حصري للفنار للإعلام أنه يحتفظ بصحف ومواد أرشيفية عن الميليشيات العراقية منذ الغزو الأميركي.

في مدونته، يستشهد بهيجل ويشير إلى أقوال هانا أرندت. في ظل حكم الدولة الإسلامية، يعتبر مجرد الحصول على التعليم سبباً لخضوع الشخص لمزيد من الإشراف والمراقبة، كما يقول حسن. “فهم على دراية تامة بأن الأشخاص الذين يتمتعون بالقليل من المعرفة سواء الدينية أو العلمانية لن يتقبلوا حكمهم.” ينظر هذا التنظيم لأي شخص يتمتع بقدرة فكرية وكأنه مشروع قائد معارضة. ومن هذا المنطلق، أغلق التنظيم معظم الكليات ولاحق معظم الباحثين.

تنتهج المدونة منهجاً علمياً تجاه المعلومات؛ حيث تحاول جمع البيانات وتصنيفها والتحقق من دقتها. كما تقدم المدونة تحليلاً اجتماعيًا واقتصاديًا، كما هو الحال عندما تشرح كيف جمع التنظيم معظم أعضائه وكيف حصل على الدعم من قبيلة ريفية مضطهدة خارج الموصل، وكيف ساهم الفساد، والطائفية، والسياسة الأمريكية لاستئصال حزب البعث في تجويف الجيش العراقي بحيث أصبح غير قادر على التصدي لداعش.

ولكن المدون أيضًا يعبر عن مشاعر قوية، بعضها ينبع من إحساسه بأن هناك القليل ممن يعيرون الاهتمام لمعاناة الموصل. فتتغير نبرة المدونة ما بين التحدي واليأس، في بعض الأحيان في نفس الفقرة. ففي تموز/ يوليو الماضي، كتب المدون “لا تزال الموصل تعاني وتنزف وتموت ألف مرة في اليوم الواحد، وتموت معها أي شرارة ضوء أو أمل، فهذه المدونة مجرد هراء.” ولكنه كتب أيضًا في نفس المرة واصفًا نفسه بأنه باحث عن الحقيقة يلاحقها بكل شغف وولع. “إذا كانت هناك جنة، فأنا استحقها، وأتمنى أن تكون جنتي هي الموصل، وإذا كنت استحق الجحيم، فأنا لا أتمنى أكثر من أن أدفن في أرضها.”

والسؤال الذي يسيطر على مدونة “عين الموصل” هو: هل ستنجو الموصل من داعش؟ أكثر من مرة، تحاول المدونة أن تتساءل لماذا لم يحاول سكان الموصل الانقلاب ضد هذا التنظيم؟ ويشرح الأسباب الكثيرة بداية من الخوف من الانتقام إلى إيمان البعض بأن حكم داعش يعد الأفضل من بين مجموعة من البدائل السيئة.

يعقد التنظيم العزم على التخلص من كل من يجد صعوبة في تقبل حكمه، كما يقول حسن. يستهدف التنظيم الأطفال والجهلاء، والتي تعتبر عقولهم كالصفحات البيضاء؛ حيث يمكن تغيير أفكارهم حول حقيقة الإسلام.

وأضاف حسن “لا ينبغي أن نستهين بالتحول الثقافي والفكري الذي تقوم به داعش.” وقال إنه يخشى من التأثير طويل المدى لداعش حتى لو تم التغلب عليها الآن.

يعبر كاتب المدونة عن مخاوفه. ويقول إن الموصل اليوم في حالة من الخوف كما كانت أيام صدام حسين؛ وقتها كان الإبلاغ عن الناس أمرًا شائعًا ولم يكن أي شخص يجرؤ على التعبير عن رأيه. حاليًا، يتم تلقين الأطفال والمراهقين بعنف؛ بحيث أصبحوا أهم مصدرًا لنمو التطرف في المنطقة. يعد تقييمه لمستقبل الموصل مظلمًا. ولكن في النهاية يستند هذا التحدي الإنساني لكاتب المدونة إلى أمله في أن يقف شاهدًا على لحظة شديدة السواد من تاريخ مدينته ولكنها لا تمثل انطفاء تام لبريقها إلى الأبد.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى